محمد عيد يكتب: سحر ثورة 1919
تمر السنون، وتذهب الأيام مع كل غروب شمس، وتُقتل الساعات، فلا تعود ثانية، ويفنى الناس، ويبقى الوفد ويبقى التاريخ، وتبقى الكرامة، وتبقى المبادئ، ويبقى مفعول سحر 1919 على المصريين والأمة العربية، والعالم، حيًا باقيًا في عقول الجميع.
قبل قرابة أكثر من 100 عام، اندلعت ثورة ذات طابع وطني خاص وفريد، ثورة قادها صفوة الشعب ونخبتها، لتطوف بلاد القطر المصري.. تحالف شعبي واسع، من الفلاحين والعمال والطلبة والموظفين والمهنيين والمحامين، والمسيحين والمسلمين، وأصحاب الحوانيت الصغيرة والزراعيين، رجال ونساء.
حب الوطن والانتماء الفريد، كان سمة ليس كمثلها في الأرض ولا في السماء، الكل اجتمع نحو هدف واحد، ودون خلاف أو حتى اختلاف، اجتمعوا على الخلص من الاحتكارات الأجنبية، وتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي، والتف الجميع خلف زعماء الوفد.
كان سعد باشا زغلول.. الزعيم والقائد، الذي يحس بنبض الجماهير، على اختلاف مستوياتهم الطبقية، وكان قادرًا على تجميعهم في بوتقة الثورة، وكان مصطفى باشا النحاس الذي تعرض ست مرات للاغتيال، وكانت صفية زغلول ابنة رئيس مجلس النظار مصطفى فهمي باشا، زوجة سعد، وأم المصريين، وكانت هدى شعراوي زعيمة أول مظاهرة نسائية، وزوجة ثاني الوفد الثلاثي علي باشا شعراوي.
كانت الوحدة الوطنية، لشعبي هو نسيج واحد وسبيكة واحدة وأمة واحدة، فلا يمكن تعريف الوحدة الوطنية المصرية على أساس الدين أو العرق فحسب، بل هي وحدة الأمة بجميع أحزابها وفئاتها وطوائفها وأديانها.
ثورة أجبرت الاحتلال البريطاني على إعلان استقلال مصر، فكان إنجازًا سياسيًا كبيرًا لثورة 1919، إنجاز رغم أنه لم يستطع تحقيق الجلاء الفوري لقول الاحتلال من أرض مصر، إلا أنه كان الأساس الذي قام عليه نظام الحكم، ثورة أسست لأول دستور قرر سلطة الشعب وحقه الشرعي في حكم نفسه بنفسه، وحددها حقوق المصريين وحريتهم السياسية، ثورة ألفت المجلس النيابي 1924، وألغت الامتيازات الأجنبية.
ثورة أطلقت الطاقات الشعبية كافة، في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والفنية، وبقت الشعور بالانتماء للوطن، وروح التضحية في سبيله، وأنجبت جيلًا من الرواد في جميع المجالات.
إنها ثورة الشعب، ثورة 1919، التي رسخت مبادئ العيش والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني، وضعت دستورًا منذ أكثر من 100 عام في 6 كلمات فقط.. “الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة”.