مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ماذا بعد الوجع؟!! 

بقلم – يارا زرزور:

استيقظت قرية السنابسة على فاجعة لم تحتملها القلوب ولا العيون. لم يكن يومًا عاديًا، بل كان يومًا أسودًا محفورًا في الذاكرة، حيث اختلطت الدماء بتراب الطريق الإقليمي، وتحولت الأحلام البسيطة إلى أسماء على نعوشٍ ملفوفة بالكفن الأبيض.

 

ثمانية عشر زهرة من بنات القرية، خرجن في ساعات الفجر الأولى، لا لفسحةٍ أو نزهة، بل إلى العمل في حصاد العنب، يحملن على أكتافهن ما تبقّى من الأمل، ويقتسمن يومية لا تتجاوز ١٣٠ جنيهًا، بعضهن كانت تستعد لزفافها، وأخرى كانت تدخر لتكمل تعليمها، وثالثة هي المعيلة الوحيدة لأهلها.

 

وما يزيد الوجع مرارة، أن ذلك كان يوم الجمعة، يوم الراحة الأسبوعية، لكن من يعرف الفقر يعرف أن العطلات ليست للجميع، خرجن في صمت، لا يحملن سوى رغبة في الحياة، لكن الطريق الإقليمي كان أسرع منهن في الخطف والخذلان.

 

حادث تصادم مروّع، بين سيارة تقلّ الفتيات وعربة نقل ثقيل تسير كعادتها بلا رادع، بلا رقابة، بلا رحمة، لحظة واحدة أنهت حياة ١٨ فتاة، لحظة بدّلت الأفراح مآتم، والضحك صمتًا خانقًا، والبيوت إلى مقابر مفتوحة.

 

مشاهد لا توصف أوجعت قلوبنا جميعا، بين أمّ تبكي وهي تُحضّر ثوب الزفاف لابنتها ليلف جسدها لا ليُزفّها، وأم تصرخ وتناشد الناس:

“محدش يصوّت على بنتي… عشان بتخاف!”

تتوسل في لحظة إنكار، كأنها تحاول أن تحميها ولو متوفاة، بنفس الحنية اللي كانت تحتويها بها وهي على قيد الحياة.

وفي ركن آخر من العزاء، جاء الخبر الذي زاد الجرح عمقًا:

إحدى الفتيات اللاتي فارقن الحياة، ظهرت نتيجتها بعد الحادث بيوم، وكانت من أوائل الشهادة الإعدادية، نجحت… لكنها لم تكن هناك لتفرح، لم تُرفع رأسها بين زميلاتها، ولم يُعلَّق لها الشريط الأحمر على باب بيتها، وبين أبٌ كان يتباهى بابنته المجتهدة، يبحث عنها بين الجثث، وطفلة تنتظر أختها الكبرى التي كانت تحمل لها الحلوى، ولن تعود.

 

فماذا بعد هذا الوجع؟

 

الطريق الإقليمي ليس جديدًا على الموت، بل هو مسرح دائم للحوادث، شاهد على الأرواح التي تزهق دون حساب، والشاحنات الثقيلة تسير عليه وكأنها تملك الأرض ومن عليها، بلا قانون رادع، بلا فصل مسارات، بلا أي اعتبار لحق الإنسان في النجاة.

 

نحن لا نطلب معجزة.

نطالب فقط بأبسط حقوق الحياة:

قد يهمك ايضاً:

الرد على المقال الملفق: هل حصر الإسلام في آل البيت؟

أحمد سلام يكتب أيها الواقف أمام حائط البراق

أن يتم تحديد مسارات منفصلة للنقل الثقيل،

أن يُمنع مروره في الأوقات الحرجة،

أن توضع رقابة صارمة على السرعة والسائقين،

أن نكفّ عن التعامل مع هذه الحوادث كـ”أخبار عابرة”.

 

هذه ليست مجرد حادثة..هذه ١٨ حياة ضاعت في لحظة، وهذه قرية كاملة فقدت أبناءها في مشهد لا يُحتمل.

 

إلى المسؤولين:

اذهبوا بأنفسكم إلى الطريق الإقليمي ليلًا، لا كزائرين، بل كركّاب.

عيشوا لحظة واحدة مما يعيشه أهالي القرى كل يوم.

وشاهدوا كيف يُقتل الفقراء مرتين: مرة بالاحتياج… ومرة بالإهمال.

 

وإلى بنات السنابسة…

سلامًا على أرواحكنّ الطاهرة.

سامحونا لأن الطريق الذي سرتن فيه طلب منكن الثمن أغلى مما تملكن.

 

ومع كل هذا الحزن، يظل السؤال معلقًا في صدورنا وصدور الأمهات:

ماذا بعد الوجع؟