مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

مجنون القريض ” قصة قصيرة “

بقلم –  صالح هشام” قصة قصيرة”:

قد يهمك ايضاً:

” اتحقق قبل ما تصدق” حملة إعلامية تنفذها هيئة…

عمر خيرت ..يحيي حفل موسيقي ‏بمصاحبة أوركسترا مكتبة…

فلتة من فلتات الزمن أنت ! شمسك غيرالشمس ، سماؤك غير السماء :
مضطرب النفس ،متقطع النفس ، حالك غير الحال ،حالك -أبد الدهر – لا يستقر على حال ، فما همك يا سيدي؟
متى انساب من دياجي العصور إلهامك :
يقعقع رعد في سريرتك ٠٠٠ يلمع برق في طويتك!
تجتاحك غيمة إحساس ،لك منها تلوح عيون مسخ غريبة :
تخترقك بالنظرات ، تكاد تثقب قلبك ، وحدك تراها ، و بعينك السحرية الثالثة ٠
عيونا تحسبها ،تقذفك بكويرات برد باردة ، تتكسر وتذوب شظاياها في متاهات ذاكرتك ٠
ثم تتحول كتل نور و نار، تفتلها أنامل سحرية ، تدحوها في نفسك ، فتوقظ من سبات عميق ، شياطين قريحتك ، وتدفعك لتمارس شغبك الشعري !
يراودك وجع ، عذبا يسري في دماغك ، يجوب خزان أفكارك فتتراءى لك ، تلك الكويرات دررا مصقولة الحواشي شفافة ، لكنك تحسها كوخز الإبر في مخيلتك ،تومض فيك ، فتتوهج نورا في بواطنك !
عندئذ تهجرك لذة النوم ،يجثم عليك توتر ثقيل ويحضنك أرق طويل٠
مناقير الطير،خفيفة تنقر على أم رأسك ، فتحار في أمر سرها ومستو رها، تلملم شتات أفكارك و تتساءل :
– أ هو البرد فوق قصدير سطح بيتي يتكسر ؟
-أ هو ارتطام شئ غريب بدواخلي يتشظى؟
هو بالفعل ارتطام يكتم فيك الصراخ والصمت -يا سيدي – لكنه يفتح منك البصر والبصيرة!
فيتسرب عبر شقوق الأزمنة الغابرة إلى تشققات نفسك : نفسك الحبلى بالألم ، بالأمل ، بالموت ، بالحياة ، بندوب القهر في كل أزمنة القهر و العهر البشري ٠
حملك -يا سيدي – ثقيل ٠٠ثقيل !
ليلك منذ الأزل طويل ٠٠طويل !
وأنت ثور- على قرنيك – تحمل كل هموم هذه الكرة الثقيلة !
يتفجر منك العرق عيونا، ويغمرك البلل باردا،من الناصية إلى قاع المداس:
فترتاب في حقيقة أمرك ، تمسح بلورات ، تحسبها رذاذ موج بحر ، أو زخات راعدة تفرغ حمولتها على سقف بيتك !
و على مسامعك تربت إيقاعات غريبة ، مسربلة بوحشة الروح و قلق الجوارح ٠٠ فتنفث كالتنين من روحك شعلة من نور تضئ نفوسا ، و لهيبا من ناريحرق أخرى ٠
فتتحد بأطياف كل الشعراء، وهم بمطارقهم على نتوءات جدار ذاكرتك -عبر الزمن – يطرقون :
من هراس إلى هوميروس٠
من شكسبير إلى أدو نيس !
وقتئذ ،تشبك قبضتيك خلفك ،يهما تعصر الفراغ في أعماقك ، وبقلق لا تطيقه تطرطق أصابعك ، و بتوتر زائد تدور حول نفسك دورة الخذروف في الخواء ٠٠ في الهواء … في السماء …فوق صفحة الماء :
طائر فنيق أنت ،كائن خرافي أنت ؟ لا يستقر حاله على حال ،خارج حدود الزمان والمكان ، يستوطن الأدمغة !
