محمد حسن حمادة يكتب: إلي الشاب الذي يسخر من إذاعة القرآن الكريم والقائمين عليها
ارتبطت بالإذاعة المصرية منذ نعومة أظفاري لدرجة وصلت للعشق فمن خلال الإذاعة أتنقل من عالم إلي عالم آخر أكاد أجزم أن الجزء الأكبر من ثقافتي وتشكيل وجداني وتوسيع مداركي وعقلي يعود الفضل فيه بعد الله سبحانه وتعالي وبعد بيئتي التي تربيت فيها للإذاعة المصرية كانت متعتي التي لايضاهيها متعة وأنا أتنقل بالمؤشر بين محطات إذاعة القرآن الكريم، صوت العرب، إذاعة الشرق الأوسط، الشباب والرياضة، إذاعة الأغاني وألحان زمن الفن الجميل.
تعرفت علي عبدالوهاب وحليم وثومة وفيروز وفريد ومحمد فوزي ونجاة وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وكل عمالقة زمن الفن الجميل من الإذاعة.
كنت أنتظر بشغف برنامج كتاب عربي علم العالم الذي كان يقدمه العملاق القدير آمين بسيوني بصوته الحنون الدافئ وبرنامج زيارة إلي مكتبة فلان لنادية صالح وألف ليلة وليلة تأليف بابا شارو أو القدير الراحل محمد محمود شعبان هذه الليالي الإذاعية التي نمت عندي بل كل أبناء جيلي الخيال الخصب وبرنامج غواص في بحر النغم لعمار الشريعي الذي ارتبطت به ارتباطا شرطيا حتي أصبح بالنسبة لي نموذج نجاح يُحتذي به والبرنامج العملاق (تسجيلات من زمن فات) كانت سعادتي غامرة بهذا البرنامج تحديدا أسمع فيه تسجيلات عمالقة الفن الجميل بأصواتهم وهم يروون ذكرياتهم ومشوار حياتهم، أما برنامج علي الناصية لأمال فهمي فهذا هو الرقي بعينه.
أما إذاعة القرآن الكريم التي يهاجمها بعض الرويبضة المتنطعون الذين يتميزون بالجهل والسطحية ولايعرفون قدرها ولايستحون وبكل عجرفة يحاولون لفت الأنظار إليهم والبحث عن شو إعلامي وشهرة زائفة ويتوهمون أنهم عندما يهاجمون إذاعة القرآن الكريم ويسخرون من القائمين عليها سينالون مبتغاهم، والمؤسف أن ذلك علي مرأي ومسمع من الجميع في برنامج (استاند أب كوميدي) والجمهور يضحك ويصفق علي هذه السماجة والوقاحة!
ياأخي إذا بليتم فاستتروا، سل والداك أيها الشاب الجاهل عن إذاعة القرآن الكريم، سيجيبك: أن إذاعة القرآن الكريم هي عشقه الأول”. بل سل الشعب المصري بل كل مواطن عربي ومسلم سيجيبك الجميع بلسان واحد: أننا جميعا نستيقظ فنضبط المؤشر عليها، بل المؤشر لاينضبط إلا عبر أثيرها”.
أما أنا ياهذا فأبحث عنها وفيها وبشغف عن الأصوات التي تعشقها الملائكة كالشيخ محمد رفعت إمام المقرئين وأستاذ الأساتذة هذا الصوت الذي أعتبره همزة وصل بين السماء والأرض بين السحاب والجبال بين زخات المطر ومياه الأنهار هو الصوت العذب الذي لم تخالطه ملوحة ولاشائبة حنجرة ذهبية ومجموعة أصوات في صوت واحد صوت يجمع بين القوة والفخامة والعذوبة والأصالة والرصانة يجبرك علي استماعه ويحدث في النفس حالة إيمانية فريدة هو الصوت الذي لاأعرف ليومي طعما ولابداية عطرة إلا به فأشحن بطاريات يومي بشحنة قرآنية إيمانية عطرة لانظير لها ولا أميز شهر رمضان ولاأفطر إلا علي أذانه والشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ الحصري والطبلاوي والدكتور نعينع وغيرهم من عمالقة التلاوة الذين أسسوا لمدرسة التلاوة المصرية ووضعوها في المصاف لتتحقق المقولة الشهيرة (نزل القرآن الكريم بمكة وطبع بإسطنبول وقُرأ بمصر) أما النقشبندي وتواشيحه والشيخ طوبار فذاك قصة أخري لن تفهمها.
ياهذا أريد أن أحدثك عن المنشاوي والشعشاعي وشعيشع والخشت وطنطاوي وهنداوي والشحات وغيرهم من عمالقة التلاوة ولكنك تجهل هذه الأسماء ولاتعرف أقدارهم وفي هذه الحالة سأكون كمن يؤذن في مالطة!
ياهذا وددت لو أخبرتك بمصابيح إذاعة القرآن الكريم الذين تتندر عليهم وهم أساطين العلم واللغة والبيان يقدمون الإسلام الصحيح الوسطي المعتدل وإذا كان لدينا بعض الإنصاف كان يجب أن يكون هؤلاء في الصفوف الأمامية للإعلام المصري ويقودوا ركب الإعلام المصري المهترئ قبل عمرو أديب ولميس، وأحمد موسي والباز لكن لأننا في زمن المسخ والتطبيل والعويل والأصوات المرتفعة والحناجر الجهورية المنافقة التي مهمتها نشر الصخب والضجيج الذي لايغني ولايسمن من جوع فوصلنا لما نحن عليه وهذه ليست غلطتك بل أنت وجيلك أحد ضحاياها وهذا عذرك الوحيد لدينا.
لكن لتعلم ياهذا أن هؤلا في نظرنا وفي نظر المنصفين كواكب ورموز حقيقية في سماء الإعلام العربي وليست فالصو لأنهم وبكل بساطة الوحيدون الذين نسمح لهم باقتحام آذاننا وبيوتنا دون استئذان أو رقيب ونشرف بل ونتبارك بهم
كالدكتور سعد المطعني ود/ عبدالله الخولي ود/ هاجر سعد الدين وأحمد عبدالظاهر وعبد القادر الزنفلي وإبراهيم مجاهد وعبد الخالق عبد الوهاب ومحمد كمال إمام وفوزي خليل ورجب خليل ومحمد فؤاد وعويضة وعبد الرحمن أبو هاشم وثابت نور الدين والسيد صالح وخالد الشافعي وفوزي عبد المقصود وخالد الزنفلي مع حفظ الألقاب، وغيرهم وغيرهم أسماء وشخصيات من نور وعلم وطهر وتقي وورع وعفاف وهبوا أنفسهم لخدمة الدين والعلم ولم يدر بخلدهم أنه سيأتي يوم وجاهل مثلك سيسخر منهم بهذا الشكل الوضيع المنحط ولايقدر رسالتهم السامية التي وهبوا أنفسهم لها!
لعله خير إن شاء الله وتكون ممن ينطبق عليهم قول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت
أتاح لها لسان حســــــود.
لولا اشتعال النار فيما جـاورت
ما كان يعرف طيب عَرْف العود.