محمد الشحات محمد يكتب عن المشهد الراهن للثقافة المصرية ومُدّعي الإبداع
المشهد الراهن للثقافة المصرية .. مواقع التواصل الاجتماعي أنموذجًا
محمد الشحات محمد
هل يعد مجتمعنا في السنوات الأخيرة مجتمعًا ثقافيًّا يتجاوب مع حركات تجديد الفكر والإبداع ، ويدعم التجارب الجديدة حتى تستمد شرعيتها من أجل التميز والبقاء؟
هل يمكننا التفاعل مع جيل مبدع له أدواته وعناوينه المثيرة التي تواجه مُدّعي الفضيلة والتأليه في العملية الإبداعية؟
التفاوت الطبقي بين نخبة الفصحى وجماهيرية العامية .. واقع أم افتراض؟
هل تميز الشبكة العنكبوتية بين الرفيع والمتكلف؟
مثل هذه الأسئلة وغيرها من الإشكاليات تفرض نفسها على المشهد الثقافي الراهن، ومما لا شك فيه أن هناك من المبدعين مَن تأنس الروح بلقياهم عبر شبكة “الإنترنت” ، والفكرة تجعل الحياة ميدانا للممارسة الإيجابية .. تلك الحياة التي تفرض قانون المتناقضات وترصد التجليات رغم عللها في أغلب الأحيان ، فمن أراد الحياة ، فليقبل ويرصد ، وما تعارف من الأرواح ائتلف،
ورغم ذلك فإن المشهد الثقافي الراهن يتسم بالضبابية التي تحجب الرؤية عن تشجيع المبادرات الحقيقية ، وذلك ضمن عدة ظواهر ، منها غلو أسعار الطباعة وانتشار الدور الخاصة التي تطبع مائة نسخة من كل مصنف على حساب المؤلف ، فضلا على نفقات الدعاية وحفلات التوقيع بأسلوب لا يوافق التطور ، رغم أن مواقع التواصل الاجتماعي لها من الإيجابيات ما يوازي سلبياتها ، وكم من المهرجانات التي تقوم على تبادل المصالح ، مما يجعل بعض المنابر الصحفية أكثر انفتاحًا على الصالونات والجمعيات رغم المعارك الوهمية التي يصنعها بعض المسئولين في المؤسسات الرسمية سواء بالرقابة والحجْب أو الحكم على الإبداع بإيدولوجيات ترفعها نُخبٌ لا تهتم بالثقافة ، مع انتشار ظاهرة الرسم الكاريكاتوري المحُبط بصفة عامة ، والخلط بين النقد الانطباعي والمتخصص ، ومُحاولات التفريغ للصوت العالي ، مما يزيد من اهتزاز الثقة بمنتجات المشهد ، خصوصا مع توالي الهزائم بعدم وضع اليد على المشكلات وحلها ، بل بمحاربة التجارب الإنسانية في مهدها ، رغم أن نتائج تلك التجارب تحسب بالمُحصّلة النهائية ، وإن تعرضت للانحيازات الهدّامة ،ومن ثمّ ، فقد تكررت حالات الانتحار أمام عجلات المترو بين الشباب ، ومن أعلى شرفات المدارس ، ولم تجد هذه المشكلة وغيرها محاولة من المثقفين لإعادة التأمل وطرح ما يلامس أوجاع الناس ، إنما تفرعت مشاحناتهم فيما بينهم للنخر في أصل الحضارات وتشويه التاريخ برعب من الغد ، وسطحية ألقت بظلالها على تكرار عناوين الكتب ، ودوواين شعر فصحى يُكتب عليها “أشعار بالعامية” ، وكذا النحت في كتابات السابقين ، مع المشكلات القديمة المزمنة ، وكأن التاريخ يُعيد نفسه ، فما زال العرب يُواجهون تصلبًا عالميًّا تجاه قضايا تحرير الأرض ، وما زال بيننا من عاشوا تجربة التهجير من فلسطين، وحياة اللاجئين، وزادت الأمور تعقيدًا بما عُرف بالربيع العربي ، الذي كشفت نتائجه عن كونه خريفًا قسم البلاد وأضعف العباد ، ولم يعد المهجرون ، بل زادوا من البلاد العربية ، وقصفت بعض الأقلام إلا من إرادة المقاومة ، وقليل من يكتب بروح التفاؤل متجردا من الحزبية والطائفية ومشاركًا المجتمع دون تهويل و”تهليل” ، معلنا ثورة إبداعية حقيقية ، خصوصا مع ظهور مدارس شعرية وأجناس أدبية جديدة ، بحاجة إلى تحرك القوى الفاعلة من أعضاء الاتحادات والمؤسسات لتفعيل تلك المبادرات الجادة وتصحيح المسار ، وحل مشكلة عزوف بعض المبدعين الحقيقيين عن النشر والتفاوت الطبقي بين الفصحى والعامية ، وإعادة قراءة الموروث برؤى تتفق وغرفة العالم الصغيرة عبر الفضاء الأزرق..
