الحلقة الثانية.
أنهيت دراستي الجامعية في 2004.
كان شاغلي الأول والوحيد عمليات قدمي اليمني فقد كنت أظن أن بداية تحقيق أحلامي وانطلاقي مرهون بالتخلص من الإعاقة، وبالفعل في نهاية 2004 وبداية 2005 حجزت بمعهد شلل الأطفال بإمبابة تمت العملية الأولي بنجاح منقطع النظير أثارت دهشة الأطباء، وتأهبت للعملية الثانية التي تسمي طبيا عملية ( اليزارووف) هذا الجهاز اللعين الذي يخترق الجلد والعظام، عن طريق أسياخ وشرائح ومثبتات فهمت من الجراح أنها ستكون عمليتين في عملية واحدة بمعني سيكسر عظمة الساق لتطويل الساق وفي نفس الوقت سيكسر القدم لتطويل الكعب وعدل مشط القدم.
دخلت حجرة العلميات استغرقت العملية أو بالأحري العمليتان أكثر من ثماني ساعات نزفت دما كثيرا خرجت من الإفاقة وكأني جثة هامدة وفي قدمي اليمني هذا الجهاز اللعين كان الأطباء يسكنون آلامي بالتخدير كانت عملية التطويل بشعة وقاسية والأسوأ المكوث بالمستشفي التي كانت بالنسبة لي تشبه سجن جوانتنامو الكآبة ورائحة المرض والألم تسيطر علي المكان حالات أسوأ من حالتي، تحتاج للمواساة مثيرة للشفقة والتعاطف تجعلك تحمد الله علي ماأنت فيه كنت أواسيهم وأنا أحتاج لمن يواسيني كنت أحاول تضميد جراحهم وأنا في حاجة لمن يضمد جراحي وأخيرا وبعد معاناة وإلحاح كتبوا لي الخروج من هذا السجن الكبير شريطة المتابعة كل أسبوعين.
وفي كل مرة أذهب للمستشفي للمتابعة وإجراء الفحوص والإشعة تكون النتيجة صادمة (لسه العظم ملمش).
بعد مايقرب من عامين قرر الأطباء دخولي العمليات ثانية وخلع جهاز إليزارووف وتركيب آخر أيقنت أن هناك خطأ ما ولكن ماباليد حيلة.
خرجت من العمليات وأنا شبه المؤمياء وجسدي وروحي قد قتلهما اليأس وفقدت الأمل في المشي ثانية وتجسد هذا المثل أمامي (جه يكحلها عماها).
مازالت عظمة الساق لم تلتحم بعد بدأ اليأس يدب إلي قلبي وتسوء حالتي النفسية وفي إحدي زياراتي للمستشفي قرر الأطباء إجراء عملية ترقيع باستئصال عظمة من الحوض ووضعها في قدمي اليمني حتي تلتحم وتلتئم العظام حتي يزيلوا الجهاز من قدمي، كان هذا بالنسبة لي هو الفشل الطبي بعينه لتتحطم أحلامي وطموحاتي علي صخرة جهاز الإليزارووف، كنت مستسلم ومنقاد وعاجز عن التفكير لاأحلم إلابالتخلص من هذا الجهاز اللعين الذي عشق صحبتي ولايريد مفارقتي.
في هذه الأثناء انشغلنا بحادثتين خطيرتين كادتا تعصفان بمنصب أبي وبنا.
الأولي، كان أبي آنذاك مستشار الوزير للغة العربية بوزارة التربية والتعليم، زاره في مكتبه صديقه العالم التربوي الجليل الأستاذ الدكتور رشدي طعيمة العميد الأسبق لكلية التربية جامعة المنصورة رحمه الله رحمة واسعة وبينما يتجاذبان أطراف الحديث إذا بجرس هاتف تليفون والدي المحمول يرن، وكانت المتحدثة صحفية من جريدة الشروق واسمها “نيفين أشرف” وكانت ضمن من يتردد علي مكتب أبي للحصول علي الأخبار لنشرها.
بادرت أبي قائلة:
أنا أقرأ قصة الأيام للدكتور طه حسين المقررة علي الصف الثالث الثانوي مع أخي لكنني منزعجة لمايلي: كيف لطه حسين وهو ابن الأزهر يسخر من الأزهر ومن الأزهريين ويصفهم بهذه الصفات السيئة، ثم إن الأحداث في هذه القصة قد ينقصها أحيانا الترابط”
فرد عليها والدي:
من حسن حظكِ أن الأستاذ الدكتور رشدي طعيمة والذي كان رئيسا للجنة التي اختارها الوزير لكي تجتزأ قصة الأيام بأجزائها الثلاثة لتخرج من هذه الأجزاء كتابا مدرسيا”
وأعطي الهاتف للدكتور رشدي طعيمة وأخبرته بانزعاجها من قصة الأيام للسببين اللذين ذكرتهما.
فأجابها قائلا: ياأستاذة من ناحية إهانة الدكتور طه حسين للأزهر والأزهريين فهم الذين أهانوه أولا بقولهم له: اقرأ ياأعمي وقد عيروه بعاهة لادخل له فيها فالرجل وجد متنفسا ليرد جانبا من الاعتبار لنفسه، وأما من ناحية عدم ترابط الأحداث أحيانا فيعود إلي أن الأيام تتكون من ثلاثة أجزاء وقد طلبت الوزارة منا أن نجتزأها في كتاب مدرسي، فمن الوارد أن تجدي بعض الأحداث مبتورة أو غير متلاحمة التلاحم المطلوب”
هذا كل ماقاله الرجل مع ملاحظة أن أبي لم يعلق علي شئ مما استفسرت عنه الصحفية، كانت هذه الواقعة يوم خميس ومر الجمعة والسبت ولم يقرأ أبي أية صحف في هذين اليومين.
وفي يوم الأحد ذهب أبي إلي العمل وقد كان له اجتماع مع الوزير أحمد زكي بدر الذي وجه حديثه إلي أبي قائلا:
أنت أصبحت يادكتور حسن أشهر مني” فقال له أبي عفوا معالي الوزير فضحك بسخرية وقال: هذه هي الحقيقة واسأل الإعلام عنها” فلم يرد إليه أبي جوابا، فقد كان أبي بالفعل خالي الذهن تماما ولايدري ماذا يقصد الوزير بحديثه، لكن زملاء أبي قالوا له: انتظر حتي ينتهي الاجتماع ونخبرك، وعرف أبي فيما بعد أن الصحفية التي تحدثت معه ومع الدكتور رشدي طعيمة كتبت تحقيقا كبيرا أفردت له صفحة كاملة بجريدة الشروق كان عنوانه:
علي مسئولية مستشار اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم:
“طه حسين أساء إلي الأزهر وإلي الأزهريين”
وكتبت تحت هذا العنوان: صرح الدكتور “حسن حمادة” مستشار اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم بأن الدكتور طه حسين أساء إلي الأزهر وإلي علمائه من خلال كتاب “الأيام” المقرر علي طلاب الثانوية العامة….. إلخ.
كان ذلك صباح السبت وفي المساء تلقف الإعلامي “محمود سعد” هذا الخبر وكان يقدم آنذاك برنامج: “البيت بيتك” ووضع الجريدة أمامه وأخذ يصب جام غضبة علي أبي قائلا: كيف لهذا المستشار أن يسب رمزا من رموز التنوير في العصر الحديث؟ كيف؟ كيف؟
وأخذ يهاتف بعض أساتذة الجامعات ويسألهم: ماذا تقول في شخص الدكتور طه حسين فكانت الإجابات بالطبع: إنه قامة عظيمة من قامات الثقافة ورمز من رموز التنوير في العالم العربي في العصر الحديث، حسبه أنه تغلب علي آفة العمي وعلي الجهل وشق طريقه في فرنسا، وكانت ثقافته همزة وصل بين الشرق والغرب، وصنع نهضة تعليمية في مصر، ونادي بأن التعليم للإنسان لاغني عنه فهو كالماء والهواء…. من ذا الذي يجرؤ علي مهاجمة رجل كهذا؟
فيجيبهم محمود سعد: إنه مستشار اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم الدكتور حسن حمادة”.
أما مداخلة الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق فقال: طه حسين له ماله وعليه ماعليه وأخذ يعدد في مناقبه ثم أردف قائلا: لكن له زلات حوسب عليها في وقتها وعلي رأسها كتابه في الشعر الجاهلي الذي أثار ضجة كبيرة لأنه يشكك في تراث أمة، كذلك إنكاره لسورة من سور القرآن الكريم وهي سورة الفيل، فقد قال: لم يكن هناك طير أبابيل سلطه الله علي جيش أبرهة وإنما كان هناك طاعون في بلاد العرب هو الذي أباد جيش أبرهة وجعله يعود أدراجه”
والغريب أن هذا الإعلامي لم يتصل بأبي ولم يمنحه حق الرد وادعي كذبا أنه حاول الاتصال بأبي وأن أبي أغلق هاتفه ويشهد الله أن أبي لم يتحدث إلي هذه الصحفية بكلمة واحدة تسئ إلي طه حسين هذا الطود الشامخ وكذلك الدكتور رشدي طعيمة ولاأدري كيف سوغ الضمير الصحفي والمهني والإنساني لهذه الصحفية أن تكتب تحقيقا مفبركا كهذا!