وفي ثورة بركان صراعك، تهيم باحثا عن فعل يجسد ثورة صراعك، ويمنحك مسكنك حرا، بعيدا عن كل سلطة أو سيادة فكان أرقى فعل, فكان شعرا !
تنكمش عضلاتك ،و تشعر بانقباض لا يحتمل ، فتستلقي على قفاك تطلب قليلا من طمأنينة نفسك :
تزيغ عيناك ٠٠تهيمان في تعرجات شقوق سقف بيتك ٠٠ شقوقا تراها نذوب الأيام ، و جروح الزمن في أعماقك ٠تثقل عليك نفسك ، فتعجز عن حملها ٠٠ تعجز عن تحملها متعبة كسيرة الجناح ٠
فمن تكون يا سيدي ، من أنت ؟
كم قسمتك من هذا العالم الأغبر ؟
كم نصيبك من هذا العالم الذي يهتز لهز الأرداف ولا يحترم الفلسفة ؟
ارحم نفسك يا سيدي !
فقوانين الأرض هم شرعوها ، و أنماط العيش هم فصلوها على مقاساتهم ،وحتى لا تسألهم أو تسائلهم -يوما -عاثوا في التاريخ فسادا وتزويرا !
– فهل اهتموا لأمر صخرة ، تأكل من لحم كتفيك ،منذ أبد هم الشعر ؟
-هل دغدغ صراخك يوما منهم الطوايا والسرائر؟
– أنا أفكر ٠٠ أنا عاقل٠٠ ما أنا مجنون يا عالم !
-ما سمعوك يوما يا سيدي !
-وخير لهم أن لا يسمعوك ؟
فما أنت إلا كائن مخصي, مقصي في جغرافية الكون، يمارس عليك عنف الروح والجسد، في كل زمان ضمر فيه ضمير الإنسان، وماتت فيه الإنسانية !
تعمدوا ألا يسمعوك يا سيدي!
ولما أقلقت راحتهم بصراخك، سنوا قوانينهم الجائرة لإقصائك من ممارسة وجود ك كباقي الخلق:
وإذا كنت لا تذكر ، سأذكرك :
ذات صباح باريسي أسود، زجوا بك في (المعتقل الكبير) مع كل المأزومين والمقهورين والمضطهدين : من مجانين و حمقى و متسكعين وسكارى باسم الجنون !
فحاربوك ،حاربوكم جميعا بقوة القهر٠٠ قوة تنفد فيكم أحكاما جائرة، خارج قاعات العدالة :
– حجروا عليكم : أنتم مرضى الجنون ٠٠٠ مرضى الجذام ، مرضى الإبداع ، وأنت- في نظرهم -من طينة مرضى الجذام ٠٠ وهم من طينتك يخافون العدوى!
شمعتك كئيبة يا سيدي ! دوما نائحة باكية شاحبة ،يعز عليك احتراق فتيلها، مسجونة في مصباح كئيب متعفن كبير ، بمسمار فولاذي مشنوق – منذ الأزل -على دعامات أشعار ك !
نورها ساطع في أعماق كائنات تعشق نورك : تحسب أليافه ذهبا ، وأنت تمدها بالحكمة ، تستمدها من فوضى البشر في عالم تحكمه الفوضى ، وتتصيدها من مصائب و مصائر غيرك ٠
تنصت إلى دواخلك ،تستمع لتكتكات قلبك :
فتختلط عليك أمور الحياة بكل تناقضاتها ٠٠ فتنتابك نوبة هذيان إبداعية ، ترعش رعشة مذبوح ٠٠ تشطح شطحة صوفية فتسد أذنيك ، تغمض عينيك ، وتفتح مسام ذاكرتك :
فتمارس لعبة الامتصاص : تغرف من ترسبات ماض حافل، يأتيك بفيض معرفة ، موشومة بحكم التاريخ وتجارب السلف :
و قتها تسري فيك حكمة العصور٠٠٠ يسري فيك جنون العصور ، و ما أنت إلا وارث حكمة وجنون ، هكذا نعتك حكيم زرادشت يا سيدي!
