محطة الضبعة النووية وإفلاس شركة وستنجهاوس الأمريكية
بقلم – الدكتور على عبد النبى:
يوصف نجاح مشروع المحطة النووية بأنه قد حقق الغايات والأهداف حينما يتم فى إطار ما هو محدد له من ميزانية ووقت وجودة. ونحن نعيش فى العصر الحديث، حيث تم تطوير أدوات وتكنولوجيات إدارة المشروعات وتعزيزها بكل ما هو متاح من تقدم تكنولوجى. ومع ذلك، لايزال تنفيذ مشاريع المحطات النووية يتأخر، وهى نقطة هامة للتفكير.
مشاريع المحطات النووية لها خصائص فريدة (مثل تقلب حافظة المشاريع والعمليات والإجراءات، ومتطلبات الأمن والأمان) التى تؤثر على التقدير الدقيق للجدول الزمنى لتنفيذ المشروع وهو ما ينعكس على تكاليف المشروع. وتنفرد مشاريع البناء والتشييد للمحطة النووية بخصائص لا توجد فى المشاريع الأخرى، من بينها كثرة عدد الأطراف المعنية بالمشروع مع حصصها الخاصة، ومصالحها المتناقضة. فمقاولات البناء والتشييد للمحطة النووية هى أكثر الأعمال عرضة للمخاطر والتعقيدات الكبيرة، مما يؤدى إلى مستوى عال من عدم اليقين ومع إمكانيات كبيرة لتأثيرات البيئة المحيطة على المشروع.
يؤدى التقدير غير الدقيق للمشروع إلى التأخير فى تنفيذ المحطة النووية، وهو الحدث الذى يتسبب فى زيادة مدة التنفيذ عن المدة المحددة وفقا للعقد وكذا تجاوز التكاليف، وبالتالى يتعرض مشروع المحطة النووية للخطر، وقد يكون سببه المقاول أو صاحب العمل أو أطراف أخرى أو قوة قاهرة.
أصبح التأخير هو المشكلة الأكثر شيوعا والأعلى تكلفة التى تواجهها مشاريع تنفيذ المحطات النووية، والتأخير مكلف لجميع الأطراف التى تشارك فى بناء وتشييد المحطة النووية وغالبا ما يؤدى إلى اللجوء للقضاء أو التحكيم، كما أن الوقت والنفقات المتكبدة لإعداد وثيقة مطالبات بحد ذاتها كبيرة. وحتى مع اتباع التكنولوجيات المتقدمة، ومع تطبيق أساليب الإدارة المتكاملة والمتقدمة لمشاريع المحطات النووية، فلا تزال مشاريع المحطات النووية من الجيل الثالث والجيل الثالث (بلس) تعانى من التأخير. فوفقا لقاعدة بيانات الطاقة النووية العالمية، فإن ما يقرب من ثلثى المحطات (أى أكثر من 65% من المحطات) الـ 59 والتى هى قيد الإنشاء حاليا هى متأخرة فى التنفيذ. ويؤدى التأخير فى تنفيذ المحطة النووية إلى زيادة التكاليف وجعل الطاقة النووية أقل تنافسية مع مصادر توليد الكهرباء الأخرى مثل الغاز والفحم والطاقة المتجددة.
فالصين – مثلا – تقوم ببناء 21 محطة من بينهم 9 محطات متأخرة فى التنفيذ ، وروسيا تقوم ببناء 6 محطات نووية جميعهامتأخرة فى التنفيذ ، وأمريكا تقوم ببناء 4 محطات نووية جميعها متأخرة فى التنفيذ ، والهند تقوم ببناء 5 محطات نووية جميعها متأخرة فى التنفيذ ، وكوريا الجنوبية تقوم ببناء 3 محطات نووية جميعها متأخرة فى التنفيذ ، وفرنسا متأخرة فى تنفيذ محطة نووية واحدة تقوم بتنفيذها داخل فرنسا ومتأخرة فى تنفيذ محطة نووية واحدة تقوم بتنفيذها فى فنلندا.
شركة آريفا الفرنسية وهى من أكبر الشركات العالمية المصنعة والمنفذة للمحطات النووية، تقوم ببناء محطة نووية داخل فرنسا وهى محطة فلامان فيل- 3 (FA3) ، وهى من نوع EPR ، حيث بدأ البناء فى ديسمبر 2007. وكان من المقرر أن يبدأ تشغيلها عام 2012، لكن المشروع عانى الكثير من التأخير، ووفقا لتصريحات شركة آريفا فمن المتوقع أن يبدأ تشغيلها فى ديسمبر عام 2018 . أى أن هناك حوالى 6 سنوات تأخير فى تنفيذ المحطة. وقد صاحب التأخير ارتفاعا حادا فى تكلفة المفاعل، فقد ارتفعت التكلفة من 3.3 مليار يورو فى عام 2007 إلى 10.5 مليار يورو فى عام 2015 ، أى بزيادة مقدارها 7.2 مليار يورو. كما تقوم شركة آريفا ببناء محطة أولكيلوتو-3 (OL3) من نوع EPR أيضا فى فنلندا ويعانى المشروع ايضا من التأخير، ووفقا لتصريحات شركة أريفا فإن هناك حوالى 8 سنوات تأخير فى تنفيذ المحطة. وقد صاحب التأخير ارتفاعا حادا فى تكلفة المفاعل، فقد ارتفعت التكلفة من 3 مليار يورو فى عام 2005 إلى 8.5 مليار يورو فى عام 2012 ، أى بزيادة مقدارها 5.5 مليار يورو.
لكن هناك ما هو أخطر من ذلك، ففى مارس 2017، تقدمت شركة وستنجهاوس الأمريكية بطلب إشهار إفلاس، وذلك بسبب خسائر قدرها 9 مليار دولار، وفى وقت سابق وفى يوم الثلاثاء 14 فبراير 2017 اعلنت شركة توشيبا اليابانية أن هناك خسارة مقدارها 6.3 مليار دولار فى القسم الخاص بالبرنامج النووى، وذلك نتيجة تعثرهما فى تنفيذ 4 محطات نووية من نوع AP1000 فى موقعين داخل أمريكا، فالموقع الأول يضم محطتين وهما سمر-2 وسمر-3 والموقع الثانى يضم محطتين وهما فوجتل-3 وفوجتل-4. ونتيجة لذلك ونظرا لأن شركة توشيبا اليابانية هى المالك لشركة وستنجهاوس منذ عام 2006 ، فقد اعلنت شركة توشيبا افلاسها ايضا.
أمريكا هى السوبر باور وشركة وستنجهاوس تعتبر أكبر شركة فى العالم فى تصنيع المفاعلات النووية، فقد قامت بتصنيع 50% من مفاعلات الماء الخفيف المضغوط والمنتشرة فى جميع أرجاء العالم ، كما أن شركة توشيبا اليابانية تعتبر من أكبر الشركات العالمية.
شركة وستنجهاوس الأمريكية وضعت خبراتها المتراكمة فى مجال تصميم المفاعلات النووية، ووظفت قدرات خبرائها المتخصصين، وقوتها المالية فى تصميم مفاعل AP1000 ، هذا المفاعل يعتبر ثورة فى عالم تصميم المفاعلات النووية وثورة فى عالم فلسفة ونظم الأمان وثورة فى عالم البناء والتشييد للمحطات النووية وثورة فى عالم إدارة تنفيذ مشروعات المحطات النووية.
ومع ذلك، ورغم ما تمتلكة هاتان الشركتان من أحدث وأرقى تكنولوجيات التصميم والبناء والتشيد وإدارة مشاريع المحطات النووية، وما تمتلكة من الكوادر الفنية والخبراء والمتخصصين الذين يمكن تصنيفهم بأنهم الصفوة على المستوى العالمى، كذلك ورغم الدعم الكامل من الحكومة الأمريكية لشركة وستنجهاوس لإنجاح مشروع المفاعل الأمريكى من نوع AP1000 ، إلا أن مشروعات سمر-2 وسمر-3 وفوجتل-3 وفوجتل-4 حدث لهم تأخير كبيرفى التنفيذ مع زيادة كبيرة فى التكاليف. حتى هذه اللحظة ففترة التأخير المتوقعة لن تقل عن 3 سنوات، كما يتوقع الخبراء الأمريكان المتخصصون فى مجال تنفيذ المحطات النووية أن تكون فاتورة الكاليف النهائية بنحو 19 مليار دولار للمفاعلين “فوجتل” و 22 مليار دولار للمفاعلين “سمر”، وهذه الارقام تماثل 4 أضعاف القيمة التقديرية لتكاليف هذه المحطات.
هذا ما حدث مع زعيمة كوكب الأرض “أمريكا” فهى السوبر باور، وفى أضخم مشروع نووى داخل أمريكا، ومع تكنولوجيا مفاعلات نووية متقدمة جدا. فماذا يخبئ لنا القدر فى مشروع الضبعة النووى ؟ .. والذى يعتبر بالنسبة لنا التجربة الأولى فى هذا المجال.
والسؤال الذى يحيرنى : لماذا تم استبعاد المتخصصين المصريين فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء عن مشروع الضبعة النووى؟
فهل لنا من وقفة صادقة مع النفس ، وهل لنا أن نستفيد من تجارب الدول السابقة فى هذا المجال ، والتى تم استعراضها آنفا، وهل لنا أن نراجع أنفسنا، ونراجع ما قمنا بإعداده من عقود لمحطة الضبعة النووية قبل التوقيع مع الجانب الروسى، وذلك من خلال فقهاء وشيوخ وخبراء المحطات النووية لتوليد الكهرباء ، ومعظمهم ولله الحمد على قيد الحياة.
يا حضرات السادة المسئولين … أدركونا قبل توقيع العقد.
ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد.