مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

محمد حسن حمادة يكتب: شيخ العرب همام

زمن وحافر في القلْب اسمُه

والعزم.. ناره ما بتنطفيش

والحُزن.. راجِعْ.. عارف مواسمه

عُمره ما يرجع علي ما فيش

ياخد بتارُه

ويطفي نارُه

ولما يشبع.. ما بيرتويش

وأنت واقفْ له علي الروابي

ساعات تزعق.. وساعات تحابي

هيه البطولة تعيِّش اسمك

وإلا البطولة إنك تعيش؟

ياعمّ.. شوف لك دوا مِخالِف

دوا الزمان ده.. مابيداويش

كلمات تتر النهاية لمسلسل “شيخ العرب همام” أشعار الخال “عبد الرحمن الأبنودي” وألحان الموسيقار الراحل العبقري “عمار الشريعي” وغناء القدير “علي الحجار” المسلسل بل الملحمة التاريخية التي جسدها الرائع المتألق كالعادة الفنان العملاق القدير “يحي الفخراني” الذي أدي دور “شيخ العرب همام” بكل إقتدار المسلسل من تأليف “عبد الرحيم كمال” فارس الدراما الصعيدية الآن بلا منازع أو منافس وخير من نقل لنا الصعيد المصري ببطولته وشهامته وفروسيته وإن كان الراحل “محمد صفاء عامر” قد سبقه في هذا المضمار وأجاد فيه لكن “عبد الرحيم كمال” له عالمه الخاص وكواليس لم نرها ونعرفها من قبل فشخصياته بلغه أهل الفن ” متعشقة ” “ومتضفرة” “ومتسقة” فضلا عن إسلوبه المتميز في سرد شخصياته أما كلماته وحواره فليس لهما نظير ترقي إلي مصاف الشعر

مسلسل “شيخ العرب همام” ملحمة تاريخية تستحق المشاهدة للأسف هذا المسلسل لم يأخذ حظه جيدا.

لكن من هو “شيخ العرب همام” ؟

خدعونا وزيفوا تاريخنا أوهمونا أن مصر منذ أن دخلها السلطان العثماني “سليم الأول” أصبحت ولاية تابعة “للباب العالي” ولكن الواقع والأحداث والتاريخ يخالف ذلك فمنذ أن دخل “العثمانيون” مصر كانت مصر تحت حكم “المماليك” الذين إستعان بهم “العثمانيون” في حكم مصر فسيطروا علي الشمال والوجه البحري متخذين من “القاهرة” وقلعتها مقرا لحكمهم أما في

 

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب “محمد صلاح ” مواقيت التغيير !

انور ابو الخير يكتب : وداعا الاحزان

الجنوب فقد نجحت قبيلة “الهَوَّارة” في فرض هيمنتها على الصعيد منذ عام (1380) لم يكن أمام السلطان العثماني “سليمان القانوني” إلا الرضوخ للأمر الواقع فأصدر في عام(1525)

 

“فرمانا عثمانيا” ينص علي الإستقلال الإداري “للصعيد” عن “القاهرة” إستخدمت الوثيقة لفظ “ولاية الصعيد”.

 

وطبقاً للوثيقة لم يكن لوالي مصر العثماني أو”المماليك” أية سلطة على حكام الدولة الجنوبية “الصعيد” مما أوغر نفوس “المماليك” علي “الهوارة” فكان الإقليم علي صفيح ساخن والحرب مستعرة لم تضع أوزارها بين الطرفين حتي ضج الأهالي من هذه الحرب الدائرة رحاها بين “الهوارة” و”المماليك” كانت هذه هي البيئة التي نشاء فيها “شيخ العرب همام” بيئة ملتهبة سياسيا وعسكريا.

“الجبرتي” يرسم لنا صورة عن قرب “لشيخ العرب همام” “فقال “شيخ العرب الأمير همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام ابن أبو صبيح سيبة ولد في (1709 م) (1121 هـ) وتوفي في ( 7 ديسمبر 1769 م – ثامن شعبان من سنة 1183 هـ )

الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظم والملاذ المفخم الأصيل الملكى ملجأ الفقراء ومحط الرجال الفضلاء والكبراء.

شيخ العرب الأمير شرف الدولة همام بن يوسف بن احمد بن محمد بن همام إبن أبو صبيح سيبة عظيم بلاد الصعيد ومن كل خيره يعم القريب والبعيد”.

حصل شيخ العرب همام علي شهادة “العالمية” من “الأزهر الشريف” حيث تتلمذ علي يد الشيخ “الحنفي” شيخ “الأزهر الشريف” وبحسب روايات المؤرخين فإن همام لم يكن فقيها دينيا فحسب ومتبحرا في العلوم الدينية بل كان أيضا ذا عقلية تنويرية متقدمة فكان دائم السؤال لشيخه عن نظم الحكم والسياسة وخاصة النظام الجمهوري.

إستطاع “همام” توحيد “الهوارة” “والبلابيش” و”السماعنة” و”القليعات” و”الأشراف” وسرعان ما إنضوت كل القبائل العربية تحت لوائه من “المنيا” إلي بلاد “النوبة” “بأسوان”.

دون “همام” الدواوين وكان حريصا علي العلم والتعليم فتوسع في إنشاء “الكتاتيب” الآلة التنويرية الوحيدة في هذا العصر بعد “الأزهر الشريف” حتي وصل عدد “الكتاتيب” التي أنشأها “همام” (242 )كتاب كما اهتم بتأسيس جيش قوي، كما عني بالزراعة فوزع الأراضي علي المزارعين ليزرعوا ويحصدوا كما بني لهم المخازن ثم يشتري منهم المحاصيل ،صان الترع وطهر الجسور فازدهرت الزراعة.

كان الصدام حتميا بين “المماليك” و”شيخ العرب همام” فعلي بك الكبير يريد أن تصفو له مصر لايريد أن يكون فيها من هو أقوي منه ولاينازعه فيها منازع ولا من لايأتمر بأمره فاستخدم المكر والدهاء والحيلة والدسائس والمؤامرات وسلاح الخيانة بجانب سلاح المدفعية الذي استخدمه المماليك لأول مرة في تاريخهم ضد “الهوارة” للإيقاع “بشيخ العرب همام” فحشد “علي بك الكبير” ثلاثة جيوش بقيادة مملوكه وتلميذه “محمد بك أبو الدهب” لمعركة فاصلة مع “همام وهوارته” عند “جبانة أسيوط” (1769) وتوجهوا إلي قبلي راسل “محمد بك أبوالدهب” الهواري” “إسماعيل أبو عبد الله” ابن عم “همام” وساعده الأيمن وزوج اخته مناه أبو “الدهب” بالمال والأموال والرياسة على البلاد فتثبط وتقاعس عن الخروج ومؤازرة ابن عمه “همام” بلغ “همام” أمر الخيانة فتوجه لجهه “إسنا” وتوفي في عام (1769) متأثرا بجراح الغدر والخيانة.

علي أثر ذلك دخل “المماليك” “فرشوط” وملكوها ونهبوها واستباحوها وزالت دولة “شيخ العرب همام” بصعيد مصر.

في وثيقة للمندوب الفرنسي ذكر فيها نصا “أنا لا أخشى على الفرنسيين عند دخول مصر من “المماليك” ولكن أخشى عليهم من جيش “شيخ العرب همام” عظيم بلاد الصعيد”.

وصفه الرحالة البريطاني “جيمس براون” الذي زار صعيد مصر وحظي بمقابلة “شيخ العرب همام” شخصيا قائلاً: “تميز هذا الشيخ بالثراء الشديد وتمكن شيئًا فشيئًا من توحيد جميع المناطق المنفصلة في “صعيد مصر” تحت سلطته الشخصية كانت تلك المناطق يحكمها في السابق أمير معين من قادة “هوارة” لكن انصبَّ جُلَّ اهتمامه (همام) على “القسطنطينية” طلب منها مباشرة ما يريد وهو ما أثار غيرة البكوات في “القاهرة” يستحوذ الرجل بأمر من السلطان على المنطقة كلها فيما بين (أسيوط وأسوان)”

وفي كتاب “تلخيص الابريز في تلخيص باريز” “لرفاعة رافع الطهطاوى” يشير

إليه قائلا: ” لما كانت الرعية لا تصلح أن تكون حاكمة ومحكومة وجب

أن توكل عنها من تختاره منها للحكم وهذا ما حصل فى زمن حكم الهمامية فكانت الصعيد جمهورية إلتزامية”.

وكما أبدي إعجابه “بشيخ العرب همام” أبدي إعجابه “بجمهورية الصعيد” حيث وصفهابأنها “جمهورية” مشابهة لما رآه في فرنسا التي تعلم فيها.”

جمهورية في صعيد مصر الثائر الهادر القوي الذي رفض التبعية المباشرة “للماليك” ورفض التبعية الفعلية “للباب العالي” في هذا الوقت المبكر تجربة أثارت خيال الرحالة والمستشرقون توقف عندها الغرب كثيرا وخاصة ضباط الحملة الفرنسية وعلماؤها كما أثارت حفيظة المثقفون المصريون كالجبرتي، ورفاعة رافع الطهطاوي وغيرهما تجربة جديرة بالدراسة والتفحيص والتمحيص بعيدا عن موازنات ومؤامات النظام القبلي في الصعيد فمازال “صعيد مصر” ملئ بالأسرار، والكنوز، والروايات، والحكايات، التي لم يفصح عنها بعد ولو أزيح عنها الستار ستكون كفيلة بتغيير مجري التاريخ المصري بل تاريخ المنطقة كلها.

اترك رد