متابعة / أحمد تركي : باحث في العلاقات الدولية
تأتي استضافة مصر لأول قمة عربية أوروبية، في مدينة شرم الشيخ وبمشاركة رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية أكثر من خمسين دولة عربية وأوروبية، لتؤكد على المكانة المحورية للسياسة المصرية في قلب الشرق الأوسط، وإدراكها التام لمواجهة التحديات المشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
كما تعكس القمة بفعاليتها تدشين مرحلة جديدة من التعاون العربي الأوروبي بقيادة مصر، كونها تأتي في ظروف حساسة في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية عامة، حيث تتطلب الكثير من القضايا التنسيق بين الطرفين العربي والأوروبي، لاسيما المسائل الأمنية وقضايا الهجرة والتعاون الاقتصادي بين ضفتي المتوسط.
ولا شك أن المشاركة العربية القوية في هذه القمة يؤكد على متانة العلاقات بين مصر والدول العربية وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، والتي أكدت مصر دوماً التزامها بأمن الخليج واعتباره من الثوابت المصرية في سياستها الخارجية.
وهنا وعلي سبيل المثال وليس الحصر، تحظى العلاقات المصرية العُمانية بخصوصية تاريخية ثابتة، يؤكدها دوماً التنسيق المشترك بين القيادتين في السياسات والمواقف، تجاه قضايا المنطقة العربية والعالمية.
ولذا فإن المشاركة العُمانية في أول قمة تعقد بين الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، ودول الاتحاد الأوروبي وتستضيفها مصر، بوفد رفيع المستوى ترأسه أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي الممثل الخاص للسلطان قابوس، لتؤكد على خصوصية العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان التي تضرب بجذورها التاريخية في عمق التاريخ.
تكتسب المشاركة العُمانية في القمة العربية الأوروبية أهمية كبيرة كونها تأتي بعد عام تقريباً على الزيارة التاريخية للرئيس عبد الفتاح السيسي لسلطنة عُمان في الرابع من فبراير 2018، وما رافقها من زخم سياسي وإعلامي مميز، دفع بأفاق التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والسياحي بين البلدين إلى الأمام، وأيضا في المجالات التعليمية والإدارية والاقتصادية والبحوث وفي مجالات الإعلام المتعددة، مما يضفي على العلاقات بين مصر وعُمان مزيداً من الحيوية، والتي لم ينقطع التواصل بينهما طوال العقود السابقة.
فضلا عن الإدراك السياسي العُماني لقيمة وضرورة التنسيق الأعمق مع مصر في الظروف الراهنة، التي تمر بها المنطقة العربية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والتمهيد لإيجاد مناخ أفضل، يسمح بالسير نحو إعادة بناء الثقة والعمل على استجماع الجهود العربية للحفاظ على الأمن القومي العربي، ووقف حالات ومحاولات اختراقه من جانب أطراف عديدة.
وأيضا ثمة تناغماً واتفاقاً عُمانياً ـ مصرياً بشأن القضايا التي تناقشها القمة العربية الأوروبية الأولى، والتي من أبرزها مكافحة الإرهاب والعنف والهجرة غير الشرعية، والارتقاء بمستوى التعاون العربي الأوروبي، لتحقيق الاستقرار والرفاهية وتحسين مستوى المعيشة لشعوب الدول العربية والأوروبية، والوضع في المنطقة من مواجهة الإرهاب، وأزمات المنطقة كإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والأوضاع في سوريا وليبيا واليمن.
يرجع هذا التناغم في الرؤي والقضايا إلى مرتكزات راسخة وهي الاستقلال الوطني في السياسات والمواقف الخارجية، وانطلاقا من منظومة قيم ومبادئ مشتركة تساعد على نشر السلام ونبذ العنف في البحث عن حلول سلمية لمختلف الأزمات والصراعات.
إن خبرة العلاقات العربية على مدى السبعين عاما الماضية، تقول بوضوح إن مصر شكلت دوما “عكاز الأمة العربية” كما قال بذلك يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، تعليقاً على زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطنة، هذا فضلا عن أنها كانت باستمرار عمود الخيمة العربية، الذي تنتصب به وترتكز عليه، لتتسع إلى كل الأشقاء، وهو جهد ودور تعزز دوما بمشاركة الدول التي تلتقي مع مصر في توجهها ومساعيها وحرصها على المصالح الجماعية العربية، وتجاوز الخلافات بين الأشقاء على أسس تتيح الفرصة لعلاقات أفضل وأكثر استقرارا، لصالح كل الدول العربية.
ولعل مما له معنى ودلالة عميقة أن سلطنة عُمان بفكر قيادتها السياسية السلطان قابوس بن سعيد، كانت دوما، ولا تزال، الطرف العربي الثابت والدائم في مشاركته وإسهامه مع مصر، يقينا وإدراكا بأهمية وضرورة الحفاظ على مصر قوية وقادرة، ليس من أجلها فقط، ولكن من أجل القضايا العربية والأمن والاستقرار العربيين.
لقد لعبت العلاقات الحديثة المميزة بين عُمان ومصر خلال العقود الخمسة الأخيرة أدوارا حيوية فيما يختص أولا بثبات تلك العلاقة وانسجامها مع مختلف المستجدات التي شهدتها المنطقة العربية والعالم أو من خلال دورهما المميز على صعيد حل عدد من الملفات الشائكة من خلال حضورهما الدبلوماسي النشط على المستوى الإقليمي والدولي مما انعكس على حل بعض الإشكالات العربية – العربية.
ويبقى الأمل معقوداً على الدبلوماسية المصرية في سبل تعزيز الشراكة العربية الأوروبية، بحيث يكون ثمة تعاون اقتصادي متماسك واستراتيجي بين الطرفين يقود إلى آفاق استثمارية وشراكات متعددة الجوانب بما يخدم العرب وأوروبا، في مرحلة قادمة وفق منظومة جديدة من العلاقات الاستراتيجية.