* في الإبداع الحقيقي شعورٌ متدفق ، وفوران له أثره في استدعاء الهدوء والحياة بسلام ، ويكون ذلك من خلال صورة مكثفة ، وموجعة ، تلتهم الطرقات ، فتتسارع الخطى بلغة تعبيرية بليغة ، وقد تكون هذه الصورة رادعاً لأمثال مؤلفي الجدّة وسارقي “النت”،
عندئذٍ .. يكون الحق لأوديوس أن يمتطي حصان الكلمات ويفرد شراعي كفيه لقراءة هذه الصورة الفاخرة ، ويمكننا آنذاك فك شفرات جراحنا التي لم تندمل ، ونفرد تجاعيد الحروف المستديرة .. ،لنعاود القراءة من جديدٍ في قصص البطولات الأسطورية ، والتحاف أجنحة الطيور الشاردة ..
* وبينما تزخر الشبكة المعلوماتية “الإنترنت” بالنفيس ، تشتعل بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات بالسرقات والنحت ، وإذا كان القضاء كشف سرقات “الجخ” من عبد الستار سليم ، فهناك نحت “عمرو” من نجيب سرور ، وكثير مما تشهد به المدارس والمناهج النقدية المختلفة ، والقراءات السطحية لمطبوعات خاصة شغلت الأذهان والطلاب بجوائز قشرة أصحاب رءوس الأموال والألقاب المزيفة من اتحادات وكيانات وهمية بغرض ثقافي !
يقول الناقد الأدبي د. أحمد فرحات : “المشهد الشعري الراهن سيء للغاية بمقارنته بالمشهد الشعري في جميع مراحله” ، ويختلف د. السيد خلف أبو ديوان حول مصطلح شعر العامية ، ولا يعترف به إلا تحت مُسمى “الزجل” ، بينما يعتبره د. علاء جانب “هريًا” ،ولا يرى الباحث في لقب شاعر العامية اعتبارًا إلا لمن أجاد فيشعر الفصحى ، وكتب العامية لغرض جماهيري أو مسرحي ، وطبيعي أن تُضفر قصيدة الفصحى بالعامية عن وعي لخدمة غرض القصيد .. ، وإلا ما معنى النقد بعيدًا عن اللغة؟
* كم من الندوات “العنترية” التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لا يفهم عنترُها معنى المناظرة أو المعركة الأدبية ، وكيف يُكتب تقرير حولها ، لكنها (الندوات) مجرد دعوات على فنجان مقلوب ، قد يواجه فيها المبدع الحقيقي بعض المصابين بفوبيا الريادة مع “حبة” من نزلات برد “العامية المشوهة” في زمن التطبيل الثقافي ..
قد يُغير “عنتر الندوة”/مديرها/صاحب الفضيلة في التعريفات ، ويحذف الردود على مُنكرٍ لظاهرة أدبية ، أو مدرسة جديدة في الشعر ، أو جنس أدبي جديد (الجن والقصة الشاعرة مثلا) ، وقد ينسب ناقد الندوة لنفسه أقوالا من القرن الهجري الخامس ، ويظل “التطبيل” رغم وجود “فيديو” كوثيقة فارقة تكشف ما يخالف واقع مناقشات الندوة مع تقرير مديرها المكتوب!
كيف لغير الكفاءات أن يكون بيدهم ناصية أمور الندوات ، وإن رفضوا هم ذلك، فالتهديد والوعيد بإدراجهم في جماعات محظورة مثلا؟
* وبهذا الصدد .. قرّرت بعض المؤسسات منع النشر عبر المواقع إلا أن يكون مركزيًّا ، ورغم وجاهة هذا القرار ، إلا أنه يمثّل عائقًا أمام التصحيح ، إذْ يُرسلُ أحدهم خبرًا مُهَلْهلا ، أو مغلوطًا للنشر المركزي ، وفي حالة كشف الخطأ عبر التعليقات ، يخشى راسل الخبر الأول إرسال التصحيح للمركزي ، فيظل الخطأ قابعًا على المشهد الثقافي ، وهكذا يكون القهر ، فيتولد العنف دون داعٍ ، ويكون الفرد المخطئ سببًا في كراهية المؤسسة .. فهل هذا صحيح؟
مِن ناحيةٍ أخرى .. يخلط بعضهم بين مجموعة أفكار في فلسفة ما والأديان ، والأديان ليست أفكارًا تتغير مع الأزمنة ، وكما يُنكر بعض رواد المشهد الثقافي الحضارات ، فهم ينكرون الأجناس الأدبية الجديدة بادّعاء المشابهات ، وتلك المشابهات بطبيعة الحال بين كل الفنون الكتابية ، وطرحتها نظرية تداخل الأجناس ، إلا أنها (المشابهات) لا تعني الفروق المُميزة لكل فن (القصة الشاعرة مثلا) ، ولا عيب على الشبكة هنا ، إنما العيب على المدّعين ، ولو قلبوا في الصفحات بقراءة متأنية ، وركّزو في السوشيال ميديا بوعي ، لما لبثوا في التغييب الذي صنعوه بإيديهم ، وما أنكروا شمسًا في الظهيرة!
* ومن المشاهد الثقافية أن كتب مصطفى الجزارُ قصيدة أثناء دراسته بكلية آداب المنصورة بعنوان “أنا من انتهيت” ، فعارضه زميلٌ له بالدراسة بقصيدة عنْونها باسم “لقد انتهيت” ، ليكتب “الجزار” قصيدة “عيون عبلة” ، فيقول له نفس الزميل عن هذه القصيدة إنها مباشرة وليس بها رمز ، ويُعلن آخر أن هذه القصيدة تسئ للعراق الشقيق ..!!