من صحراء العرب ، تأتيك ريح العزة بهمهمات الأبجر تستنهض همتك ، لتفك أسر أسرى العرب في معتقلات التسلط :
– يا هذا العبد / الحر ،الغريب في أرضه بين أهله وذ ويه : صل ٠٠٠ جل ٠٠٠ كر٠٠٠كر !
و من الآن فأنت، حر وحر وحر !
فأنت مجنون حرية ،مفطور على عشق القريض:
وقريضك أسلاك شائكة – في كل سطر – تسحبها دامية من صدور طغاة شرعوا في حقك الإقصاء ، ليدفعوك دفعا لتمارس تغريبة الروح وغربة الذات !
تغمض عينيك ،وتدس أنفك في منامة بنت مالك ، تبحث عن بعض من روائح العرب والعروبة٠٠ لكنك تنتشي بعطر بلا رائحة، فيراودك شعور بنخوة عرب من أجلها ماتوا ، وعرب باعوها بالقليل ، فضاعوا :
فتحل عقدة من لسانك ٠
وتسرح بنات أفكارك٠
وتحرر روائع قوافيك٠
وأنت تبحث عن معان في قواميس المعاني لحروف شعر يسكنك:
– شين : شين شرفي/ شهامتي /شهادتي !
– عين : عين عروبتي/ عزتي المفقودة !
– راء : راء ثرائي / ثروتي / ثورتي !
(ش ع ر) : حروف رعشة مقلوبة ٠٠سراب يروي كل ظمآن ٠٠ خمر الحناجر والأوتار٠٠ نغمة تجتاح كل الأمصار ٠
حمولة أشعاري : حلمي / إعصاري !
ثورة بركاني،تجتاح مدى كل حالم بحب إنساني ، تدمركل أبواق حروب الكراسي المهترئة !
وتسري فيك نشوة ( جنين القصيدة ) يركل في أحشاء ذاكرتك ٠
نشوة مخمور بلا خمره ، لذة طروب لطرب بلا أوتار وبلا دفوف ٠
لكن صوت يعكر صفوك , فيك يغتال اللذة، فيك يخنق النشوة ، يأتيك مموسقا قادما من جمهورية أفلاطون ، فيه عتب وعتاب:
– يا رجل ، حصانك جامح مجنح :
أنت عصي ،قصي عن العقل ٠٠ ليس فيك حبة من حكمة ! ارحل من مدينتي٠٠ ارحل من مدينتي !
ارحل ٠٠ارحل ٠٠ ارحل ٠٠ لا نريدك بيننا !
أريد مدينتي حقيقية لا خيالا، أريدها بلا غواية، فلا أنت منا ولا نحن منك ٠
فأنت كائن مجنون ، لغتك مجنحة تخالف لغتنا :
– تفسد الرؤية والروية و تعمي البصر والبصيرة !
حينها تجرد سيف لسانك ، تدفع عنك تهمة كل العصور : فتركب حروفك ٠٠تزن كلامك ، وتترافع !
-جنوني حكمة : حكمتي خميرة تمتزج فيها كل الخمائر!
-جنوني حكمة : حكمتي مشكاتي ، عندما تعمى الأبصار
و تتعتم البصائر٠
جنوني حكمة : حكمتي حكمة حكيم الحكماء :
– لما رأيت الجهل في الناس فاشيا / تجاهلت حتى قيل إني جاهل !
ويبحثون لك عن أسباب تقصيك من وجودك:
-لكنك يا رجل ! تتنكر ليديك ٠٠ تتنكر لجسدك ٠٠ دوما مصاب بكآبة صفراوية٠٠تفلسف البديهيات ٠٠حربائي النظرة ،ترى ما لا يراه باقي الخلق على كوكبنا ، فأنت أبد الدهر :
حاضر/ غائب !
صاح /سكران!
نائم / يقظان !
