محمد حسن حمادة يكتب حصريا لمصر البلد: كم أنا مدين لك ياصديقي
كم أنا مدين لك ياصديقي
قديما كنت أتصفح الناس، وأشغل نفسي بعيوبهم وأحكم عليهم بظاهر الأمور وكأني الحاكم بأمر الله، بل وصل بي الأمر أنني كنت أمقت هذا وأحب هذا بهذه النظرة السطحية الساذجة، كنت كمن يجلس في برج عاجي يحكم علي الناس باستعلاء ومن (فوق) وهم في طبقة أدني، وأعطي لنفسي هذه المساحة بكل أريحية وكأنها حق مكتسب لي من أين وممن لاأدري؟
ودون أن أكلف نفسي حتي بمحاورة الطرف الآخر أو أسمع منه لعل ماوصلني عنه كاذب أو إشاعة أو ممن يكرهه أو يعاديه، أو أتمهل لأستوضح، لا كنت كقطار إكسبريس يسير بأقصي سرعته ولايتوقف في أي محطة.
أذكر في هذه النقطة شخص كان ومازال محببا إلي قلبي وصلني عنه أنه كذا وكذا وصوروه لي بأنه ليس بشرا بل شيطانا رجيما يمشي علي الأرض واستخدموا كل الظواهر ضده، كانت براعتهم في الكذب ولي عنق الحقيقة تفوق براعة مسيلمة الكذاب فصدقت وابتعدت عنه.
وبالمصادفة ودون ترتيب فُتح موضوعه أمامي فوقفت علي حقيقة الأمر وأيقنت من مظلوميته، فخجلت من نفسي وعنفتها أشد تعنيفا، فحتي لو كان هذا الشخص كما حكوا لي فما شأني!؟
لم يحدث بيني وبينه أي شئ سئ فلماذا أخذ منه موقفا معاديا، كان يجب عليً أن أنهج معه عكس موقفي، كان يجب عليً أن أسلك مسلكا آخر، لست طرفا وبموقفي الغبي هذا أصبحت طرفا والأشد إيلاما أنني عندما عرفت حقيقة سكوته وعدم بوحه استوقفتني إنسانيته وأخلاقه العالية التي كانت بحق خلق الإسلام القويم فأيقنت برجولته.
لكن يشاء السميع العليم أن يقتص له مني فلابد أن يكون الجزاء من جنس العمل فيضعني الله في نفس الابتلاء الذي اختبره الله به، لكنه كان أكرم مني ودون أن يسمعني قدر ماأنا فيه ولم تصدر منه إيماءة أو نظرة عين توحي بالتشفي يخبرني فيها أن الأيام دول وكما تدين تدان ساعتها كنت سأرتاح وأقدم له كل العذر لكنه ذبحني بسكين (تلمة) فكان أكثر من ساندني بل وكان يدافع عني باستماتة ومازال، ووالله لم يدافع عن نفسه في أزمته بمثل مادافع عني في أزمتي فهكذا هم الرجال ياصديقي بل ياأخي الذي لم تلده أمي.
أنا مدين لك ياصديقي فقد علمتني أهم درس في حياتي بعدم الأخذ بظواهر الأمور وعدم تنصيب نفسي إلها علي الأرض أحكم على الناس دون وجه حق وأضع نفسي في موقف القاضي والطرف الآخر في موقف المتهم ومن ثم أجلد هذا المتهم من وجهة نظري الغير صحيحة بكرباج من الظلم والجبروت، لكن الله سبحانه وتعالي ياصديقي ( يدافع عن الذين آمنوا ).وأرسل من ينوب عنك ويدافع عنك فالعدالة الإلهية لاتغفل ولاتنام ومهما كان ثوب الكذب زاهيا فضفاضا فثوب الحقيقة لابد أن ينجلي ويظهر للناس منيرا في وقت ما ليغطي علي عتمة الليل الكاذب مثل معدنكم الثمين الذي يتلألأ وقت الشدائد والأزمات التي يميز الله فيها الخبيث من الطيب.