ومن ثمّ ترفضها مسابقة أمير الشعراء ..، بينما الواقع يشهد أن قصيدة الجزار برمزيتها وإسقاطاتها على عنترة الحديث ، قد حفظها الطلاب في معظم المدارس ، ويتنافسون في مسابقات الإلقاء عليها ، ولم تمنعها وجهات النظر التي تعبر عن أصحابها فقط ، كما لم تستطع جائزة أمير الشعراء تحصين هشام الجخ من تنفيذ الحكم عليه بالسرقة ..
للأسف دخلتْ الأهواء ، فتولدت عدائية الحسد، وكل عداء له علاج إلا العداء الذي بني على حسد
* ومن التيارات الشعرية الجديدة في المشهد الآني “مدرسة الجن” ، فما هي؟
ظهرت منذ خمس سنوات تقريبًا هذه المدرسة بريادة د. السيد خلف أبو ديوان (السلطان) وضمت “مردة في الشعر والنقد والسرد ، منهم الناقد الفذ عمرو الزيات (الوزير) ، د. سيد شعبان ، علي أحمد ، محمد ناجي ، وغيرهم ، حيث “اكتفت بالشدو على الوزن العروضي؛ سيما الصعب والمهمل من بحور الشعر العربي، فما كان الشعر تهريف مدع، تجدها والناس في سؤل من أين أتى هؤلاء؟ أحقا هم جن؟ أم تراهم يوحى إليهم من وادي عبقر؟ بل هي الحياة تبحث عن طاقة نور في حنادس الثقافة والأدعياء المعجبين بنفسهم والمتهاوين في تقليد مميت .” ، وحول مدرسة الجن يقول مؤسسها د. السيد خلف:-
“يتساءلون أين هي؟ وما يدري القوم بحديث ملء الأسماع وموضع الأفئدة تبدع في زحف وتشدو في محفل البيان إن في إذاعة أو في صحافة. نرجوها بعثا فنيا يشمل العرب جميعا، نأتلف في معزوفة الحرف العربي، نذر التشظي والتفرق ونبحث عما يؤلف للعرب جديلة تزهو بها الأجيال القادمة.”
وتجدر الإشارة هنا إلى الثورة الإبداعية لاستعادة دولة الشعر ، حيث يقول “أبو ديوان” في قصيدته “وحال بينهما الموج”:
ارْكبْ مع الجنِّ لا تأنسْ بطيفِ شَفَقْ
لو كذَّبوا الراسخين.. فالقميصُ صَدَقْ؛
منْ آمنوا بعْدَ فتحٍ لنْ يكونَ لهمْ
كَواثِرُ الرُّوحِ حينَ الياسمينُ سبَقْ
فارحلْ بمكرمةِ الجُوديِّ سنبلةً
يغيضُ عنها لهيبُ القحْطِ دونَ شَرَقْ
وازرعْ رباهُ لَمَى التفَّاحِ في شفةٍ
سَكْرَى تُعَتّقُ رمَّانا بتينِ شَبَقْ
اخلعْ عليها رحيقَ الكَرْمِ جاريةً
في نخلِ خمرتها..هل صحْتَ بي: إِ.. فِ.. رِق؟!
ما كلُّ جرْسٍ يتيمٍ ينزفُ الكلما
تِ خصرَ عاريةٍ ترنو إليكَ وَدَقْ
إنْ كنْتَ تزعمُ أنَّ الحوتَ أغْرقهُ
أنقذني استهموا بيتَ القصيدِ فَذُقْ
ماذا أُخَبِّيءُ: جمرَ الثلْجِ.. قافيةً..
أفْعى.. حبالا..بعينِ ماردٍ ونَفَقْ؟!
صَنْعَا لكِسْرَى.. فراتُ نيلِهمْ لِهِرَقْلَ
رمْلُ روما تغوصُ في رقاهُ طُرُقْ!
هلْ معكمْ وَرِقِي؟ وكهفٌ.. وكلْبُ شيا
طينِ البشاعةِهامشٌ..وزيْفُ وَرَقْ
المُتْهِمون تَعَرَّقوا بمصرَة على
دجْلةَ زمزمَ فرْدوْسِ مَجازِ أَلَقْ
لا تنْطَفيءْ؛ لَعْنَةُ المصْباحِ أَعْرِفها
هل تحرقُ الأوليا..إذا اللقيطُ بَرَقْ؟!
عرْشي -وذُلُّكَ يا مسكينُ- ممْلَكةٌ..
تسْطعُ منها الحروفُ.. والخَيالُ فَلَقْ
أمَّا شُمُوسُكَ فارتعاشُ آنِسَةٍ
لو زارَها شَبَحِي أرْخَى النهارَ غَسَقْ
شأني وشأنُكَ.. أنَّ اللهَ أنْبَأَنا:
{وحالَ بينهما الموجُ فكانَ…}غَرَقْ!
..
ومن نماذج الشبكة العنكبوتية يقول “معتز الراوي” في قصيدته “لست أرثيك بالكلمات ”
هذي هىَ الأيـَّامُ : يتَّـمَـهَا النَّـوَي
هَذِي هِىَ الكلماتُ : بعدكَ شُرِّدَتْ
كَمْ حَاوَلَتْ نَعيِي وَنعيَكَ كُلَّمَا
نَسَجَتْ حروفًا في الظلامِ تَكَـفَّـنَت”
تجسد الرثاء بتجربة شعورية مريرة (وفاة والده) ، وحول معاناة الحصول على الرغيف، يقول الشاعر في قصيدته “ذاكرة الصبا” :
والجُوعُ يطعنُنِى على عَتَبِ المخابزِ ،
بينَ أنَّاتِ العَجَائز، يصلِبُ الشريانَ في أرقَى المَحَافِل، ثم تُؤمَرُ جارةٌ ..