فتخوض غمار معركة التحدي وإتباث ذاتك :
تركب مطية (مجاز اللغة) ٠٠٠ تمتطي صهوة (لغة المجاز) تتخلص من كل وصاية ، وتحمل سجنك كبيرا ، بكل أثقاله وتناقضاته فوق ظهر قملة واهنة ٠
تلملم شظايا حلمك ، تجمع رموزك مبعثرة في فضاء اللغة، تنتقي حروفا ،تراها باهتة في بطون القواميس والمعاجم وتخمرها في تجويف قلب ذاكرتك :
يوما٠٠شهرا٠٠ سنة ٠٠ ربما سنوات طوال . مع مر الزمن ،تفيض خميرتك، فتسيل ريقا و تلمع بريقا ، ومن عدم تكون ٠
فتجتاح المدى ،اجتياح موج بحر هادر،لكنها -يا سيدي – تفتح عليك كل أبواب جهنم :
-لك ينصبون أعواد المشانق !
-نحوك يصوبون فوهات البنادق!
و لجسدك يشعلون المحارق !
وإن نجوت بقدرة قادر ، تلفظك مدينة عقلاء، تراهم بلا عقول٠٠ تنسحب وفي حلقك غصة منبوذ ٠٠مطرود .. فتخفف عنك وطأة الإهانة :
– لا تحزن يا أنا ! هذه مدينة غريبة عني ،لا أنا منها ، ولا هي مني !
فتركب راء قريضك ، و تبحر مستغورا مغارات الشعر السحرية إبحار السندباد باحثا عن معنى لوجودك :
تتلمظ رضاب معشوقة ، من رحم ذاكرتك قادمة ، معشوقة لم تولد بعد ، وأنت مسلوب الإرادة :
بقوة رمز خفية !
بطلعة حرف بهية !
في شطحة إبداع حلاجيه ٠
فتزف للكون نهاية مخاض و موعد ولادة :
-باقة من حروف رائعة ، قادمة من فراغ روحك الهائمة في متاهات البحث عن حقيقة مفقودة في مزهرية الحقيقة : حقيقة شمس -قهرا-حجبوها بعيون الغربال !
فهلا أدركت معاني حكمة نتشه يا سيدي ؟:
– ( الإيمان بالحقيقة هو الجنون بعينه )
هذه صورتك تعكسها مرآتي :
فأنت ملك الملوك ٠٠ أنت أفقر الفقراء ٠٠ تتوشح بالذهب والملابس القزحية ، وأنت أعرف الناس أنك أكثر عراة التاريخ عريا وقهرا ٠
تنسلخ من جلدك ، من واقعك :
واقعا تراه ثقيلا ٠٠آسنا ٠٠ ماؤه عكر: كثيرة عليه دمعة اليتيم إذا بكى ، و أنة الضرير إذا تألم , و آهة المكلوم إذا تأوه ،وزفرة الثكلى إذا اعتصرها وجع الوجع !
وتطل من برج خيالك، فترى كل هذا العالم بحاله وأحواله…خفيفا ٠٠خفيفا …خفيفا، أخف من جناح البعوض، واه٠٠واه٠٠ واه , أوهى من بيت العنكبوت ٠ضعيفا ٠٠ضعيفا ..ضعيفا أضعف من قشة في مهب الريح!
تلك حقيقتك -يا سيدي – تستمدها من هذيانك، حقيقة نابعة من تمزق يصيبك، وأنت ضائع في أغوار لغة الهذيان و أحلام اليقظة!
وأنت كالنحلة تمتص من رحيق رائع الروائع زادك :
تطل عليك عشتا رمن وراء سطور قصيد المسلول ، ترميك بسهم مقتل ، فتستفز منك الذوق والذائقة ،فتجن وتهيم مع مبدع سومر:
عيناك غابتا نخيل وقت السحر !
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر!
وتلتهب قريحتك ، تتأجج فيك شعلة من شعر، تلفح رأس قلمك المذهون بدم القلب والروح ٠
و تطرد كلماتك ظلام كهف أناره بروميثيوس قبلك ، بنور معرفة ، ونسور زايوس تنهش كبده المتجدد :
وكبدك ليس بمنأى عن النهش , عندما يتوهج فيك فيض من ثورة، يبحث عن ثقوب للإفلات من ظلام الذاكرة .
