بقلم/مُحمّد عُكاشة
الفَريقْ مُحَمد حمدان دَقلو ( حِميدتي ) النائبُ الأولُ لرئيس مَجلسِ السيّادة وقتذاك وقائدُ قوات الدعمِ السريع شَغلَ الناس بمواقفهِ وتصريحاته مُنذ بداية الإحتجاجاتُ الشعبية العارمَة ضدَ نظام الثلاثين من يونيو بل وقبَلها ببضعِ سنوات يهمسُ الناسُ بدورٍ يقومُ به لصالح الرئيس السابق عُمر البشير الذي تَخيَرهُ لإحداثِ فَرقٍ ضمنَ مَوازين القُوي التي بدأت تختلُ بين الرجلِ وشُركائه في السُلطة بأجنحتهم المُتعددة أشتاتاً في( قيادة ) الحركة الإسلامية من جهةٍ وفي الأجهزة الأمنية من جهةٍ أخري، وكذا ( المُتمكنين ) من مفاصل الدولة وخصُوصاً المُمسكين بمفاتحِ ( خزائن ) المال العام والمؤسسات المالية والإقتصادية وهو يخشي مكَرهُم ومسعي التضحيةِ به.
السيّد حميدتي وقُبيلَ سقوط البشير بسنوات لم تَثُر بشأنه إتهاماتٍ بخصوص أعمالٍ عسكرية أو استخباراتية منظورةَ لصالح الرئيس البشير غيرَ أنّ ظُهوره في المشهدِ الداخلي للنظام جعلَ البعضُ يتحسسُ مواطئ أقدامهِ تحسُباً لأيةَ مُحاولةٍ لإنقضاضِ البشير بدفعٍ من حماية قوات الدعم السريع للانفرادِ بالسلطة، وذا وجدَ تفسيراتهُ مُقاربةً موضوعية حين احتدت الإحتجاجاتُ الشعبية وتنامت للمُطالبةِ بهدفٍ واحد لا مَحيدَ عنه، وهو ( تسقُط بس ) مما حدا بزعيمَ الحركة الإسلامية علي عثمان محمد طه بالتهديدِ مُلوحاً برايةِ ( كتائب الظل ) التي تَخفُ بديلاً لسقوط الحُكومة تَقفلُ الطريقَ ضدَ أي تحولٌ مُحتمل وتعملُ علي تعويقِ وعرقلةِ مساراته وفقَ خططٍ مدروسة تجعلُ ( الهبوط ) الناعمَ آخرَ الخيارات.
السيّد حميدتي بقُواته أخذَ ظُهوره يسطعُ أخرياتُ أيام البشير مطلع العام 2019م حيث بدت صُورتهُ تأخذُ نَمطاً مُحدداً في ذهنِ الشارع السوداني بأنهُ الجهةُ الوحيدة التي تتصدي لقمعَ الإحتجاجاتِ السلمية بالقتل والمُطاردة ومُحاصرةُ الشباب علي الرغُم من تصريحاته أولَ أيامَ رحيل عمر البشير ومُخالفته للقادة العسكريين عضوية اللجنة الأمنية للرئيس البشير في كثيرٍ من الأمور وماصاحبَ ذلك من تجاذباتٍ بخصوص الإنتقال إلي مرحلةِ مابعد الإنقاذ سوي أن حميدتي حتي توقيع الوثيقةِ الدستورية ظلَ أسيراً للقلق يُساورهُ بأن جهةِ ما تحُاول نصبَ الفِخاخ لقوات الدعم السريع لشيطنتها ولتشويهِ صُورتها أمام الشعب السوداني والرأي العام الدولي، خاصةً حين شُذوذ جماعة من ( القناصة ) تحصدُ أرواح المُواطنين في ثورتهم السلمية وقضي تبعاً لذلك عددٌ من الشباب فاضت أرواحهم الطاهرة في المَسيرات المُتتالية.
حَميدتي وقواته يُجاوزانِ المدي في السخطِ والغضبِ الشعبي غداةَ فضْ إعتصام القيادة العامة عند ( السَحر ) خواتيمَ شهر رمضان المُعظم يومِ الإثنينِ الموافق للثالث من يونيو/حزيران 2019 والذي راحَ ضحيته ثلةٌ من الشباب والشابات بطريقةٍ قتلٍ وحشية وإعتداءات جنسية هَزت الضمير الإنساني العالمي قبل أن تُدمي قلوب أهل السودان قاطبة، وعلي الرُغم من أن التحقيقات بشأن هذه الجريمة تُرواحُ مكانها إلا أن السيد حميدتي لم ينفِ إتفاقهم في المُكون العسكري وبعضِ الجهات بإستخدام خراطيشَ المياه والهُروات والغازَ المُسيل للدموع بقوات مشتركة منزوعةَ السلاح ولكنه نفي جملةً وتفصيلاً أن تكون قُواتهُ هي من فعلَ ذلك، وأن ماتمْ هو ( فخٌ ) تم نصبهُ بعنايةٍ وترتيب، بل وفي تسريباتٍ خاصة أكدَ الرجل علي إمتلاكه معلوماتٌ كافية ودقيقة عن الذي فعلَ هذه الفَعلة وهو يَدّخِر شهادته في الوقتِ المناسب، مُبديّاً في الوقت ذاتهُ استعدادهِ لتقديمِ الجُناة من قوات الدعم السريع للمُحاسبة والقَصاص العادل لمن يثبتُ ضده ذلك، حتي ولو غَرّر به الفاعلُ الأصلي.
