مترفون متنعمون وفقراء بلا عون
بقلم – الكاتب اسعد عبد الله عبد علي:
مازلت في مخيلتي صورت ذلك العجوز الفقير, وهو جالس على الأرض في علوة جميلة, وهو يلملم بقايا الثمر الفاسد المرمية في نفايات المتجمعة خلف البسطيات, يتفحصها ومن يجدها ويمكن أكله, يدسها في كيسه, كي يعود لعائلته بما يسد جوعهم, إن كل العالم بخل عليه! إلا نفايات علوة جميلة وفرت له ما يحتاج.
الطبقية اليوم بأوج حضورها في مجتمعنا, بفعل النظام الفاقد للرؤية, فأنتج لنا فئة متخمة وبطانة منعمة, تصل إلى كل ما تريد, حيث تم تسخير خزائن الوطن لها فقط, كي تعيش عيشة الملوك, فالسلطة التشريعية كانت في عونهم , حيث ساعدتهم في قضم أموال البلد, وشرعت لهم رواتب خيالية وتخصيصات غريبة ومنح وهبات, وعطايا لا تنتهي فقط لأنهم السادة المسئولون, يأخذون فقط ولا يقدمون أي جهد حقيقي, مما أدخل البلد والمجتمع في محن وأزمات لا تنتهي.
بالمقابل هنالك فئة كبيرة تعيش تحت خط الفقر, قد أهملتها السلطتين التشريعية والتنفيذية, أنها طبقة بالكاد تحصل على قوت يومها, بل هي تستجدي لتعيش, وتسكن في عشوائيات لا تناسب عيش الإنسان, الإمراض متفشية ولا يجدون ثمن العلاج, لكنهم يعيشون تحت مضلة النسيان التام.
التقيت ببعض المواطنين للتعرف على أرائهم:
- سأضطر لأخرج ابني من المدرسة للعمل
مازلت أتذكر كلمات رجل أتعبه الزمن وهو يشكي حال الزمن, فيقول أبو علي (من أهالي الحميدية): أنها أصعب سنين حياتي التي أعيشها ألان, لم أتصور في يوم إن أصل إلى هذا الحد من الحاجة, فحاجات عائلتي تتزايد, وانأ مجرد عامل بناء, وساكن بالإيجار, ولي ثلاث أطفال في المدارس, كم اكره أهل الخضراء الذين سرقوا أموالنا, ويعيشون برواتب خرافية, ونحن مازلنا نعيش تحت خط الفقر, أفكر إن اخرج ابني الكبير من المدرسة. مع انه متفوق وهو ألان في الأول المتوسط, واجعله يعمل معي كي يساعدني, نعم سيضيع مستقبل ابني, لكن لا حل إمامي وسط الضغوط التي أعيشها يوميا.
- الخضروات هي طوق نجاتي
إما أم وليد ( امرأة مسنة تبيع الخضراوات في سوق حي النصر ) فتقول: منذ إن توفي زوجي اثر حادث سير وعائلتي في رقبتي, إنا مسئولة عن توفير كل احتياجاتها, ولي أربع بنات وولدين, وسعيت طوال السنوات الأربعة الأخيرة في تكريس كل حياتي للحفاظ على كرامة عائلتي من ذل السؤال, أحس بمرارة من بلدي وهو يبخل علي بكل شيء مع إن العراق يصنف من اغني البلدان المنطقة, لكن ها إنا أبيع الخضرة في سوق وفي نهاية اليوم اشتري من السلع أردئها كي احصل عليها بنصف السعر, هكذا هي حياتنا.
- لا رحمة في هذا البلد
إما المواطن يونس العامري( رجل معاق ) فكانت له إضافة مهمة حيث قال: بكل بساطة يمكن القول إن لا رحمة في البلد, لقد غابت الرحمة تماما عن حياتنا, أنها مجرد غابة القوي يأكل الضعيف, إنا لولا بسطية “الجكاير” التي هي كل ما املك لما استطعت إن استمر بالعيش, فهي توفر لي مصروفي اليومي, فمع الإعاقة التي حصلت لي قبل سنوات أصبحت فرص العمل لي محدودة جدا, وحاجات عائلتي في تزايد, فمن حاجات البيت ومتطلبات المدارس والعلاج لامي المريضة, كل هذا ببركة هذه البسطية يتم سدادها, نعم أحس بحنق شديد على الأغنياء والطبقة البرجوازية والساسة, وهم يعيشون عيشة الملوك, ويتنعمون بأموال البلاد وحدهم, مع أننا كلنا شركاء في الوطن, لكن تحول ثروات الوطن لهم وحدهم.