وكيف لهذا الإعلامي أن يخرج علي الرأي العام بحلقة تليفزيونية دون أن يتثبت من الخبر وكيف يصادر علي الرأي الآخر؟
وكيف ينزلق إعلامنا إلي هذا المنحدر وكيف يقع في هذه السقطة المهنية الكبري؟
وفي اليوم التالي خرجت الصحف القومية والخاصة لتتحدث بمانشيتات ومقالات وتقارير وتحقيقات غاضبة بنيت علي تحقيق كاذب.
وفي يوم الإثنين احتشد وفود الصحفيين أمام مكتب أبي لاستيضاح الخبر من مصدره فتحدث إليهم بحقيقة الأمر ولكن للأسف لم يكتب أحد منهم في صحيفته الحقيقة، وبلغ من فداحة هذا الخبر الكاذب أن وصل الأمر للصحافة العالمية ليفاجأ أبي بمدير مركز تطوير المناهج التابع للوزارة يتصل بأبي قائلا: يادكتور حسن هل تحدثت إلي إحدي الصحف بشئ عن الدكتور طه حسين؟
فقال له أبي لم يحدث شئ من هذا وأخبره بالحقيقة فقال لأبي: إن مراسلة وكالة “رويترز” تسألني: هل أنتم علي خلاف مع فكر طه حسين؟
وهل تنوون إلغاء قصة الأيام المقررة علي طلاب الثانوية العامة؟
فأجبتها: من قال هذا؟ قالت: د. حسن حمادة مستشار الوزير في اللغة العربية… لكن علي العموم عرفت منك الحقيقة وسوف أخبرها بذلك.
والحق يقال أن الذي حسم هذا الجدل هو الوزير أحمد زكي بدر حيث اتصل بأبي وطلب منه الذهاب لمكتبه فذهب إليه والدي.
سأله الوزير: هل تحدثت إلي إحدي الصحف بشئ عن طه حسين وعن قصة الأيام؟
فذكر له أبي حقيقة الأمر وأن الدكتور رشدي طعيمة شاهد عيان فهو الذي تحدث مع الصحفية وماأساء في حديثه إلي شخص عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
فقال لأبي: اكتب تكذيبا لهذا الخبر لأنشره في جريدة الأهرام وفي جريدة الشروق التي أعلنت هذا الخبر الكاذب” وقد كان.
في هذا الموقف وجدت أبي هادئا يدير المعركة ببساطة وبأريحية علي عكس الحادثة الثانية كان أبي متوترا متوجسا من الوزير غير راضيا عن توجهه ولاعن قراراته العنترية الهوجاء ولاعن أدائه السطحي الإنفعالي.
استسلمت لعملية الترقيع لكن أمي رفضت بشدة وتصدت للأمر وقالت: إلا هذه المنطقة” حاولنا وحاول الأطباء أن يفهموها أنها عظمة زائدة وضعها الله في جسم الإنسان لحالات الطوارئ كقطع غيار تستعمل عند اللزوم ولكن أمي كانت تظن أن ذلك سيؤثر عليً مستقبلا في الزواج والإنجاب، لم يكن أمامنا إلا اللجوء لله سبحانه وتعالي نصحني الأطباء بالاهتمام بالحالة المعنوية فهي العامل الأول لاجتياز هذه المرحلة، ومما زاد الطين بلة استبعاد أخي عمرو من النيابة العامة ومن مجلس الدولة ومن هيئة قضايا الدولة وبعد نتيجة كل هيئة أجد أبي يسجد لله شاكرا وأمي تحاول التخفيف عني وعن أخي، كانت أياما صعبة رتيبة كئيبة لم يقلل من حدتها إلا حصول عمرو أخي علي الماجستير، ولكن للأسف ماجستير مع إيقاف التنفيذ، ولكن كانت ألسنتنا تلهج بالحمد والثناء والدعاء والثقة في رب العالمين، وأن كل ذلك نوع من أنواع الابتلاء وبعد المحن تأتي المنح وبالفعل كنا مع موعد آخر مع القدر فساق الله سبحانه وتعالي لنا فرحة مابعدها فرحة قلبت بيتنا رأسا علي عقب وتبدل الحال من حالة اليأس والاحباط إلي حالة من السعادة البالغة، فأخي عمرو عين وكيلا للنائب العام وأصبح مستشارا بالنيابة الإدارية بعد عناء ووعثاء ومجهودات شاقة فارتفعت حالتي المعنوية.
دوي الخبر في البلدة وهاهي الأفراح تعود لبيتنا من جديد والجميع يتسابق بالتهنئة.
وكالعادة ذهبت للمستشفي للمتابعة وإجراء الفحوص والإشعة وكانت دهشة الأطباء وهم يسألونني (عملت إيه؟
إزاي ده حصل؟
حقا إنها معجزة بكل المقاييس. (العظمة لحمت) ياالله…ياكريم…يالطيف…ياعظيم..ياحبيبي…ألف حمد وشكر لك يارب.
