مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

محمد حسن حمادة يكتب:مصر بين شاطئين طبقيين الساحل الشمالي الشرير والطيب

الفنانة جوري بكر الشهيرة بوداد في مسلسل جعفر العمدة شكت من أسعار الساحل الشمالي واستنكرت شراء زجاجة المياه المعدنية ب200 جنيه وساندوتش البرجر بـ 375 جنيها وتستغيث بجهاز حماية المستهلك! (ياترى سعر كيلو اللحمة في الساحل الشمالي بكام ياوداد؟ متخافيش يابطة إحنا حانعمل جمعية ونروح الساحل ونعمل كولدير رحمة ونور على روح الشعب المصري، قبل ما الساحل الشرير ييجي لحد عندنا، أو ياريت تتصلي بجعفر العمدة حايجيب سيد أخوه طليقك وحايعمل حركة الرجل على الرقبة للجماعة بتوع جهاز حماية المستهلك، الله يمسيك بالخير ياعلوة واحد صاحبي متعرفهوش ياوداد، كنا في شارع المعز وسواد بختي صمم يعزمني، طلب قهوة وطلبت شاي جابولنا مع القهوة والشاي إزازتين مايه، صاحبي فضل طول القعدة مبحلق في إزازة المايه إللي قدامي! قلت يمكن بيتأكد إنها مشبرة! آخر مازهقت سألته مالك مركز مع الإزازة كده ليه؟ قال لي إوعى تشرب منها؟ قلت يمكن النوع ده فيه مشكلة! قال لي: لا لا مفيهاش حاجة”، يمكن نوع سويدي أو فرنساوي والواد عامل مقاطعة لنصرة الإسلام ولرسول الإسلام ﷺ يبقى جدع والله، قال لي: لا لا”. طب مشربش منها ليه؟ قال لي: إحنا في مكان سياحي عارف حايحاسبنا عليها بكام؟ قولته ياخمسة جنيه، كبيره عشرة، وياريتني ماقلت الرقم، هاج وماج وأرغى وأزبد وأرعد! قوم إيه وإحنا قايمين بعد ما جلسنا أكثر من ساعة راح مرجع إزازتين المايه وكان حساب الشاي والقهوة أقل من ثلاثين جنيها ياترى لو سمع عن إزازة المايه أم 200 جنيه حايعمل إيه؟ الواد ده لازم يروح الساحل علشان يتربى هناك). هم يبكي وهم يضحك! 

 

حدثينا ياأخت وداد عن الشاليهات الفاخرة التي يتجاوز سعرها المائة مليون جنيه وإيجارها في الشهر الواحد التي يصل لمليون جنيه، وأسعار تذكرة حفلة عمرو دياب! حدثينا عن حقن الفيلر والبوتكس وعمليات التجميل! والسهرات والسيارات الفارهة، تبا لهذا الساحل الشمالي الشرير القابع على حدود مدينة الإسكندرية، ماهذه الأسعار الجنونية، نحن بالفعل أمام حقل ألغام طبقي جديد يفصل بين المصريين؟ 

قد يهمك ايضاً:

اللواء دكتور أحمد رفاعى يكتب «الدروس المستفادة من حرب…

أزمة الحداثة وتحولاتها عند زيجمونت بومان: من الصلبة إلى…

فلم يعد الساحل الشمالي قرى سياحية أو منتجعات أو مجرد مصيف بل منظومة حياة متكاملة تضم كريمة المجتمع من أهل السلطة والحظوة والمال والنفوذ والأغنياء بالوراثة والوزراء ورجال الأعمال أو من نطلق عليهم الأرستقراطيون الجدد الذين يثيرون أحقاد غالبية الشعب المصري الذي يعاني من ظروف اقتصادية طاحنة وغلاء أسعار فاحش فاق كل الحدود ورغم ذلك يُطالب بالتقشف بينما يرى ويتابع هؤلاء الأثرياء في صمت وسخرية وهم ينفقون ببذخ عبر وسائل التواصل الاجتماعي متحسرا على حاله فالمصيف بالنسبة له رملة وشمسية وقفزة في مصيف بلطيم أو جمصة، كفى استفزارا للبسطاء وضغط على أعصابهم فمنهم من لا يملك قوت يومه (الناس بتكح تراب، بتتخانق في المواصلات على نص جنيه، وفي ناس بتشرب من ماية المجاري دول يعملوا إيه يشربوا ماية نار ياوداد؟). 

 

تزامنت تصريحات جوري بكر في نفس أسبوع وفاة عم عبد الحميد آخر سقا في مصر الذي يحمل في قربته الحكاوي القديمة وجمال وعبق تاريخ مصر، رحل الفرع الوارف من شجرة الطيبين يسقي الناس بدون أجر في رحاب آل البيت رضوان الله عليهم أجمعين، منذ خمسين عاما تجده متجولا في ساحات السيدة زينب ومسجد الإمام الحسين وشارع المعز والأزهر والغورية يخطفكَ بوجهه الملائكي وابتسامته البشوشة وجلبابة الأخضر وعمامته الخضراء وذقنه البيضاء وقربته التي يحملها على ظهره حاملا كوبين معدنيين في يد وفى الأخرى (بزبوز القِربة) يصلي الفجر ثم يملأ قربته بالماء البارد المعطر بماء الورد ويصب لزوار آل البيت في أكواب من فضة ليشربوا ماء بطعم الشهد المكرر وأنقى من العسل المصفى، سيرا على نهج والده وأسرته التي كانت تخدم حجاج بيت الله الحرام بالسفر معهم ضمن زفة جمل المحمل. رجل جاء من الماضي ليروي ظماء الناس بالمجان وكان يردد دائما: نحن قوم لا نطلب ولا نرفض مثل صندوق ماء مجاني بجوار ثلاجة خاصة، إذا أخذ منها الشخص بدون مقابل فلا بأس، وإن ترك فهذا خير وبركة، لكننا لا نطالبه بشيء أبدا، فلساني أخرس في هذا ويدي مقطوعة عن الطلب مثل أجدادي”. ماهذا الزهد، وما هذه العفة فهذه الوجوه المنسية هي التي تعبر عن مصر الحقيقية وعندما نشتاق لمصر الحقيقية غير المزيفة التي يحاولون تصديرها لنا بإلحاح عبر وسائل الإعلام المختلفة، ويتختزلونها في الساحل الشمالي ومدينتي، وزد الشيخ زايد وزد بالتجمع الخامس، نفتش في دفاترنا القديمة وندور في شوارع مصر العتيقة لنعثر على مصر الجميلة المنسية المهملة بفعل فاعل، في السيدة زينب والحسين والأزهر والغورية في الحواري الشعبية وفي الصعيد والقرى حتى نستخرج الكنوز واللآلئ فنسترد هُويتنا ومعدنها النفيس من جديد، نبحث في الوجوه لنجد عم عبد الحميد السقا وأمثاله فنتشبث بالجذور، لنشم عبق الأصالة ورائحة الزمن الطيب الجميل، النسخ القديمة التي تحمل قلوبا نقية بالفطرة تشبه غرس هذه الأرض الطيبة تسكن القلب والعقل فنطمئن على مصر بعيدا عن صخب الساحل الشمالي الشرير.

التعليقات مغلقة.