السيّد حميدتي بالنظرِ إلي شخصيته حالَ الإقترابَ منه بُغية تحليلها أو فحصِ مقولاته تجده يعتمدُ التلقائية والعفوية والبساطة، غير أن العُمق صفةَ تكشفُ عن خصيصةٍ مائزة لطريقةِ عمله، بالمُقارنة إلي مُعظم قادة الكتائب والفصائل المُشاركة في النزاعات، سواءً في دارفور أو في المناطق الأخري، ولذا فهو يكادُ يجزمُ بالقول إلي بعض المُقربين منهُ قبل فض اعتصام القيادة بأن وراءَ الأكمةَ ماوراءها حين تم استعادةُ ضابطٍ معاشي يَحفلُ سِجله بالعنافةِ البالغة ضد خصوم ( الإنقاذ ) منذ وشِايته وهو ضابطٌ صغير وقتئذٍ بزملائه في حركة ضُباط رمضان، ودوره في إعدامهم، فضلاً عن دوره في مُحاولة قلبِ نظام الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو بالتخطيط والدعم وإسناد مُعارضيه في العام 2008م، ولقد تمت إحالتهُ – الضابط – إلي المعاش حين تضافرت الأجنحةُ المُتصارعة داخل النظام بإقصاء صلاح قوش من رئاسة جهاز المخابرات لصلته به، ليتفاجأَ حميدتي بذات الضابط تتمُ إستعادته للخدمة وترقيتهُ وإعطاؤه دوراً جديداً.
حميدتي إبان التفاوضِ مع إعلان قوي الحرية والتغيير ومع تصاعدِ الدعوات بضرورة دعم ( المدنية ) ومن خلال لقاءاته المستمرة مع رؤساء البعثات الأجنبية واستجابةً للمد الثوري أخذَ موقفهُ يتبلورِ علي نحوٍ داعم للخط العام، مع احتفاطه بحالة القلقْ تجاه ( أجندات) الجهات المُتربصة به، بحسُبانه العقبةُ الكؤؤد لمحاولات إنتاجِ النظام السابق في قناني جديدة تتماهي مع الراهنَ المُستجد والمُتغير الدولي ضدَ أية مُغامرةٍ لانقلاب عسكري أو سياسي، ولقد أخذت صورته بهذه المثابةَ تتحسنُ تدريجياً لجهةِ حماية الثورة وصيانةِ مكتسباتها خُصوصاً حين كانت تخفُ قواته تستنجدُ المواطنين ضد أعمال الثورة المُضادة، أو محاولات التخريب والتفلتات، وهو دورٌ للقوات النظامية تتقاعسُ عنه بالتوجيهات الباطنية لقادتها ومعظمهم مُنتمون، ولذا فإن مليونية تصحيح مسار الثورة طالبت بإقالة عادل بشائر مدير عام الشرطة.
السيّد قائد قوات الدعم السريع بالرغم من الشائعات الملهوجة حول أدواره في الصراع بدارفور والتي تفتقرُ إلي الدقة والموضوعية والمعلوماتية، لتجعلَ منه وقُواتهِ هدفاً للمُحاسبة الدولية الجنائية، إلا أنه يكسبُ الرهان مع الاتحاد الأوروبي بإمكانية الاستفادة من قواته للعمل علي مكافحة الهجرة غير الشرعية وعملياتُ التهريب والاتجار بالبشر، فضلاً عما يُمكن أن يحظي به من دورٍ مع وصول البعثة الأممية للسودان ضمن الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وما كان متوقع أن تتُيحه من فرصٍ واسعة لتحقيق السلام والتنمية المُستدامة في مناطق النزاع، وإعادة دمج قواته وتأهيلهم أو تسريحهم ليغدو الرجلَ الكاسبَ الأعظم يقطفُ ثمارَ الانتقالةَ الجديدة من الرِكابْ إلي الكِتاب.
نواصل
التعليقات مغلقة.