أخيرا سأتخلص من جهاز إليزارووف اللعين ولكن للأسف لن يُزال إلا بعملية جراحية و(بنج) كلي قلت للأطباء لا لن أدخل عمليات ثانية إخلعوه (علي الحي أي بدون بنج) رفض الأطباء وقالوا لي: لن تتحمل فهو بين اللحم والعظم!!! ولكني صممت.
كان خلعه بمثابة خروج الروح من الجسد فالألم كان لايوصف وكان فوق تحمل البشر ولكني أخيرا سأتحرر من الأسر.
لن أنسي هذه اللحظة وأنا أتقدم بكل شجاعة لخلع الجهاز والأطباء وطاقم التمريض مدهوشون فلأول مرة يشاهدوا مريضا يخلع جهاز إليزارووف بدون (بنج) وهم مشفقون عليً وينصحونني بدخول العمليات ولكني كنت لاآبه لهم وأشكرهم علي النصحية.
بدأ الطبيب في خلع الأسلاك سلك وراء الآخر ومع كل سلك تُنزع روحي فقط كنت أتجمر ولم تصدر مني أها واحدة وهم جميعا يتفحصون وجهي حتي انتهي الطبيب من الخلع الذي تقدم نحوي وسلم عليً بحرارة ومثله طاقم التمريض.
كان شعوري بأنني أودع صديقا إلي مثواه الأخير وسأدفنه في القبر غير مأسوف عليه ولن أترحم عليه ولن أحاول حتي تذكر أيامه ولياليه التعيسة التي كان يلازمني فيها دون إرادتي ورغما عني.
تغلبت فرحتي علي آلامي وكان شعوري آنذاك شعور العائد المنتصر توا من معركة مصيرية فبالفعل كانت معركة بيني وبين جهاز الإيزارووف الذي نصرني الله عليه.
واظبت علي العلاج الطبيعي حتي أتخلص من العكاز ولكن دون جدوي فالركبة كانت (متنية) ولامفر من فردها إلا بعملية وقد كان.
خمس سنوات من الألم والمرض والجراح والحقن والمسكنات والأدوية وتطويل العظام، خمس سنوات وأنا مجمد في البيت والدنيا تتحرك حولي بسرعة الصاروخ وأنا علي فراش المرض لاأعرف النوم إلا علي وضع واحد (النوم علي الظهر فقط) ولاأنام إلا غفوات وفي أحيان كثيرة أستيقظ من هذه الغفوات علي الألم، رحلة من المعاناة والابتلاء والصبر والإيمان واختبار قوة الإرادة والتحمل كسبت فيها صديقا جديدا لايفارقني عكاز أتكئ عليه يلازمني في كل خطوة، لم أكن أعلم أنني بهذه القوة الإيمانية وأن هذا الجسد النحيل سيصمد في وجه الآلام، ولكني وجدت نفسي عكس ذلك صلدا صلبا صابرا شاكرا حامدا، أفادتني رحلة المرض أيما إفادة يكفيني ثقتي بربي وأنه لن يخذلني وسيعوضني خيرا وأنه ينقيني ويصهر ذنوبي كما يصهر الذهب بالنار ليُنقي من الشوائب كان هذا أكبر وأعظم الدروس.
أما الحادثة الثانية ففي عام 2009 عندما وقعت أحداث الكشح في صعيد مصر بين المسلمين والمسيحيين وبدأت الطائفية تطل برأسها من جديد وكان لها صدي كبير في نفوس كل المصريين مسلمين ومسيحيين لأن هذا الوطن منذ آلاف السنين لا يعرف أبناؤه الفتنة الطائفية أو التفرقة بين أهل الأديان.
علي اثر هذه الأحداث كتبت الدكتورة ليلي تكلا علي مدي خمسة أسابيع خمس مقالات في جريدة الأهرام، في كل يوم ثلاثاء مقالة وفحوي هذه المقالات حسبما ذكرت: إننا نزرع الفتنة الطائفية في نفوس أبنائنا دون أن نشعر والسبب في ذلك هو مناهج اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم حيث أن جميع التلاميذ في كل المراحل يُقرر عليهم آيات قرآنية وأحاديث نبوية وعلي الجميع أن يدرس ويحفظ هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لافرق في ذلك بين مسلم ومسيحي فلماذا يجبر المسيحي على ذلك؟ مما يجعله يشعر بالقهر فيترسب ذلك في نفسه ويشب علي كراهية المسلمين الذين أرغموه علي حفظ ودراسة مالايمت إلي عقيدته بصلة وتترسخ في نفسه عقدة تظهر فيما بعد علي شكل فتنة طائفية”.
وأخذت الكاتبة تدعم مقالاتها بأمثلة من الواقع ومثال ذلك أنها دخلت إحدي المدارس للزيارة فوجدت مدرس التربية الزراعية في فناء المدرسة ومعه تلاميذ أحد الفصول وقد أعطي لكل تلميذ فسيلة (شجرة صغيرة) ليزرعها بنفسه إلا أنها لاحظت أمرا غريبا حيث وجدت مجموعة من التلاميذ ينتحون جانبا ولاعلاقة لهم بما يفعله زملاؤهم فسألتهم لماذا لاتشاركون زملاءكم فيما يفعلون؟
فقالوا نحن مسيحيون وهم مسلمون فليس لنا ثواب أو أجر في هذا العمل فسألتهم لماذا؟
فقالوا إن لدينا حديثا من الأحاديث النبوية في منهجنا يقول نصه: مامن مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة” فالحديث ينص علي أن صاحب الأجر والصدقة في هذا العمل هو المسلم فقط وليس المسيحي فلذلك ابتعدنا”.
ثم تتساءل الكاتبة: أليس هذا تمييزا؟ أليس هذه تفرقة؟
ثم طالبت في النهاية: بأن توضع في المناهج أجزاء من الإنجيل وإلا فيجب أن تحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من مناهج اللغة العربية!!!
وبعد أن أنهت هذه المقالات قال الوزير لمدير مكتبه: صوروا هذه المقالات وأعطوها للدكتور حسن حمادة مستشار اللغة العربية حتي يدلي فيها برأيه لأطلع عليه”.
بالفعل وصلت لأبي المقالات الخمس فقرأها أبي جيدا وتعجب لعدم رد الوزير عليها فتلك دعوة خبيثة لهدم اللغة العربية، ولكنه نحي الحرج عن نفسه ووضع الكرة في ملعب أبي.
كتب أبي ردا رافضا لفكرة الدكتورة الكاتبة من منطلق مسئوليته عن اللغة العربية لغة القرآن الكريم في وزارة التربية والتعليم وقبل ذلك مسئوليته أمام رب العالمين، ثم ضميره فكتب ردا فحواه:
أن الدكتورة الكاتبة فهمت كلمة مسلم في إطارها الضيق وهو أن المسلم هو الذي يشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقط، ولم تدر بأن كل الأنبياء والمرسلين كانوا مسلمين من لدن آدم حتي محمد صلي الله عليه وسلم يقول تعالي: (ماكان إبراهيم يهوديا ولانصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما…) ويقول: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ماتعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون) ويقول تعالي: علي لسان نبيه يوسف عليه السلام (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) ويقول تعالي في شأن عيسي والحواريين: (وإذ أوحيت إلي الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأنا مسلمون).
فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي يتم اختيارها في مناهج اللغة العربية لاتتعرض لجانب العقيدة وإنما تحض علي مكارم الأخلاق التي هي قاسم مشترك بين كل الأديان السماوية ونتعرض لدراستها لغويا وبلاغيا وأسلوبيا حيث أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في الذروة من الفصاحة، كما أن الإنجيل لم ينزل باللغة العربية وإنما كتبه الحواريون فيما بعد، الأهم حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة من مناهج اللغة العربية معصية لايرضي عنها الله سبحانه وتعالي”.
أرسل أبي الرد مكتوبا مع الساعي إلي مكتب الوزير فقرأه ثم طلب أبي تليفونيا فذهب أبي إلي مكتبه فوجده يمسك بالرد وبادر أبي قائلا: أهذا ردك؟
فأجابه أبي نعم فقال: إن الدكتورة الكاتبة تتحدث عن حقائق!!!
قال أبي: كلامها مغلوط وقد أوضحت الحقيقة في ردي فقال: وماذا سيضيرك لو وافقت علي حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من مناهج اللغة العربية؟
فقال أبي: إن هذه الدعوة بداية لهدم تراث أمة كتابها القرآن والسنة النبوية فالموافقة معصية وخيانة لايرضي عنها الله ورسوله، تبسط معه أبي وحاول أن يخاطبه بالطريقة التي يفهمها فقال له: ثم إن الميدان والإعلام لن يرحمنا من نقده اللاذع وقد يؤدي هذا الفعل إلي كارثة”
فقال له الوزير: وافق أنت وأنا سوف أتكفل بالرد علي الإعلام والميدان”.
ثم فاجأ أبي: كم الساعة الآن؟
فقال له الحادية عشرة فقال الوزير: أمامك فرصة للتفكير أربع ساعات ونصف حتي الانصراف وتمر عليً في مكتبي وتعطيني رأيك النهائي وأنا وأثق من موافقتك يادكتور!!!”.