شَهدَتْ على قهرِ الرغيف، ونحرِ حلمٍ عابدٍ :
لا تنطِقِي .. ممنوعةٌ أن تتَّقِي والصمتُ شرطٌ خارجَ الأبوابِ .. حتى تُعتَقِي ”
حالة غلبت فيها وساطات ، ومصالح شخصية على أقل احتياجات الإنسان (الرغيف) ، وتترجم تلك الصورة مشهدا كان حاضرا حينها في طوابير الانتظار القاتلة ، ربما كان هذا قبل ستة أعوام انقضت ، ولقد دفع الراوي تمرده ليقدم قضايا عصره من الذاتية في قصيدته العمودية ، ثم الاجتماعية بشعر التفعيلة ، فالكتابة بجنس أدبي أكثر اتساعا (القصة الشاعرة) ، ليتحدث عن هموم وطنه الأكبر في ظلال معاييرها المفجِّرة طاقته الإبداعية بما تحمل من ترميز ، تكثيف ، فضاءات بصرية ،التدويرين العروض والقصصي ،الإيحاءات والدلالات .. تراه يكتب قصته الشاعرة “إيزيس” حيث يقول :
“باعت قميصَ الدفءِ فى سوقِ السنابلِ .. ، أغرتِ التجارَ رقعةُ ثوبها ..، فى عينِ سلطانِ النخاسةِ أغلقت أبوابَ نهديها بصدرِ القصرِ ، زُجـَّت فى زنازينِ العفافِ جوارَ إيزيسِ التى ركضـَت بأروقةِ الدموعِ ..، فأغمدَ اليأسَ انتحارًا ، و(التقى الأضداد) فى طرقِ المدينةِ .. ، فكَّ “ديكتاتونُ” شفرتـَهُ القديمة ، جمـَّع الأقرانَ من كلِّ الملاهي ، ناصروهُ بجبهةِ الفيسِ ، استعارَ بضغطةِ الإرسالِ أوردةَ الخريفِ .. ، أقامَ مأدبةً على جرحِ البكارةِ ، غابتِ الشطآنُ من قهرِ النـَّدى . ”
استطاع مواكبة عصره ليس رصدا فقط ؛ إنما تفاعلا مع مستجدات اللغة (الأدب الرقمي) ، حيث تجد تطور معجمه المبدع بمفردات نحو : “الفيس” فيما قد يكون إيماءة لأحداث ما اشتهر إعلاميا : (الربيع العربي) ، وإن كان ورد بالضد في لفظة (الخريف) ، وتأتي “ضغطة الإرسال” كتعبير عن إشارة تبدأ بعدها الأحداث.
* وهكذا تشهد الذاكرة الإبداعية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي زخمًا، ومن الطبيعي أن تحتفي الشبكة بأهم الإصدارات الشعرية ، وتمنحها مساحتها ، مثل “لا شيء يشبهني سواك” و”معجب قديم” للشاعر عاطف الجندي ، وكذلك ديوان “عيون المها” للشاعر ثروت سليم ..
ومن المفارقات أن يكون ديوان “معجب قديم” هو الديوان الأول بالعامية لرئيس شعبة الفصحى باتحاد كتاب مصر عاطف الجندي ، وهو من ثمار ثورة يناير المصرية ، وتلتقي بعض قصائده “العامية” مع قصائد “لا شيء يشبهني سواك” الفصحى ، خصوصًا في حضور ثلاثية الحب والشعر والوطن بعيدا عن الإيدلوجيات والطوائف والتحزبات التي تُفرق وتحرق .. ، وكذا تعلن إبداعات “الجندي” سرّ هذه التوليفة السحرية التي تضمن لقصيدته البقاء بحرية في ضوء المحبة والمشاركة والحوار الثقافي الهادف ..،
* “لا شيء يشبهني سواك” قصيدة تمثل بانوراما الشعر والحب والوطن ، إذْ تتداخل الأصوات بين الأم والزوجة وخطيبة الابن، وبين الأب والابن والحفيد ، وتتماس عاطفة الأمومة والإبوة فرحًا بالطفل الذي بدأ شاربه يخطّ علامات الشباب والنجومية ، واختيار العروس ذات المَلَكات الخاصة ، وسواء كانت من بنات العم والخال والجارة العربية، أو المدى المُلهم ، وكم تستدعي هذه الفرحة ذكريات الوليد ومراحل التعليم والتعويذة والحكايا ، على لسان الأم ، لتتوازي مرايا المشهد عن الأب/الشاعر ، فتتجسد أحاسيس أمه وأبيه ومراحل تكوينه في إحساسه الآن أبًا مع الزوجة/الأم والابن/ الأنا الشاعرة ، وتتشابه أيقونة الحاضر بالماضي وآمال المستقبل في حرارة العاطفة الجامعة ، ولا فرق في مستواها بين أم وأب الآن كما هي الفطرة، تتوارثها الإنسانية ، لا تشويش عليها مهما تغيرت الأزمنة والأمكنة واختلفت السُّبل للوصول إلى هذه الحقيقة التي لا تتبدل مع جميع المخلوقات ، فالأمومة هي الأمومة والإبوة هي الإبوة ، لا تحتمل المشاعر بعض لبسٍ ، وإلا ما كان الإحسان للوالدين حُكمًا قاطعًا بعد عبادة الله ..
إن هذه البانوراما الشاعرة من أروع ما كتب عاطف الجندي الأب/الابن/الزوج/الشاعر ، واستطاع التعبير عن تلك العلاقة الممتدة شرايينها مادامت الحياة ، متمثلةُ في الروابط الأسرية ، والعشق الكامن بين ضلوع أفرادها ، وإن غفل بعضهم عن التشخيص ، أو لم تمكنه قُدْرته التعبيرية في ظاهر الأمور ..
“لا شيء يُشبهني سواك” علامة مائية يطبعها الأب قُبلةً على جبين ولده ، وبنفس القدر تتغنى بها نبضات الأم حنانًا متواليًا .. يغزلها شاعرنا طاقة يمكن أن تكون على لسان أبيه له ، ويمكن أن تكون على لسانه (الشاعر) لابنه ، والتماسًا من الابن بحماية أبيه ..
” رُدَّ المواجعَ عن عيوني الطيبينَ وكن نبيَّا – يا أبي – وارحم شقايا”
وهكذا تمتدّ أشرعة الحب ، فتستدعي موروث الوطن/الأم ، لينطلق الحب من الفرد إلى الوطن ، ومن ثمّ ، فمن الوطن لأبنائه ..
موسيقى عذبة وصور فاعلة منفعلة بالحالة الشعورية ، وحنين بعد اغتراب ، ولُقيا ترميزية مُدهشة ، تكتسب أصالتها من عبق التاريخ (حوريس/الابن ، حتشبسوت ، إيزيس ، هابو المحبوبة..) بفلسفة ضوئية ومهارة فيلسوف شاعر ،
لا شك أن القصيدة الجميلة ، فهي ذات المعاني السامية ،والتدفق الشعري ، وتصوير له من الترميز والكشف ما يشبع اللغة الشاعرة ، والتفعيلة ما إن يستخدمها الشاعر ببراعة تُشدُّ إليها الذائقة ، وتستمتع الآذان بمنطوق القصيد المبهر .. ، و ذلك بازدياد إمكانية استثمار الإيقاع كأحد تقنيات السحْر لدى المتلقي ، مع تنوع الشكل في أوردة العمل الإبداعي والالتزام بالتفعيلة ، كما تتنوع المضامين في ضوء الرابط بين هذا التنوع ..
طبيعي هذا التضمين بالموروث الديني في ” فغلقي الأبوابَ عن طحن القميصِ” وتوكيد الرجوع إلى الأم/الوطن ” فارجع نحو أمِّك” و”عُد لأمك” ، ” هذه الألواحُ أكسِرُها” ، وكذا التضمين بالموروث الشعبي ” جنٌّ سيسجنني بخاتم بطشه”، “وغولُ ليلِ الخوفِ يخرجُ” ، ليختتم بالتفاؤل: “سأظل أحلمُ .. أن تُخلدُني المعابد”
وجميلٌ أن يتنفس كلٌّ منا الآخر ، وأن تتعانق أو تتوازى الروح مع الضوء .. دامت أجنحة الشرفات إذْ لم يعد أمامنا فرصة للكبوات والسقطات ، وليس غريبًا أن نكتشف نوعية جديدة من الفلسفات، ..تقف جنبًا إلى جنب مع فلسفات سقراط وابن رشد والجمال وحتى فلسفة الوجوديين وابن خلدون ، والإمام محمد عبده ، وكذلك تناقضات فلسفة الصورة بين الجرجاني وسارتر ..
* “لا شيء يشبهني سواك” ديوان يضم خمس وعشرين قصيدة ، تتنوع ما بين العمودي والتفعيلي ، والوطني ،العاطفي ، الاجتماعي ، ويزدحم الديوان بالصور المدهشة في سلاسة وبساطة دون افتعال ..
يقول عاطف الجندي في خريدته التي حمل الديوان عنوانها :
لي في الطريقِ إلى الطريقةِ نجمتان
ويمامتانِ على طريق الريحِ تنتظرانْ
وتهيجان براءتي لتقبّلَ النحلَ الذي ترك القفير ليجتلي رؤيا الحقيقةْ
***
أمي تعدُّ فطورَ ذاكرتي وتكثرُ من مرايا الجنِّ والسَّفر الطويلِ
على مهادٍ من حكايا
لتزركشَ الوجعَ المبكرَ ، والجنونَ بسندريلا ،
ها سبعةٌ هاموا من الأقزامِ
يشتعلونَ خلفَ البنتِ ذات الحسنِ في فرط الدلالِ،
وغولُ ليلِ الخوفِ يخرجُ من جدار السَّردِ ، يدهمني
لأبكيَ بين صمتِ الليلِ ، أصرخُ في المدى ،
رُدَّ المواجعَ عن عيوني الطيبينَ وكن نبيَّا – يا أبي – وارحم شقايا
***
أماه .. هذي القصةُ الشوهاءُ تأكل من عظام الآمنينَ ،
فغلقي الأبوابَ عن طحن القميصِ
وعَطّلي هذى الرَّحايا
***
جنٌّ سيسجنني بخاتم بطشه ِ، لا الصبحُ ينقذني ، فردي للورودِ حديثَها
فالعامريةُ قبلت قيسًا ، وأهدت سرَّها للعاشقينَ ، فردِّدي سحرَ الرواياتِ العتيقةِ
جَرِّدي سيفَ ابن ذي يزن المهيبِ ، وقدمي للبوحِ شايا في مجالسِه .. ونايا
***
قولي لفارسِك الصغيرِ نبوءةَ الوجع الذي كتبَ المشاعرَ سُنبلاً ، وأضاءَ من دمعٍ تقطرَ
فوق خدِّ البرعم القروي أسرارَ الخفايا
***
للطفلِ في صبح المدارس دَمعةٌ كتبتْ فصولَ هتونها بين انشطار الدفءِ ،
والأملِ المخاتلِ في ثريَّات السَّجايا
***
كراسُك المنقوشُ ، والقلمُ الجميلُ ومقلةٌ زرقاءَ ،
تتبع ظلك المحبوبَ كي تحرسْك من عين الرزايا
***
( حوريس )
فارجع نحو أمِّك بالتفوقِ كي تُزينَ بك الزوايا
***
ولدي كبرتَ وصرتَ نجمًا في فضاءاتِ المزايا
***
والآن شاربُك الوسيمُ يخط بوحًا في تراتيل الصبايا
***
مَنْ تلك مَنْ ألقتكَ في لهبِ الجنونِ ، وأشعلتْ فيكَ الخلايا ؟!
***
هي بنتُ عمِّك ، أم بناتُ الخالةِ الشقراءَ ، أم عربٌ ، ورومٌ أرسلوا مَنْ كبلتك
بضوءِ عينيها وراحتْ تستبيحُ بك الحنايا ؟!
***
لا شيءَ يشبهني سِواكَ
فعدْ لأمك كي تعدَ لك الثريدَ ، قميصَك المغسولَ ، جوربَك الجديدَ
وقصةً تختالُ قد غرستْ رؤاها .. في رؤايا
***
لم يختزلك سوى أنايَ وأنتَ وجعي في المخاض ، فشلتُ في تزييفِ عالمِكَ الطفولي
انتبهتَ ، وكنتَ أكبرَ من مجرد قطعةٍ للَّحمِ ترفضُ كلَّ مُرضعةٍ عَداي وكلَّ مخلوقٍ سِوايا
***
أتَذَكُّرُ الولدَ الذي عشق السؤالَ عن الخبايا : من أنا ؟!
ما الله ؟!ما سرُّ الوجودِ ، وكيف أبحرَ في الغيابِ سفينُ جدِّك واستبدَّ به الحنينُ مسافرًا
خلف المنايا
***
مَنْ هي ال عشقت حبيبيَ .. من هي ال سَحرت ضَنايا؟!
مَنْ تلك ، مَنْ شردتْ بفكرك ، مَنْ جعلتَ براقَها يحملك للسهد المقيمِ
على سَديمٍ من شظايا ؟!
***
هي بسمةُ الصبح الجريحِ ، بطلةٍ ..
أماه تختزلُ المواجعَ كي تعيدَ الكونَ للدورانِ
كي تُهدى تفاعيلَ القصيدةِ للعطور ،
ترشَّ عُنابَ الشفاه على الورودِ لكي تبث الشمسَ في خدِّ المرايا
***
هي بنتُ حُلمي والمواسمُ للعناقِ ،
نبوءةُ الكلمات عند مخاضها لتسطر الضوءَ الجديدَ
على عقارب دهشتي
كانتْ وكنتُ … وكنتُ أختزل البنات على حروفِ بهائها وجعًا تهدهدني
لينهمرَ النشيدُ إلى البرايا
***
أمي وضوءٌ مسَّني يا بنتُ من دمع السهاد ، أحالني
سِفرًا يجيء على هوايا
***
لولاك ما اخترت الكتابة ، كنتُ شمعا والمدى هذا الفراشُ ، يلفني
ونزلتُ في النهر القريبِ لكي تُعمدَني عُيونُك ، كنتُ أحلم بالهلالِ
وكنت أنتِ بدايةُ التكوين في سِفر الخروج إلى الجحيمِ ، وكنت أحلم بالرسالةِ
كان يبعثني الطنينُ محلقا وأبثُّ في ثقةٍ .. وصايا
***
لا قتل هذا الكونَ سوف يهزُّني
لأهرِّبَ الطينيَّ من جسد الغوايةِ في تهاويم البراءة ، هذه الألواحُ أكسِرُها
لتشرقَ في دمايا
***
بوابةً للحزن ، أم وقعَ القديمُ على خطاي ، ووقع من وقعت خطاه ..
على الخطايا
***
سأظل أحلمُ ، سأظل يا إيزيسُ أحلمُ أن تخلدَني المعابدُ قصةً فوق المسلات التي
تحوي النجومَ كعقدِ خَرْطوشٍ ، سيحملُ لي الثناءَ مع السَّنايا
***
وتظلُ حتشبسوتُ ، يا ( هابو ) الجميلة معبدًا للقلبِ يذكرني وأذكرهُ
وماسُ الشوق يملأ مقلتيَّ وبوحُه وجعُ البقايا !
**
تتناول قصيدة “لا شيء يشبهني سواك” مختلف التناقضات بدءا من العلاقات الإنسانية الأسرية ، وتتسع لتشمل واقع العالم الآني ، لتواجه كل الأعين الرمداء وترفض ما يبدو من بعض الأبناء من جحود وغباء واغتراب في ظل غياب القيمة وحضور العبثية والوهم ، لتنطلق النظرة التأملية على شكل تساؤلات ، و مازال الترميز هو اللغة المورقة إن لسعتْ جروحنا حرارة الواقع .
* وفي معزوفة رومانسية وافرة بعنوان “سأبقى أحبّك” من ديوان “عيون المها” للشاعر ثروت سليم تكشف الشبكة العنكبوتية عن عاطفة جياشة وحبّ عذري ، مازال يفرد أشرعته مناجيًا ومبتهلا ، مُعترفًا ومُجدّدًا العهد ، غارقًا في جنونه الممتدّ بالوفاء والرجاء ..وها هي الأنوثة الطاغية في حبها اللامعقول..، تعشق الاستبداد والتملك بجبروتها الحاني/ ينبوع حبّ، تمنح كل شيء بألوان صارخة (ونسيان حُبِّك عين المُحال) ، إذا وجدت ذلك القلب الذي يُحلّق بها عبر سموات العطاء ..، لكنها أبداً لا تقبل “الخيانة” .. ، فالخيانة عندها ألاعيب ممنوعة جداً ..، والأنثى الحقيقية شطرٌ أساسي يؤكد دوماً آيات الله في الأرض ، و تمثل العمل الإبداعي النظيف ، والصادر عن أعماق مبدع حقيقي ..،
كأني أقرأ في الأنوثة/”عيون المها” وطنًا “تدفق بالنور بعد الوصال”
* ديوان “عيون المها” يضمّ أربع وسبعين قصيدة ، تتزين بالعشق والرومانسية والحنين رغم اختلاف التجارب ، وإن كانت تسري بين أوصاله أنفاس آخرين، ويبدو أن للشبكة العنكبوتية تأويل مختلف لقراءة المشهد الثقافي ، أو بمعنى آخر ، تظل مستجدات هوية الإبداع الحر متألقة دوماً في ضوء رفع السقوف عن العلاقات الإنسانية وعالمية الحب المسئولة عن تطوير الصورة في جسد اللغة ..
يقول الشاعر ثروت سليم في قصيدته “سأبقى أُحبك” :
سأبقَى أحبُكِ رغمَ الليالي ونسيانُ حُبُكِ عَينُ المُحَالِ
ولو كنتُ أعرفُ للحُبِ درباً فأنتِ الطريقُ لهذا الجَمالِ
ولولا عيونُكِ ما كان قلبي بعينيكِ يسمعُ نبضَ ابتهالي
عيونُ المَها أنتِ شِريانُ حُبٍ تدَّفَقَ بالنورِ بعدَ الوصالِ
فطيبي سماءً وطيبي فضاءً تطيبُ لك الأرضُ في كل حالِ
فإني عرفتُكِ ينبوعَ حُبٍ وقلبي ينادي تعالي.. تعالي
..
وهنا .. يقوم التأويل على أساسيات تابعة لظروف النص ، والاتساق مع السياق العام ، والقرائن اللغوية ، ومدى العلم بأسرارها ، وربطها بالعلوم الأخرى ، مع العلم بمجريات الأمور التي تخاطب العقل الفاهم والمنهج المستقيم .. ، وهذه الأساسيات الصحيحة لا تأتي بنظرة سطحية ، أو بقراءة عابرة ، وبرغبة عابثة ، بل بالتدقيق في ظروف وملابسات المسمى/الحدث..، وبإيمان يدفع إلى التفكر والبحث من أجل تعليل الظواهر بعد تشخيصها ، وتحديد كيفية معالجتها ، والتفاعل معها .
* وكما كان للشعر مساحته على الشبكة العنكبوتية ، فقد احتلّ المقال كذلك مكانته في إصدارات جديدة نشرت على الشبكة وفي الصحف الورقية تناولت قضايا مختلفة بلغة أدبية وتركيز، وبعضها جُمع في كتاب ، مثل “حرف تايه” للكاتب الصحفي مصطفى زكي .. ومِما نشر حول موهوبي الأقاليم مثلا يقول:
(كثيرون هم موهوبو الأقاليم.. تلك الموهبة الفطرية التى تمنحهم إياها طبيعة المكان، من حيث الهدوء النسبى البعيد الي حدٍ ما عن ضجيج العاصمة وضواحيها، ومن حيث طبيعة المجتمعات ذات العلاقات المتشابكة والتواصل اليومى إلى حد التوحد فى أسرة كبيرة العدد؛ ما يتيح لكلٍ من أفرادها أن يكون مطلعًا على كل التجارب الإنسانية المحيطة، بل مشاركًا بها، ومساهمًا فى صياغة وقائعها.. فرد يحمل على عاتقه تجارب مجتمع كامل.. وخبراته.
لكن القليلين منهم من تتاح لهم فرصة صقل مواهبهم سواء بالدراسة أو التواصل مع الساحة الأدبية ليصيروا مبدعين حقيقيين، وهو ما يؤدى بالعديد من حاملى الموهبة الفطرية الى عدم إكمال الطريق؛ إحباطًا أو سعيًا وراء “لقمة العيش”.. هذا فيما يخص الشباب، أما فيما يتعلق بالفتيات فالمعوقات أكبر.. والمحبطات أعظم.