وتخترق متاهات الشعراء ، و تعبر سراديب أرشيفات وجودهم ، باحثا عن سر وجودك ، عن سر حقيقة عالم اعتبرك- منذ الأزل -مجنونا !
فتتصدى في كل سطر في كلمة من أشعارك :
لكل الطغاة ٠٠لكل المعتوهين ٠٠ لكل السفاحين ٠٠ لكل أورام التاريخ الخبيثة :
-من مقتل هابل٠٠ إلى مبردات بوكاسا !
-من محرقة روما ٠٠ إلى مذابح الشعوب العربية !
وأنت تعرف أنك لن تكون (المشنوق /المقتول ) العاشر لصدى القصيدة !
-فما أتعسك بحملك يا سيدي!
-همك ثقيل ٠٠٠ثقيل!
عناؤك طويل ٠٠طويل!
في لحظة توهج إبداعي – ، تنقر ربة الشعر – على أبواب ذاكرتك -نقرا ناعما ، نعومة النسيم، باردا برودة الموت ، رائعا روعة حفيف قوافيك ، خفيفة تربت على رؤوس أشجارالدفلى، تحف واديك ٠
و تروح في غيبوبة الشعر،لا تذكر شيئا ، كل ما تذكره :
موكبا من جميل العرائس تحتفي بك ٠٠تتوجك ملكا بلا مملكة ٠٠ ملكا بلا تيجان ٠٠ ملكا بلا قصور٠٠ملكا بلا جيوش ٠٠ ناسكا بلا صومعة ٠٠ متعبدا بلا سمعة ٠
في طليعة موكب عرائسك ، شيطان يرفل في دمقس اللغة ، و يختال في حرير حروف القصيدة ٠
يضع يدك في يد ربة الشعر ، ويزفك إليها عريسا مباركا ، ملكا في مملكة الشعر ٠
فهنيئا : ستمارس الغواية ،سيتبعك الغاوون، وفي كل واد ستهيم و سيهيمون ٠
– الآن، لك عروس ٠٠ لك مسكن حر..لك البجا سوس مطية بلا سرج ولا لجام !
أبحر في حلمك ٠٠اهرب من الناس جميعا ٠٠لن يفهموك ٠٠ لن يدركوا غمغمة كلامك ، فسر لغتك في صمت صمتها ٠ (فلغتك جنون عذب ،وبها ترقص فوق جميع الأشياء) !
هكذا نعتها ونعتك نتشه ، يا سيدي !
وتبصم لك كل العرائس بالعشرة :
-من الآن ،سكنك شعر٠٠مأواك قصيدة !
فتركب مركب الخليل، تحمل مجذافه ، وتبحر في أمواج بحوره ،تجوبها قافية وعروضا ،طولا وعرضا !
تجذف٠٠تجذف ٠٠٠تجذف ٠
تنتشي بإيقاع الشعر ،يهدهدك طفلا صغيرا في مهده :
فتشكو ليلك ثقيلا -كما شكوه قبلك – ذات أرق طويل :
وليل كموج البحر أرخى سدوله \\\\\\\علي بأنواع الهموم ليبتليني!
وفيه تصرخ صراخهم -ذات كرب وشدة :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي \\\\\\\ بصبح وما الإصباح منك بأمثل !
وتهمس عروسك في أذنيك :
– اهرب ٠٠ اهرب قبل أن يهدر دمك ، بين اللحى والعمائم والبدلات المكوية والأحذية البراقة ، باسم النظام العام ، فتدوسك حوافر الصراع -ذات صراع- و توقد فتيل زيت لأكوام قصائدك :
فهذا عالم يباب :
ضباب في ضباب!
سراب في سراب !
و من رحيق الذاكرة ترشف رشفة، تتهيب عواقب الأمور، تحسب لها ألف حساب وتتساءل:
-وماذا بعد القصيدة ،يا ملهمتي ؟
-بعد القصيدة : أنت في صراع الوجود مبدع إبداع ، ذات مجنونة لغتك : صامتة ،بكماء ، تدركها سلامة ذوق وذائقة ٠
و تلح في السؤال :
-وماذا بعد القصيدة، يا ربة الشعر ؟
وتشفق عليك من مصير مجهول, ربما ينتظرك كغيرك من الشعراء:
– احرص على رقبتك ٠احرص على جسدك !
تتحجر الكلمات بين شفتيك، لكنك تصرخ فيها:
-رقبتي ؟ جسدي ؟
والله لقد أيقظت أعشاش الدبور في نفسي المتعبة يا ربة الشعر!
-رقبتك يا مجنون:ستتلمسها صوارم السفاحين ، ستطوقها حبال المشانق ، و إن أفلتت ، سيخترقها رصاص البنادق !
-وجسدي ؟
– جسدك ؟ منذ الأزل مباح للسحق .مباح للحرق !
عبر التاريخ، قاتلك سطر من قصيدة يا سيدي ٠
أبو الطيب سحقه بيته :
الليل والخيل والبيداء تعرفني / و السيف والرمح والقرطاس والقلم !
وحالك من حال أبي الطيب ٠
فأنت والعشرات من طينتك يكتوون بنار القصيدة ، فتعلق رقابهم بالمشانق ،لأنهم يعكسون بشاعة وجوه بشعة على مرآتهم ،و يعرون عورات تخدع التاريخ، بأمجاد وهمية !
لكن لا خوف عليك يا سيدي :
ستخلد في سطور القصيدة ٠٠ ستسكن في متاهات الشعر ،حتى لو وسموا برأسك صدور الجلادين ، حتى لو صلبوك أو علقوك على أبواب المدائن ٠
ينتابك ذعر شديد ، ويركل قلبك يمين أضلاعك ٠
تمسح عرقا باردا يجتاحك ، و ترتاب في أمر الشعر و تفقد البوصلة في عرض بحور الخليل ،فتصرخ :
– أ أدفع نفسي بنفسي لحبال المشانق ورصاص البنادق ؟
وترفعك ربة الشعر درجات :
– اعلم يا سيدي ! أن شعرك رعد ،يقعقع في قلوب الجبناء ،و برق ،يلمع في نفس كل باحث عن حقيقة ضائعة ، في عالم أصلا حقيقته ضائعة !
وقتها ينغرز راء شعرك كالخنجر في أعماقك ، فتتحدى مقصلة قمع تتربص بك ، وتغرد تغريده أدونيسية :
جره ، يا شرطي ٠٠
-سيدي أعرف أن المقصلة
بانتظاري ٠
غير أني شاعر أعبد ناري .
وأحب الجلجلة .
و تنتشلك براثن واقع عفن ، من نشوة هذيانك الإبداعي٠٠ فتتأفف ، تصرخ ملء الروح والجوارح :
– أف مني ، أف من الشعر ، أف من الشعراء !
هاهي قطرات المطر ، تتسرب بغزارة ،من شقوق سقف بيتي ٠٠ تتكاثر٠٠ تتحول سيلا جارفا ، يغمر كل الزوايا ٠يبحث عن منفذ للخروج ، يجرف أمامه كل متاع دنياي٠
حينها تتحول لذة الشعر في حلقك مرارة ٠٠ و تخذلك كل العرائس ، ينهد فوق رأسك سقف واقع مثخن بجراح ، تأبى أن تندمل يردد صدى المدى البعيد آهاتك :
آه، ضاع المتاع،خبا الإبداع!
آه، سقط القناع ، شذ الإيقاع !
ربة الشعر كذبة ٠ وادي عبقر كذبة ٠ أرطأة بن سهيه كذبة ٠٠
كذب ٠٠ كذب ٠٠٠ هراء ٠٠ هراء !
وفي لجج بحور الخليل ،يتهاوى مركبك ،يتشظى مجدافك ٠٠تتكسر قوافيك ٠٠ و يشذ إيقاعك عن إيقاع الشعر ٠
وبين مرارة الحقيقة ، و جموح الخيال : تتيه ، فتخبو فيك جذوة الإبداع ٠ و في أعماقك تختنق القصيدة !

اترك رد