مائدة الرحمن..لماذا سميت بهذا الإسم وكيف بدأت ومن صاحب الفكرة؟
مائدة الرحمن هو اسم يطلق على مائدة إفطار تقام في أيام الصيام لدى المسلمين، سواءً في شهر رمضان أو في يوم عرفة، وهناك من يتبرع للقيام بها في أوقات أخرى, ويعتقد البعض أنها خاصة بالفقراء والمساكين فقط، ولكن قد يستخدمها من لا يسعفه الطريق في الوصول إلى بيته بسبب العمل أو ما شابه, انتشرت في الآونة الأخيرة في مصر والدول العربية، يرى البعض أن أصحابها يقومون بعمل مثل هذه الموائد للدعاية والرياء، ولكن هناك من يقومون بها سراً، دون كشف هويتهم تحفظا من الرياء.
من هو صاحب فكرة مائدة الرحمن؟
قيل أن أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية هو صاحب فكرة إقامة موائد الرحمن في رمضان في مصر، حيث أعد وليمة كبرى للتجار والأعيان في أول أيام الشهر المبارك، وأمرهم بفتح منازلهم ومد موائدهم لإطعام الفقراء، كما أمر أن يعلق هذا القرار في كل مكان، وكانت هذه الوليمة بداية فكرة موائد الرحمن.
ولكن يرجح البعض إلى أن فكرة موائد الرحمن ترجع إلى الولائم التي كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في عهد الفاطميين وكان يطلق عليها” سماط الخليفة”، وموائد الرحمن، وكان القائمون على قصر الخليفة الفاطمي يوفرون مخزوناً كبيراً من السكر والدقيق لصناعة حلوى رمضان مثل الكنافة والقطايف وغيرها.
و كانت دار الفطرة مهمتها إعداد الكعك وما شابه لتوزيعه في رمضان والعيد، وتعد بالقناطير لتوزع على جموع المصريين في القاهرة، كما كان يحرص الخليفة على إقامة مائدة إفطار رمضان تسمى سماط، بحضور رؤساء الدواوين والحاكم والوزراء وكانت القاهرة في ذلك الوقت مدينة خاصة للخليفة وخاصته وفرق الجيش المختلفة.
وكانت السماط التي كان يحضرها الخليفة الفاطمي بنفسه كانت متعددة يعقد في قاعة الذهب بالقصر الشرقي الكبير في ليالي رمضان، وفي العيدين والمولد النبوي وخمسة موالد، وهي مولد سيدنا الحسين والسيدة فاطمة والإمام علي والحسن والإمام الحاضر، بالإضافة إلى “سماط الحزن” في يوم عاشوراء.
و إذا جاء اليوم الرابع من شهر رمضان يقام السماط كل ليلة بقاعة الذهب إلى السادس والعشرين منه ويستدعي له قاضي القضاة توقيراً له، ويحضر الوزير فيجلس في صدر السماط فإن تأخر كان ولده أو أخوه وإن لم يحضر أحد من قبله كان صاحب الباب.
وينقل عن المؤرخ المقريزي عن سماط رمضان بقاعة الذهب، “حيث تقرر أن يتم عمل 40 صينية حلوى وكعك ويعمل خمسمئة رطل حلوى يتم توزيعها على المتصدرين والقرّاء والفقراء ثم يجلس الخليفة في القصر، ويتوافد كبار رجال الدولة ويتلو المقرئون القرآن الكريم ثم يتقدم خطباء الأزهر وجامع الأقمر مشيدين في خطبتهم بمناقب الخليفة، ثم ينشد المنشدون ابتهالات وقصائد عن فضائل الشهر الكريم”.
واشتهر العصر المملوكي في مصر بتوسع الحكام في الإنفاق على الفقراء والمحتاجين في شهر رمضان ومن مظاهر هذا التوسع صرف رواتب إضافية لأرباب الوظائف ولحملة العلم والأيتام، ولاسيما من السكر الذي يتضاعف كمية المستهلك منه في هذا الشهر بسبب الإكثار من عمل الحلوى.
ولم تقتصر هذه الأوقاف الخيرية على موائد رمضان، وتوفير الطعام للفقراء والمساكين، بل امتدت رسالتها إلى التوسع عليهم يوم عيد الفطر ليعيشوا فرحة هذا اليوم وبهجته فكان ينص الواقفون وهم الذين يخصصون وقفاً خيريا للولائم وموائد الرحمن على شراء كميات من الكعك والتمر والبندق لتوزيعها على المستحقين والفقراء، واشتهرت في هذا العصر الأوقاف الخيرية التي كان يخصصها الأمراء والسلاطين لإطعام الفقراء والمساكين عن طريق موائد الرحمن وتوزيع الطعام المجهز عليهم، والذي كان يشتمل على اللحم والأرز والعسل وحب الرمان.
وقد استمرت موائد الرحمن مرتبطة بشهر رمضان عبر العصور الإسلامية المختلفة وظل الأغنياء يتسابقون إليها كل عام، ويعدون لها العدة حتى تطورت ووصلت لوقتنا هذا، حيث يقوم الأغنياء بإعداد موائد الرحمن لكل المحتاجين وعابري السبيل.