تلك المعوقات التى تعتبر فى مجملها سلاحًا ذا حدين؛ فالتغلب عليها يمنح مجتازها مقومات مضاعفة، وإحساسًا متزايدًا بالمسئولية نحو ذاته المبدعة.. وأقرانه.. وتلاميذه فيما بعد إن قدر له أن يكون ذاتًا فاعلةً على الساحة الأدبية المصرية والعربية.. وهو ما استطاعه أدباء ومبدعون سابقون ومعاصرون أكثر من قدرتنا على إحصاء أسمائهم فى هذا السياق)
وحول كتاب “حرف تايه” للكاتب مصطفى زكي نشر كاتب هذه الكلمات على الشبكة العنكبوتية تعقيبًا جاء فيه:
* كي أتكلم عن الكتاب ، كان لابد من قراءة العنوان ، وطرح سؤال “من هو مصطفى زكي؟” الكاتب، وكذلك ما هو الجديد في العموم ، لكنه طبيعي جدا (ليس جديدا أو غريبا) بالنسبة لكاتب مثل مصطفى زكي
– ما هي السمات الخاصة في كتاباته ، مما يجعل من مقاله نصا أدبيا بامتياز؟ كيف يسيطر السرد الشعري على مقالاته ، وهل يمكن تصنيفه بناء على التضمين والاستشهادات؟ هل كان محايدا في تناوله الإعلامي للقضايا، منطلقا من الذاتية إلى العالمية؟
– لماذا هذا الكتاب، وهل القدر لعب دوره في هذا التوقيت ، وما علاقة ذلك بتدشين جريدة الموجز ، وهل نص واحد يكفي للحكم على كاتب ، أم مجموعة نصوص تؤطر عوالمه وثقافته؟
– كيف يواجه الإرهاب ، ويدعو إلى التعليم والثقافة والقيم بأسلوب غير تقريري في مقال صحفي ، وهل لموهبته الأصلية وخبراته دور في هذا التميز؟
– لماذا يشعر بالاغتراب، فيطرح التساؤلات بلغة ترميزية ، وصور مدهشة وإشارات سريعة وربط (تاريخي، علمي، ديني، سياسي، رياضي، ..) ، وهل غير الأديب الموهوب والمثقف الموسوعي من يملك هذه اللغة الأدبية؟
– الوفاء للراحلين ، ومحاولة الفهم الصحيح لما وراء الحرف والإشكاليات بعيدا عن بسطاء التفكير وصيادى الهواء!
– “بخداع أقل” .. هل كتب القصة القصيرة وقصيدة النثر في أجزاء من مقالاته ، ولم كانت حواراته مع الكبار قدره الخاص؟
– أخيرا .. كيف يستدعي من ذاكرته في مرحلة الطفولة ومكتبتي البيت والمدرسة ، وفي قصر ثقافة شبين القناطر ومسابقة الجامعة ما يوافق الأحداث الجارية ومستجداتها ، وكيف يستفيد فائدة حقيقية ، ليكون مدا ، كما كان امتدادا؟ فمن هو؟ بدأ شاعرا ، ثم قاصا حتى عمل بالصحافة ، متأثرا بنشأته في “عائلة الأدب والفن” يحترم الكبار ، لا يقطع ولا يمنع، إنما هو التواضع والمحبة والتساؤلات، والمقترحات، وظهر ذلك جليا في كتابه “حرف تايه” نصوصا ومشاركة ، في اختيار المفردات المتشابهة حروفها غالبا (جناس وسجع) والتراكيب الدقيقة ، المتشابكة صورا وتناصا ومعلوماتية ومحبة وترميزا
* أحسب أني طرحت رأيي من خلال أسئلتي -وإن كنت أطلت- وطرح لي الكتاب إجابات فريدة
..
ويبقى .. أنه لابد من توكيد أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في العمل المؤسسي ، كتنظيم المؤتمرات والمهرجانات والحلقات النقاشية كإعلام بديل رغم ما يواجهه المستخدم من عمليات قرصنة وتهكير ونحت ، وغيرها من التفريعات المُهدّدة ، لكن ، ما مِن دواء إلا وله بعض السلبيات ، ولا يفوتنا أن نذكر في هذا المشهد بعضا مِمّن كان لهم حضورهم المُميز في المشهد الثقافي المصري عمومًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، والمشهد الشعري خصوصًا ، وهم كُثر ، نذكر منهم : د. السيد رشاد بري ، مختار عيسى ، د. ربيحة الرفاعي ، أحمد السرساوي ، حازم مبروك ، عصام بدر ، مصطفى عمار ، صباح تفالي، خالد النسر
…
كانت هذه قراءة سريعة للمشهد الثقافي الراهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، ومازال البحث جاريًا ، فما بين الفلسفة وفكر المستقبل تنشط الذاكرة الإبداعية ، وتنطلق الروح عبر صوفية النص فتحمل معها موْسقة الغضب ، وحوار الثقافات .. ، ومن هنا يكون استدعاء فلسفة التغيرات والإبداع المتجدد ، أو بمعنى آخر ازدهار الفكر الإنساني وتشكيل وجه الحياة .