محمود فوزي يكتب.. البراعة الأكاديمية والأمية الأكاديمية في مجال الأداء الجامعي لأعضاء هيئة التدريس مجرد نظرة وتساؤلات!
أن نتحدث عن البراعة الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس فهو من قبيل المسلمات التي نقرها اعتمادا على طبيعة المكانة التي يشغلونها وما يترتب عليها من توقعات تصف هذه المكانة الراقية من قلب وظائف المجتمع.
والبراعة الأكاديمية تصف قدرة أعضاء هيئة التدريس على الأداء الأكاديمي بما يتضمنه هذا الأداء من اتقان ومهارة وإحاطة معرفية وسمعة في مجال التخصص ، وشهرة محلية ودولية بالإنجاز المتعلق بالنشر العلمي وغيره من جوانب الأداء ..، وهي دالة لأمور كثيرة منها الإعداد المتميز لأعضاء هيئة التدريس ، واستعدادهم المهني الايجابي للتميز ، والمداومة في نية الإنجاز ، والأخلاق المهنية الحاكمة في المسيرة الأكاديمية والتعاطي المثمر مع كل أطراف التفاعل ، والحرص على التنافس والتميز وبلوغ غايات تستهدف صالح الجامعة والمجتمع ، وفي نفس الوقت تفعيل الإطار القيمي في جودة الأداء المستمدة من التقدير الذي يصف هذه البراعة ويعلي من قدر صاحبها ، وأضف ما لدى العضو نفسه من دوافع متمايزة لأن يكون مثالا كريما يحتذى به وصورة مشرقة لأعضاء هيئة التدريس الذين يمثلون لواء الجامعة والمجتمع في التنوير والتخلق والانجاز وروعة الاجتماع !
وليس بخفي أن نقرر ما تحدثه البراعة الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس من تأثيرات سواء على مستوى العضو نفسه أو المجتمع الأكاديمي أو الجامعة أو المجتمع العام ، فيحظى الفرد بالرضا عن الذات ويستشعر أهمية وعظمة ما يؤديه من أدوار ، وما يحققه من انجازات يأتي مردودها في سمعته ووطنيته وجميل مسلكه الذاتي والاجتماعي والعالمي ، ومن آثار البراعة على المجتمع الأكاديمي هو حالة الاستنفار الأكاديمي المستمرة وروح التنافس والمبادرة والانجاز والتميز ، التي تسيطر على هذا المجتمع الأكاديمي ، وتدفعهم الى تحقيق دينامية في الأداء الراقي والتجاوب المستمر مع كل جديد وتحقيق انجازات متمايزة في مسيرة الاختصاص ورفع شأن الجامعة في المحافل العلمية والدولية وغيرها …الخ .
وكذلك فالبراعة الأكاديمية تحقق نجاحات راقية للجامعة بين الجامعات المناظرة ، وتصف ميزة تنافسية خلاقة من الابداع والتفرد ومجاوبة العالم في أدق ما يحقق له تميزا أو تنافسية من خلال الانجاز العلمي للجامعة محضن التطور وقاطرة التغيير والرقي للمجتمع على مسارات كثيرة وأبعاد متباينة…، وكذلك فالبراعة الأكاديمية تحقق للمجتمع العام زهوا وفخرا وتميزا ومزيد تنافس على مستوى العالم ، فالعلم هو مسلك الوجود في عصر التغير والثورة المعرفية والرقمية الكبيرة ، وهو ميدان التنافس الحقيقي للاستمرارية والتفرد في عالم لم يعد يعترف إلا بالعلم والانجاز والتميز ، وهذا ما تحدثه البراعة الأكاديمية التي تصف أرقى ما يمكن الوصول اليه من ابداع في مسيرة العلم والعالم ..!
وفي جانب آخر ربما يحدث صدمة كبيرة أو اشكالية يمكن أن نقف عندها كثيرا ، وهو وجود مفهوم أو ما يشبه ظاهرة مفاهيمية تصف واقعا نعيشه وندرك أبعاده الظاهرة جيدا ، هذا الجانب يعبر عن مفهوم أو ظاهرة ( الأمية الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس ) ، وقد نعترض – طبعا- على هذا المفهوم إذ كيف تكون هناك أمية لأعضاء هيئة التدريس حتى ولو كانت أكاديمية ؟! ، فهم مقاصد العلم وأصحابه وألبابه ، ومن خلالهم يزهو ويزدهر ويؤثر في مسيرة الأفراد والمجتمعات ، وكذلك فطبيعة أدوارهم ومكاناتهم المجتمعية والعلمية ، لا يمكن أن تصف هذا الأمر لا من قريب أو بعيد …!
