كورونا المستجد ومفتاح النجاح لريادة الأعمال .. الاستثمار المستدام
بقلم – د . إســلام جــــمال الـدين شــوقي :
خـــبـيـر اقـــتصادي
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
بالرغم من أنَّ مفهوم الاستثمار المستدام من المصطلحات الحديثة، لكنه أصبح ظاهرة عالمية؛ لما لها من انعاكسات إيجابية على المستثمر والمجتمع، بعكس الاستثمار التقليدي الذي يعمل على توفير رؤوس الأموال للمشاريع أو الشركات التي يجري إدارتها أو تشغيلها، دون مراعاة لتحقيق عنصري الاستدامة والحوكمة.
الاستثمار المستدام :
والاستثمار المستدام Sustainable investment هو أحد فروع الاستثمار وتتوافر فيه ثلاثة معايير رئيسة؛ وهي: حوكمة المؤسسات، والمعايير البيئية، والاجتماعية، ويمكن إضافة أي معايير أخرى تكون مبنية على قيم أخلاقية، أو معنوية، تحدث تأثيرًا إيجابيًا في الاقتصاد، أو البيئة، أو المجتمع ككل؛ لتحقيق عائدات مالية في الأجل الطويل.
وهناك حوافز عديدة تدفع المستثمرين للإقبال على هذا النوع من الاستثمار؛ وهي: تحقيق عوائد مالية واستثمارية دون التأثير على مساهماتهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتجنب الاستثمارات التي لا تفي بمعايير المعتقدات والقيم الأخلاقية الضارة بالبيئة أو المجتمع .
مُسميات وأشكال الاستثمار المستدام:
يشهد مجال الاستثمار المستدام تقدمًا كبيرًا؛ إذ يزداد ويتوسع حجمه يومًا بعد يوم؛ حيث يتيح تأسيس أسواق استثمارية جديدة بمراعاة المتطلبات البيئية والاجتماعية والعمل على المواءمة بينها؛ لتحقيق الأهداف الربحية التي يسعى إليها.
يطلق المستثمرون على الاستثمار المستدام أوصافًا وأسماءً عديدة، على حسب تركيزهم، أو اهتماماتهم، أو أولوياتهم؛ مثل الاستثمار التأثيري، الاستثمار الأخلاقي، الاستثمار المسؤول اجتماعيًا، الاستثمار القيمي، الاستثمار الأخضر، أما عن أشكال الاستثمار المستدام فيمكن ممارسته من خلال الأسهم والسندات، والنقد، والاستثمارات البديلة.
ويتميز الاستثمار المستدام عن نظيره التقليدي بعدة خصائص:
دعم الخطط الحكومية:
مع زيادة التحديات التي تواجهها البيئة- والتي من بينها ظاهرتا التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، اللتان تؤرقان دول العالم، يأتي الاستثمار المستدام ليلعب دورًا كبيرًا في الخطط الحكومية بالتخفيف من تداعيات التأثيرات المناخية.
ويلعب الاستثمار المستدام دورًا قويًا في الحفاظ على البيئة من خلال توجيه وعي المستثمر نحو أهمية الحفاظ على البيئة، وتحقيق العائد الناتج من المنافع الاجتماعية، التي هي من أساسيات الاستثمار المستدام؛ من خلال خلق فرص عمل، أو عمل مشاريع تنموية تساعد طبقة الدخل المحدود على تحسين وضعها المعيشي.
مراعاة الأبعاد الاجتماعية:
تقوم استراتيجية البُعد الاجتماعي التي يحققها الاستثمار المستدام على دعم المشاريع الصغيرة، وخلق مواهب جديدة، ومراعاة القوانين الدولية؛ مثل قوانين عمالة الأطفال والعمل القسري، كما يراعي الاستثمار المستدام القضايا الاجتماعية للأفراد؛ كالتعليم، والصحة، ومراعاة المعايير الصحية والأمان في أماكن العمل، ومراعاة حقوق الإنسان.
استثمار صديق للبيئة:
يقوم الاستثمار المستدام على اختيار أنشطة اقتصادية صديقة للبيئة، تراعي البيئة وتحافظ عليها، والابتعاد عن الأنشطة الاقتصادية التي تُحدث تلوثًا أو ضررًا بيئيًا؛ ما ينعكس بالسلب على التنوع البيولوجي. وبشكل عام، يراعي الاستثمار المستدام، تأثير الأنشطة الاقتصادية على البيئة، ومدى تأثرها بنوعية النشاط.