- سلوك الدولة هي الدافع للجريمة
يقول المواطن ماجد البهادلي( من سكنة مدينة الصدر): لا احد يهتم بالفقير, فمؤسسات الدولة بعيدة عن الفقراء تماما فهي غارقة في توفير كل شي للسادة المسئولين وبطانتهم, اقرأ عن مليارات تصرف في أبواب الايفادات, وهي باب للسياحة والتكسب غير المشروع لكرويات خاصة, تخيل معي لو يتم تحويل تخصيص الايفادات السنوي وهو رقم فلكي, إن يحول كقروض ميسرة للفقراء لفتح مشاريع صغيرة, أو إن يحول مبلغ الايفادات لفتح معامل صناعية لتشغيل العاطلين عن العمل,اعتقد إن سلوك الدولة هو الدافع الأول للجريمة, مشاكلنا كلها بسبب غياب التخطيط, وعدم وجود رؤية للنهوض بالطبقة الفقيرة, ووجود طبقة سياسية نتنة لا تخاف الله.
- العامل الاقتصادي هو المؤثر الأكبر
يقول حسين حسن ( موظف في شركة أهلية):إنا من سكنه حي الكفاءات وهو حي لمحدودي الدخل والفقراء, أشاهد كم الطبقية تشعرنا بالخوف والحقد معا, العراق اليوم يعيش أسوء تقسيم طبقي, بفعل تشريعات الظالمة وفساد الطبقة السياسية صنعت طبقة برجوازية متخمة, وفئات واسعة من الشعب لا تجد قوت يومها أو تعيش بعسر لا ينتهي, أنها مأساة حقيقية تبرز بشكل حقيقي مشاكل اجتماعية, فالعامل الاقتصادي يؤثر سلبا في كل مجالات الحياة, ماذا تفعل العوائل الفقيرة التي لا تجد لها أي طريقا للعيش, بعضها ينجر للجريمة, وبعضها يجد نفسه يستجدي, وهكذا تتعدد المشاكل لتخلق مجتمع مشوه, إما المتخمين ففي عالم أخر, حيث يتنعمون بكل شيء, فلا رقابة ولا حساب لمن يسرق أموال الدولة فالحصانة فقط للأغنياء.
- لا نتأمل الكثير من الطبقة الحاكمة
المواطن سعد جمعة ( عامل بناء) يقول: أنا اسكن في بيوت التجاوز في ما كان يسمى بدائرة البحث العلمي بجوار حي النصر, كانت هي طوق النجاة لي ولعائلتي من الضياع, فالضغوطات المادية كبيرة جدا على حياتي, لم احصل على أي راتب حكومي , حتى الإعانة الشهرية لم أوفق لها, بسبب روتين المعاملات ونقص مستمسكات, اقرأ واسمع عن رواتب الساسة التي تصل إلى عشرة مليون دينار بالشهر, وأشاهد الكثير ممن أمثالي ممن يحلمون بخمسة ألاف دينار فقط في اليوم! فأتحسس كم حياتنا ظالمة, طبقية أساس الظلم وقد أسسها الساسة, ويعملون على إدامتها, لأنها تحقق أهدافهم. اليوم لا نتأمل الكثير من الطبقة الحاكمة لأنها ستستمر برفع مستواها المعيشي وعدم النظر للأسفل, فالمسحوقين وجدوا كي يكون عبيدا للسلطة, كل أملي إن أجد رزق عيالي من كد يدي فقط.
- تم سن القوانين لمصلحة فئة الأغنياء
ويضيف المواطن منتظر علي فيقول: الساسة استغلوا سيطرتهم على التشريع ليسنوا قوانين تجعل من البلد كالبقرة الحلوب لهم, فهي تعطيهم كل ما تتمنى أنفسهم,مما جعلهم يعيشون عيشة الملوك, من دون أي جهد مقابل, نقرا في الصحف عن فلل في أوربا يتم شرائها من قبل أولاد الساسة, وبذخ غريب لحفلات ماجنة في ارقي أماكن المعمورة لعراقيين ينتسبون لشخوص الساحة, مليارات تصرف من دون وجع قلب, فثروات البلد من دون حراسة, بالمقابل يعيش فئة كبيرة من العراقيين تحت خط الفقر, البعض يبيت ولا يجد العشاء, وآخرون لا يجدون ثمن العلاج فقط الموت بانتظارهم, أنها صور الظلم الموجه للفقير, ننتظر أن يأتي الأخيار ليصلحوا حال البلد السيء.