خرج أبي من مكتب الوزير وفي رأسه دوار رهيب ويعلم الله كيف مرت علي أبي تلك السويعات حتي أنه أغلق عليه مكتبه وطلب من الخبراء والإداريين إلا يدخل عليه أحد، ليدخل أبي في صراع نفسي هل يوافق الوزير علي مايريد ولكن في هذه الحالة سيعيش بقية عمره يحتقر نفسه فسيخسر نفسه ودينه وضميره فما يريده الوزير بلا شك معصية ووزر تنوء عن حمله الجبال، كيف سيواجه ربه وضميره كيف سيواجه الناس؟
ماذا سيقول للأزهر الذي تربي في رحابه ولأصدقائه الأزاهرة؟
كيف لرجل لو شققنا عن صدره لوجدنا آيات القرآن الكريم تخرج منه التي حفظها منذ نعومة أظفاره أن يوافق علي حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من مناهج اللغة العربية؟
عصفت برأس أبي الأفكار والظنون وإن رفض سيلاحقه غضب الوزير.
لكن حسم أبي الأمر مع نفسه وما أن حانت لحظة الانصراف حتي استجمع شجاعته وطرق باب الوزير وبعدما ألقي عليه السلام فقال له الوزير: ماردك النهائي يادكتور حسن؟
فقال له أبي: لايمكنني يامعالي الوزير أن أوافق علي حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة من مناهج اللغة العربية”
فقطب الوزير عن جبينه وأحمر وجهه وانتفخت أوداجه وانتفضت كل حواسه فهو الحاكم بأمر الله، لم يعتد علي من يناقشه في رأي فما بالك لمن لم ينصع لأوامره فعلي الجميع أن يقول له (شبيك لبيك عبدك ملك إيديك) رغبات معاليك أوامر يامعالي الوزير احلم وعلينا التنفيذ فلم يألف معاليه أن يسمع كلمة (لا) لكنه أسرها في نفسه ولم يبدها لأبي ولن يمر هذا الأمر مرور الكرام، فالجولة لم تنته بعد.
وفي صباح اليوم التالي كان لأبي اجتماع مع الوزير وكان هذا الاجتماع خاصا بالمستشارين فقط فطلب منهم الوزير بأن يقوم كل مستشار مع خبراء مادته مع الاستعانة بخبراء المادة من المركز القومي للامتحانات ويكلفهم بوضع امتحانين ونموذجي إجابة شريطة أن يكون الامتحانان مطابقين لمواصفات الورقة الامتحانية الواردة من المركز القومي للامتحانات، الامتحان الأول للمرحلة الأولي (الصف الثاني الثانوي) والامتحان الثاني للمرحلة الثانية (الصف الثالث الثانوي ) فشكل أبي لجنة من سبعة أفراد وكلهم يحمل درجة الدكتوراة ثلاثة منهم من مكتبه وأربعة من المركز القومي للامتحانات وأعلمهم بالمهمة المنوطة بهم وبدأوا العمل وانتهوا منه بعد ستة أيام وكان أبي قد شدد عليهم بأن أسئلة الامتحان لاتتجاوز مقررات شهر يناير كما طلب الوزير، وهذا امتحان تجربة للثانوية العامة بمرحلتيها حتي نزيل من نفوس الطلاب رهبة الثانوية العامة، راجع أبي الامتحانين بنفسه وأعجب بروعة الأسئلة وتنوعها وكيف تقيس التذكر والفهم وفيها ما يقيس الفروق الفردية للطلاب المتميزين وهذا مطلب الوزير، فوقع عليهما بالاعتماد وسلمهما بنفسه للمطبعة السرية.
وجاء يوم الامتحان في الثالث عشر من مارس 2010, وذهب أبي إلي غرفة العمليات بالوزارة بصحبة وكيل الوزارة للتعليم الثانوي وبعد بداية الامتحان في التاسعة صباحا بدأ أبي في التاسعة والنصف الاتصال بوكلاء الوزارة في كل محافظات الجمهورية بدءًا من أسوان حتي مرسي مطروح وكانت أسئلته معهم علي النحو التالي: مانسبة حضور الطلاب؟
فتكون الإجابة: مائة بالمائة، هل هناك شكاوي من صعوبة الامتحان؟ فتكون الإجابة: ليست هناك شكاوي… وهكذا كانت الردود في كل المحافظات.
في مساء ذلك اليوم الأول للامتحان وعلي شاشة قناة المحور وفي برنامج (تسعون دقيقة) الذي كانت تقدمه في تلك الليلة الإعلامية ريهام السهلي وكانت تستضيف في هذه الحلقة اثنين من أصدقاء أبي الأول الأستاذ سامي فهمي الصحفي بجريدة الأهالي والثاني هو الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي بجامعة القاهرة، وكانت تناقش معهما قضية امتحان التجربة للثانوية العامة هل هو مفيد للطلاب أم هو مضيعة للوقت؟
وفي أثناء النقاش قالت لهما: لقد كان اليوم هو اليوم الأول في الامتحان وقد امتحن الطلاب في المرحلتين في مادة اللغة العربية، فهيا بنا نري رأي الطلاب في المحافظات المختلفة من خلال مراسلي البرنامج فكان المراسل أو المراسلة يتلقون الطلاب والطالبات عند خروجهم من لجان الامتحان ويوجهون إليهم سؤالا واحدا ألا وهو مارأيكم في الامتحان؟
فكانت الإجابة تتراوح بين: رائع جميل جدا ممتاز، فيما عدا طالبة واحدة فقد قالت عندما سألتها المراسلة عن الامتحان: إنه صعب جدا، قالت لها المراسلة: ما وجه صعوبته؟ فقالت الطالبة: في الامتحان نص من النصوص لم ندرسه بعد! فما كان من الإعلامية ريهام السهلي إلا أن قامت علي الفور بالاتصال بالوزير قائلة: سمعت يامعالي الوزير؟ قال:
نعم سمعت وقررت عزل مستشار اللغة العربية الدكتور حسن حمادة، ومجازاته هو واللجنة التي شكلها لوضع الأسئلة بخصم خمسة عشر يوما من راتبهم ،ونقل الدكتور حسن حمادة ليكون موجها عاما للغة العربية بمحافظة القليوبية!!!
الغريب في الأمر أن جميع الطلاب والطالبات الذين سئلوا من قبل المراسلين أثنوا جميعا علي الامتحان فيما عدا هذه الطالبة، والأغرب أن النص الذي تدعي الطالبة أنها لم تدرسه بعد كان من مقررات شهر سبتمبر وهو أول نص في المنهج، والأشد غرابة أن يعزل الوزير علي الهواء مباشرة دون حتي تحقيق ودون أن يستوثق فيما يعد مخالفة قانونية صريحة، والمؤلم أن أبي حاول الاتصال بالبرنامج أثناء إذاعة الحلقة لعمل مداخلة لتوضيح الصورة فلم يتمكن من ذلك.
مازال أبي النقي يفترض حسن النوايا ويسكن نفسه بمسكنات ويقول في نفسه لعل قرار الوزير واتخاذ هذه الإجراءات التي بدون سند قانوني ولا تستند لواقع، علها تسكين من الوزير للإعلام الذي يتلقف أية شاردة أو واردة ليضخمها.
في صباح اليوم التالي كان موعد اجتماع أبي الشهري بموجهي عموم اللغة العربية من كل محافظات الجمهورية، وبدأ الاجتماع في العاشرة صباحا، وفي العاشرة والنصف فوجئ أبي بإحدي الإداريات من مكتبه تستأذن في الدخول ومعها منشور أعطته إياه، فقرأه أبي ليجد الجزاءات التي قررها الوزير ليلا علي شاشة التلفاز مدونة في هذا المنشور، فأكمل أبي اجتماعه ولم يهتز، وبعد انتهاء الاجتماع ذهب إلي مكتب الوزير فوجد الوزير وحده جالسا علي مكتبه فألقي عليه السلام فرد الوزير علي أبي قائلا: كيف حالك يادكتور حسن؟ فقال أبي الحمد لله بخير يامعالي الوزير:
إن ماحدث ظلم بين لايقبله الله سبحانه وتعالي، فقال الوزير: أنا ظالم فرد أبي: القرار ظالم لأن هذه الطالبة التي شكت من الامتحان بحجة أن بالامتحان نصا لم ندرسه لاتعرف شيئا عن ترتيب المنهج، فهذا النص من مقررات منهج شهر سبتمبر وهو النص الأول في ترتيب المنهج وباستطاعة معاليك أن تلقي نظرة علي المنهج وهو بيدي”
فقال: اكتب التماسا وسوف نعطيك حقك، فنزل أبي مسرعا وكتب الالتماس وأعطاه إياه فطبقه ووضعه بين أوراقه، فقال له أبي: يامعالي الوزير: الالتماس، قال سوف أطلع عليه فيما بعد، قال له أبي: كأنك تريد أن تبعدني عن الديوان وأذهب إلي بنها”
فقال: بنها قريبة منك وسوف نأتي بك لاحقا، وكأن وزارة التربية والتعليم عزبة معالي الوزير!
كيف لمحراب التعليم في مصر ومنارتها أن يدار بهذه العشوائية وبهذا الظلم الفادح وأين القانون وكيف تتخذ القرارات علي الهواء مباشرة ودون تحقيق؟
كأنه أمر دبر بليل.
وبالفعل أخلي والدي طرفه من الديوان وذهب في اليوم التالي إلي بنها وكان في استقباله وكيل الوزارة حينئذ الأستاذ جمال العربي الذي أصبح وزيرا للتربية والتعليم فيما بعد استقبل أبي استقبالا حارا وطيب بخاطر أبي وقال له: عرفت أنك مظلوم، وسوف تكون هنا بين إخوتك بعيد عن شد الأعصاب الموجود بديوان الوزارة.
في هذه الأثناء كتبت بعض الصحف مقالات عن تهور الوزير وقراراته الإنفعالية الرعناء وعليه أن يراجع نفسه ومنها ظلمه وتعسفه مع مستشار اللغة العربية بل دخل له بعض الصحفيين وطلبوا منه رفع الغبن الذي أوقعه علي مستشار اللغة العربية ونصحوه بالهدوء ودراسة قراراته فكان رده للجميع: إنه سوء تفاهم وسوف يعود الدكتور حسن حمادة إلي موقعه.
ولما زادت عليه الضغوط ووجد رأيا عاما يتشكل في صف أبي شكل لجنة ثلاثية من أساتذة الجامعات وهم الأستاذ الدكتور رشدي طعيمة العميد الأسبق لكلية التربية جامعة المنصورة، والأستاذ الدكتور مصطفي رسلان أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس، والأستاذ الدكتور أحمد كشك عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة، وطلب منهم الوزير أن يجتمعوا في المركز القومي للامتحانات بالمقطم وأن يطلبوا نسخة من امتحان المرحلة الأولى ونسخة من امتحانات المرحلة الثانية وأن يكتبوا تقريرا مفصلا عن الامتحانين.
اطلعت اللجنة علي الامتحانين وفحصوهما جيدا وكانت دهشتهم عندما تأكدوا أن الأسئلة في غاية الدقة وليس بها أية ملحوظة سلبية، فكتبوا تقريرا رائعا وزيلوه بقولهم: نوصي بأن يكون امتحان آخر العام علي هذه الشاكلة” وأرسلوا التقرير إلي الوزير.
وبعد أن أنهوا ماطلب منهم اتصل بأبي الدكتور أحمد كشك وقال:
طبعا أنت الآن في بنها”
فقال له أبي قدرا أنا اليوم في القاهرة، قال: كيف نلقاك؟ وفي أي مكان؟ قال أبي: هل يمكن أن نلتقي بنادي نقابة المعلمين بالجزيرة؟ قال: وهو كذلك، فذهب أبي فوجد ثلاثتهم فقالوا جميعا: ماالذي بينك وبين الوزير حتي فعل معك مافعل؟ فقال: أبي هي علاقة رئيس بمرءوس، فقالوا: نحن اللجنة التي شكلها الوزير لكتابة تقرير عن امتحانك امتحان التجربة للمرحلة الأولي والثانية من الثانوية العامة، الامتحان رائع وليس به أي ثغرة، لابد أن هناك شيئا آخر؟
قال لهم أبي نعم لقد طلب مني الوزير حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من مناهج اللغة العربية فرفضت.
فقالوا: كيف لوزير أن يطلب ذلك؟ إنها معصية جسيمة، فبادر الدكتور أحمد كشك قائلا: والله إن لم يراجع الوزير نفسه بعد هذا التقرير فسوف أكتب في الصحف عن عنته وظلمه”.
ولم يراجع الوزير نفسه، ولم يستيقظ ضميره فكتب الدكتور أحمد كشك في جريدة الأخبار مقالا ذكر فيه مدي الظلم والغبن الذي ألحقه الوزير بمستشار اللغة العربية وعلي الوزير أن يراجع نفسه، تلتها الدستور ثم بقية معظم الصحف المصرية والوزير لم يعبأ بكل ذلك فرفع أبي دعوي في مجلس الدولة وقبل النطق بالحكم بأسبوع واحد حُلت الوزارة وجاء وزير جديد هو الأستاذ الدكتور أحمد جمال موسي والذي أصدر قراره الأول بعودة أبي الي ديوان عام الوزارة، ثم جاء حكم مجلس الدولة بإلغاء قرار الوزير السابق وماترتب عليه من آثار مادية ومعنوية وعاد أبي إلي الديوان رغم أنف الوزير الحاكم بأمر الله.
من المؤسف أن يكون هذا هو حال الإعلام المصري الذي أصبح سمته الكذب وتلفيق الأخبار والفبركة الصحفية والبحث عن الشو الإعلامي والبلبلة، أما حال وزارة التربية والتعليم فحدث ولاحرج فوضي وعشوائية وقرارات فردية أحادية الجانب وصوت واحد ينحي التكنوقراط والمتخصصين وذوي الرأي والحكمة لينفرد بصناعة القرار عن جهل ولايكتفي بذلك فقط بل يدخل في معارك جانبية وهمية مع مرءوسيه ويتفرغ للكمهم بالضربة القاضية حتي يشعر بلذة الانتصار المزيف علي حساب الشرفاء بل علي حساب صالح الوطن.
لم أسق هاتين الحادثتين للتدليل علي شئ شخصي فقط بل للتأكيد علي أن هاتين الجهتين من المفترض أنهما يديران معركة الوعي ويشكلان الهوية المصرية فهما خطا الدفاع الأول وصمام الأمان للثقافة والفكر في مصر ولكن للأسف انحدرا إلي الهاوية لذا فقدنا الهوية.
من روايتي أنا والمماليك.