ولكن يظل لباب التفهم أو الرغبة في الاداراك والوقوف الحقيقي على دلالة المفهوم نصيبا من الأمر ، فمعنى الأمية الأكاديمية هنا لا يصف ضعف ما لدى أعضاء هيئة التدريس من علم عام ، ولا يتعلق فقط بالخلل في اعدادهم ، ولا يتصل كذلك -في المطلق- بزعزعة ما يتمتعون به من مكانة ، ولا يمكن أن يجترئ أحد على مكانة الأستاذ فيصفه بالأمي !!! ، لا وألف مرة لا ، فنحن هنا بصدد التعامل مع قضية تتقابل كثيرا وتتضاد مع مفهوم البراعة الأكاديمية ، فأنت عضو هيئة تدريس نعم وأنت صاحب مكانة نعم ، ولك نفوذ اجتماعي نعم ، ولكن هناك البعض من أعضاء هيئة التدريس والذي توقف نموه الأكاديمي عند نقطة محدودة جدا في مسيرته الأكاديمية ، وهناك خلل وضعف كبير في معارفه ومعلوماته وحجم انجازه وتعاطيه مع المتغيرات والجديد والمستحدث في مجال تخصصه الأكاديمي ، وكذلك فهناك ضعف وفتور أكاديمي للتشارك والتجاوب العالمي فيما يتعلق بالإبداع والتميز في مجال التخصص الأكاديمي ، وبالتالي يصاب العضو بحالة هي أشبه بالأمية بحيث تجد فقرا وافتقار كبيرا عند بعض الأعضاء فيما يتعلق بالمعارف المتجددة والأفكار الرائعة في مجال العلم ، والمستحدثات التي تهز العالم ، وكذلك افتقار وفقرا للتجاوب مع مصادر التنمية الأكاديمية وما يتم نشره في الدوائر العلمية المقرونة بها ، وهنا تجد ضعفا وتراخيا وتبلدا أكاديميا وتراجعا عن الركب الحضاري المتطور ودافعاته في التميز والتنافسية ، ونجد عضو هيئة التدريس كـأنه أمي يجهل مقوماته المعرفية العصرية ومرتكزاته الفكرية التطورية ، ومنجزاته التطبيقية الآنية ، ومصادره التفردية الابداعية ..الخ …
وهذه الظاهرة لها مدلولات وشواهد كثيرة من تقارير ودراسات تصف الضعف والتأخر والتراخي الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات وأخص العربية ، والتي تسببها عوامل الغفلة الأكاديمية والغرور والاكتفاء بما لدى الذات المتكبرة من معارف أو خبرات ليست عصرية أو تتواكب مع التغير والتطوير الحادث في العالم ، وقد تسببها عوامل أخرى ومنها الضعف الذاتي في التدريس أو البحث أو التجاوب مع الأوساط العلمية والنشر العلمي الرفيع ، والذي هو نتاج العشوائية في اعداد واختيار أعضاء هيئة التدريس ، ومجاملة بعضهم على حساب المكانة والانجاز المتوقع ، وكلك في صعوبة متابعة وتقييم النمو المهني لأعضاء هيئة التدريس من قبل المؤسسة الجامعية ، نظرا لغياب المعايير والقيم الأكاديمية التي ينبغي أن تقود المسيرة وتكون المرجع في تطوير الأداء وبلوغ الغايات …الخ …
وأتساءل :
– هل يمكن أن تندحر البراعة الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس في عالمنا العربي؟
– وهل يمكن أن ننسى أو نتناسى أهمية التميز والتنافسية في المجال الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات؟
– وهل سيسيطر مشهد الغلو الأكاديمي بحيث تطغى قيم الفردية والأنامالية، ولا يقدم الأكاديمي ما يحتاج اليه مجتمعه أو يبتغيه؟
– وهل ستستشري ظاهرة الأمية الأكاديمية لتكون واقعا لا يمكن تجاوزه لدى البعض أو تغييره؟
– وهل سنستسلم لحالة (كل انسان حر في اتجاهه) – على مستوى أعضاء هيئة التدريس – وبالتالي لا رقيب أو محاسبة قيمية فردية أو مؤسسية؟
– وهل ستسيطر على المشهد الأكاديمي بجامعاتنا العربية حالة (على قدرنا وقدر امكانياتنا) ، فليس في الإمكان أكثر مما كان ؟
أعتقد أننا سندرك وبعقلانية ووازع من ضمير أنه ينبغي أن تحل البراعة الأكاديمية محل الأمية الأكاديمية في أداء أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، حتى تظل الصورة كما هي، وحتى نحقق لأنفسنا ولمؤسساتنا الأكاديمية ومجتمعنا، تميزا وتفردا وابداعا، يكون هو الشاهد على عالميتنا ومعبرا عن ما نتمتع به من قدرات وممكنات وطاقات خلاقة، هي مفاتيح التطوير لو أردنا !
وللحديث بقية إن شاء الله …
أ.د. محمود فوزي أحمد
جامعة المنوفية …
التعليقات مغلقة.