- العدل حلم خيالي
وتضيف المواطنة انتصار الراوي ( موظفة حكومية) : الدولة العادلة حلم خيالي, قد يصعب تحققه على ارض الواقع, لكن قضية القوانين التي تحفظ حقوق الناس من أساسيات العصر الحديث, حيث عمدت اغلب بلدان العالم على تشريع قوانين تحل مشاكل المجتمع وتنهض بالطبقة الفقيرة, فأوجدت نظام حماية العائلة, وحلت مشكلة علاج الفقراء, ووضعت أسس للتوظيف, وسهلت قضية القروض, وحلت مشكلة السكن, لكن في بلدنا لم يقم الساسة بأي فعل حقيقي اتجاه الأغلبية المسحوقة, بل تمادوا في صراعاتهم حول مال الدولة! مما جعل البلاد على فوهة بركان , وكما يقول احد الأدباء الهزائم يصنعها الكبار, والموت من حصة للصغار, نحتاج لحراك شعبي كبير للمطالبة بحقوقنا المسلوبة كي تشرق شمس الأمل.
- نحتاج لإعادة التوازن لحياتنا
إما رنين خالد ( بكالوريوس علوم مالية) فتقول: الفرق الطبقي اليوم كبير جدا, وغير مسبوق في تاريخ العراق, كأن البعض يعيشون في قصور إلف ليلة وليلة! ويتنعمون بكل ما يمكن إن تتخيله, يشترون عقارات في اغني البلدان الأوربية بل حتى في واشنطن, وعندما يلعب نادي برشلونة أو يوفانتس فانه يطير ليشاهد المباراة, ويقضي ليلة رأس السنة في باريس, وهكذا يعيشون ببذخ غريب, إما الفقراء في العراق فبضعهم يجد ما يسد حاجته في علب النفايات, ومخلفات الأسواق إن وجد ثمرة مرمية حمد الله وأسرع بوضعها في كيسيه اليومي للتسوق من النفايات, الحقيقة نحتاج من البرلمان القادم إلى إعادة التوازن لحياتنا, عبر تشريع قوانين تنسف الطبقية, وتعيد الحقوق لأهلها.
- الحلول :
عندما نريد إن نتحدث عن حلول ممكنة, وتغير الواقع بشكل واضح فالأفكار كثيرة, لكن كي نبتعد عن الأحلام الواسعة, وضعنا عدد بسيط من النقاط التي من الممكن للدولة أن تنفذها حالا وتتمثل بالاتي:
1: الغاء القوانين التي خلقت طبقة مترفة, عبر سن تشريعات تلغي الرواتب الخرافية, فأقمت العدل عبر جعل الرواتب متساوية في كل الوزارات حتى البرلماني يكون راتبه حسب سلم الرواتب, من دون المخصصات الظالمة.
2: معالجة أزمة السكن ,عبر برنامج حكومي حقيقي بعيد عن مدن الأوهام, بالاضافة لتوزيع قطعة ارض لكل عائلة حسب بطاقات الحصة التموينية.
3: توفير فرص عمل للفقراء, عبر فتح باب الاستثمار على مصراعيه للشركات العربية والأجنبية بشرط تشغيل العراقيين.
4: زيادة رواتب الرعاية الاجتماعية, بحيث يكون الراتب مناسب للعائلة وليس مجرد فتات كما هو الحال ألان.
5: تشكيل هيئة تتابع حال الفقراء شهريا وتساعدهم في حل مشاكلهم.
6: المتابعة القضائية لكل الأغنياء والطبقة المترفة, الذين سرقوا المال العراقي, كي يحس المواطن بان هنالك عدل في العراق, ويرتفع الشعور بالانتماء للوطن, وكي تعود الحقوق.
7: توفير بطاقات صحية للفقراء توفر لهم العلاج والدواء المجاني.