تقرير – هدير عبدالعظيم :
على هضبة الجيزة التاريخية، حيث تقف الأهرامات شاهدة على عصور مضت، تفتتح مصر في شهر نوفمبر 2025 أعظم مشاريعها الثقافية للقرن الحادي والعشرين: المتحف المصري الكبير (GEM). الحدث، الذي وصفه المراقبون بأنه “وعد الحضارة الذي أشرق من جديد”، ليس مجرد تدشين لمبنى ضخم، بل هو إعلان عن عودة مصر بقوة إلى مركز المشهد الثقافي العالمي، في تمازج فريد بين عبقرية الماضي ودهشة الحداثة.
واستغرقت رحلة إنشاء المتحف الكبير أكثر من ثلاثة عقود، بدءاً من الرؤية المصرية الطموحة لتشييد صرح يليق بثقل تاريخها. وُضعت حجر الأساس في عام 2005، ومضت مراحل البناء قُدماً لتتجاوز التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، محوّلةً المخططات الهندسية إلى واقع معماري استثنائي.
ويغطي المتحف مساحة تُقدر بنصف مليون متر مربع، ليصبح بذلك أكبر متحف في العالم يخصص لحضارة واحدة. وتكمن عظمة محتواه في ضمّه لأكثر من 100 ألف قطعة أثرية، تمتد زمنياً لتغطي شريان التاريخ المصري كاملاً، من العصور المبكرة ما قبل الأسرات مروراً بالعصور اليونانية والرومانية.

وتجلت عبقرية التصميم المعماري للمتحف، الذي أنجزه المعماري الأيرلندي «هينينغان بنغ»، في استلهام واجهته من المثلث الذهبي للأهرامات نفسها. ينساب البناء بطريقة هندسية مُتقنة، تمنح الزائر شعوراً عميقاً وكأنه في رحلة زمنية متواصلة.
في اللحظة التي يخطو فيها الزائر إلى قاعة الاستقبال، يستقبله تمثال مهيب للملك رمسيس الثاني، الذي يصل ارتفاعه إلى 12 متراً ويزن أكثر من 80 طناً، ليؤدي دور “حارس بوابة الخلود” الذي يرحب بزوار التاريخ من شتى بقاع الأرض.
100 ألف قطعة أثرية… وتوت عنخ آمون ينتظر: مصر تطلق “قنبلتها” الثقافية الكبرى
القلب النابض للمتحف هو الجناح المخصص لملك “الذهب” الشاب توت عنخ آمون. في سابقة تاريخية وثقافية، سيتم عرض المجموعة الكاملة لآثار الملك، والتي يبلغ عددها 5,398 قطعة أثرية. هذا العرض الشامل يُعيد بناء تفاصيل حياة الفرعون الشاب، من كنوزه الذهبية وأقنعته الشهيرة وعرباته الحربية وصولاً إلى أدواته اليومية، لتروي القصة بتفاصيلها الكاملة غير المنقوصة.
وفي وصفه لهذه اللحظة الاستثنائية، أكد وزير السياحة والآثار المصري، أحمد عيسى: «هدفنا يتجاوز عرض الذهب والكنوز؛ نحن نعرض روح الإنسان المصري القديم. إنها فرصة لنعيد الحياة لملكٍ رحل منذ 3 آلاف عام كي يخاطب العالم بلغته الخالدة عن العمق الحضاري.»
ما بعد الافتتاح: المتحف الكبير يغير خريطة السياحة العالمية ويجعل الجيزة قبلة الإنسانية.
يُقام الحفل الرسمي للافتتاح في الأول من نوفمبر 2025، وهو ليس مجرد مناسبة محلية، بل يعد تجمعاً دولياً رفيع المستوى. من المقرر أن يشارك فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جانب عدد من قادة وزعماء العالم، بمن فيهم رؤساء فرنسا واليونان وسنغافورة، إضافة إلى ممثلين عن منظمة اليونسكو ومؤسسات المتاحف العالمية الكبرى.
سيُرافق الافتتاح عرض بصري فريد من نوعه، يوظف تقنيات الواقع المعزز والإسقاط الضوئي ثلاثي الأبعاد على واجهات المتحف والأهرامات، ليصبح الحفل قصة بصرية مُبهرة تحكي تاريخ مصر الممتد من فجر الإنسانية حتى يومنا هذا، كحدث سيظل محفوراً في ذاكرة الأجيال.

كما صرّح الرئيس السيسي مؤكداً على رسالة الحدث: «افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مناسبة محلية، بل رسالة حضارية صريحة من مصر إلى العالم ، نحافظ فيها على الماضي لنصنع به مستقبلنا، ونؤكد دورنا كحراس للتراث الإنساني.»
رسالة بيئية
و يحمل المتحف المصري الكبير أيضاً رسالة بيئية قوية، حيث يُعد أول متحف في إفريقيا يحصل على شهادة الاستدامة البيئية العالمية (LEED)، لاعتماده على الطاقة الشمسية وأنظمة ذكية للتهوية والتحكم المناخي، كما يتضمن المتحف قاعات تعليمية متطورة ومركزاً للترميم هو الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، يعمل به علماء آثار من مصر و14 دولة أخرى.
وفي هذا السياق، علقت الدكتورة صباح عبد الرازق (المدير التنفيذي للمتحف) « لا نعرض التاريخ فقط هنا ، بل نضمن استمراريته عبر الحفاظ العلمي والتقني على هذه الكنوز للأجيال القادمة موضحة أن هذا المكان ليس مجرد متحف، بل هو جامعة متكاملة للحضارة.»