مستقبل ريادة الأعمال في ظل جائحة كورونا :
أصبح معظم دول العالم تُولي ملف ريادة الأعمال اهتمامًا كبيرًا؛ لتحقيق التنمية المستدامة، وهو ما يرجع إلى أنها مجال قوي وقادر على إحداث تأثير كبير داخل مجتمع الأعمال علاوةً على تقديمه أُطرًا غير تقليدية للابتكار، وتقديمها حلولًا واقعية تصلح لكافة المشكلات الاقتصادية على مستوى العالم.
وتأسيسًا على ما سبق، ينبغي على رواد الأعمال الحفاظ على البيئة في مشاريعهم؛ ما يستلزم التفكير في إحداث التغيير المطلوب؛ من أجل تحقيق النمو المستدام، وتأمين مستقبل أكثر استدامة لريادة الأعمال؛ ما يتطلب التوجه نحو الاستثمار المستدام من خلال دعم المؤسسات في سعيها لإجراء التغييرات اللازمة لتصبح أعمالهم مستدامة.
لقد دخل الاقتصاد العالمي هذا العام في حالة ركود؛ بسبب فيروس كورونا المستجد Covid-19 بعد أن شهد الاستثمار المستدام تغيرًا سريعًا؛ إذ كان المستثمرون يولون أهمية كبيرة على التأثير الاجتماعي والبيئي الأوسع للشركات والقيام باستثمارات طويلة الأجل، ومن الممكن أن يكون فيروس كورونا المستجد حافزًا لزيادة التفكير في الاستثمارات الموجهة وأن يكون هو المحرك والدافع للانتقال إلى مرحلة متقدمة من الاستثمار المستدام.
ولا شك أن الظروف الحالية التي يعيشها العالم تتطب نهجًا مبتكرًا على جميع المستويات الاقتصادية؛ إذ تحتاج الحكومات والمؤسسات والهيئات الدولية إلى طرق مبتكرة لمواجهة التأثيرات، والحد منها، والعمل على إعادة هيكلة الموازنات والميزانيات.
وتُعد ريادة الأعمال حاليًا، الأسلوب الأمثل للتنمية الاقتصادية المستدامة، وأصبح لزامًا- في هذه المرحلة التي يمر بها العالم- أن يكون هناك امتلاك لوسائل المعرفة واستثمارها بكفاءة وفاعلية؛ إذ يمكننا القول إن ريادة الأعمال أصبحت تمثل نظامًا اقتصاديًا مميزًا، يُمثل فيه العلم عنصر الإنتاج الرئيس والقوة الدافعة لإنتاج الثروة.
سندات الاستثمار المستدامة كأحد الحلول الجاذبة في السوق :
تأتي ”السندات الخضراء” أو ما تُعرف بالسندات الاجتماعية من الحلول التي تكتسب قوة جذب كبيرة في السوق؛ للحد من تبعات جائحة كورونا، وهي سندات تخصص عوائدها للاستثمار في المشروعات الصديقة للبيئة؛ مثل مشروعات الطاقة المتجددة، والأعمال الزراعية، والمنشآت الخضراء، ومشاريع كفاءة استخدام الطاقة.
وهناك أيضًا، ”السندات الزرقاء” للاستثمار في الاقتصاد الأزرق المستدام؛ حيث توجد مبادرة رائعة نُفذت في سيشل للتوسّع والتحوّل في مناطقها البحرية المحمية، وتحسين حوكمة مصائد الأسماك ذات الأولوية، وتطوير اقتصادها الأزرق.
وهناك مفهوم جديد يطرح لأول مرة؛ وهو”السندات الصفراء” للاستثمار في الاقتصاد الأصفر الذي يُعنى بدراسة الطاقة الشمسية، وكيفية الاستفادة منها لتحقيق التنمية المستدامة. ولا شك في أن هذه السندات سوف تمثل أهمية كبيرة؛ لأن عائدها سيكون مخصصًا من أجل الاستثمار في مشروعات الطاقة الشمسية.
ويجب إشراك القطاع الخاص، وتحفيز الاستثمارات التي تساهم في تحقيق مستهدفات التنمية، بالمشاركة مع الحكومات والمؤسسات الدولية والقطاع الخاص، وتهيئة مناخ أكثر جاذبية للاستثمار المحلي والأجنبي، مع تعزيز مبادئ الحوكمة، والإدارة الرشيدة في كافة قطاعات الدولة، وإصدار قوانين جديدة؛ لتسهيل وتقنين استخدام الآليات المالية المبتكرة، وهو من الأمور الأساسية لتحقيق الشمول المالي، وتعزيز نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة.