مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

( كمنديل في الريح) رواية لبهية كحيل تجسد مأساة سوريا والربيع العربي

كتب – د.صبري زمزم:

أقام منتدى حكايا الكتب برئاسة د.حنان إسماعيل ندوة ثقافية أدبية لمناقشة رواية كمنديل في الريح للروائية السورية د.بهية كحيل، بحضور المناقشين الإعلامية جيهان الريدي والأديب ياسر عبد الرحمن والشاعر عبده حسين إمام والناقد الأدبي د.صبري زمزم والشاعر عماد حسين ولفيف من الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي والأدبي.

 

وأبدى المناقشون إعجابهم بالرواية وكانت أبرز النقاط كالتالي:

 

*اعتمدت الرواية في السرد على الراوي العليم في أغلبها ولكنها انتقلت في بعض الأحيان إلى أصوات بعض الشخصيات خصوصا میرفت، ومزجت بين السرد والحوار في لغة عربية فصحى جميلة بين النثر والشعر.

 

 

*واهتمت بوصف الشخصيات بملامحها الخارجية، ولكن الاعتماد الأكبر كان على الملامح النفسية والداخلية من خلال مسلكهم وطريقة تفكيرهم وطموحاتكم.

 

 

* العنوان : “كمنديل فى الريح” يثير الذهن ويطرح تساؤلات أولية للقارئ، والعنوان عبارة عن حرف تشبيه ومشبه به ( كمنديل ) ثم وصف المنديل (فى الريح ) فيصور حركة المنديل الذى تذروه الريح فيترنح في كل اتجاه دون أن يكون له إرادة التوجه، ودون تحديد مصيره أو اتجاهه.

 

* فيأتى السؤال وهو ما المشبه هنا و هو المبتدأ المحذوف؟

* وعندما تفرغ من قراءة القصة التي تدور فى أجواء ثورة سوريا ما بين ٢٠١١ إلى ٢٠١٦ ، يتبين لنا أن المشبه به هو الوطن، وطن المؤلفة حيث الفوضى الشاملة وانعدام الأمان، والاحتراب الأهلي متمثلة فی مسرح الأحداث مدينة حلب الشهباء ، من خلال عدة أبطال أساسيين ، تبدلت حياتهم رأسا على عقب، فاستحال الأمن و الأمان قبل الثورة إلى دمار وخراب، و انقسام حلب إلى معسكرين كل منهما يقصف الآخر وكل منهما يقتل ويهدم وينسف ويسبى ويغتصب ويهدد ويجند الرجال والنساء ومبدؤه من ليس معه فهو ضده ومصيره القتل، فهجر الناس بيوتهم التى عاشوا فيها دهرا آمنين سعداء مع أهلهم وجيرانهم ، ولجأوا إلى مخيمات عانوا فيها الأمرين وآخرون هاجروا إلى دول أخرى.

 

* وجاءت شخصيات الرواية الرئيسية معدودة ، منها بشر الطالب الجامعي وأخته آمال وصديقتها رجاء الموظفة بقسم الإعلام وتعمل صحفيه بإحدى الصحف التي تكلفها بإجراء حوار صحفى مع أحد الشخصيات المهمة، المقيمة بالخارج، فإذا به جارها في الحارة، وزميلها في الكلية الذي كانت تراقبه من بعيد بمشاعر أجبرتها عادات وتقاليد مجتمعها على إخفائها، ، وها هو الاتصال التليفونى بينهما يصل ما انقطع، وتتعدد الاتصالات إلى أن أصبحت عادة يومية توثقت من خلالها علاقتهما، خصوصا أنهما عادا إلى نقطة الطفولة البريئة التي جمعتهما فى الجيرة، وتتنامى العلاقة العاطفية بينهما إلى أن يلتقيا مرة أخرى في الكلية ليستعيدا ذكرياتهما معا، ولكن القدر لم يمهلهما حيث انفجر المكان الذى تعيش فيه فأصيبت فتبرع لها بدمه فى محاولة يائسة لإنقاذها، وكانت العلاقة بينهما هي الجانب الرومانسي الوحيد فى الرواية، وإن انتهى بمأساة لتضاف إلى مآسي كل فرد عاش فى هذه الظروف.

 

 

* أما بشر الطالب الجامعى الذي يتناوشه الموت من كل جانب فأراد ار ينأى بنفسه فى محاولة للنجاة من فخاخ الموت، فاضطر إلى المغامرة فيترك أخته وأمه ليسافر بعيدا قاصدا أوروبا لإكمال تعليمه وبناء مستقبله ودفع الخوف عليه أمه لمباركة هذه الخطوة.

 

 

قد يهمك ايضاً:

مهرجان بنت النيل بحصد  افضل مهرجان في 2025بااراء الجمهور و…

هبة الجندى تخطف الأنظار بإطلالة أنيقة بسيطة لكن كلها جاذبية…

والروائية د. بهية كحيل جعلتنا نعيش أجواء متوترة معه فى انتظار الخروج إلى تركيا عبر الحدود بشكل غير قانونى مقابل دفع الأموال الطائلة لعصابات التهريب إلى أن حان موعد انطلاق مركب الهجرة غير الشرعية لتبدأ رحلة المعاناة والتى أودت بالمركب وكثير من ركابه الذين غرقوا ونجا منهم القليل من بينهم بشر الذى يفيق ليجد نفسه فى أحد مستشفيات الإسكندرية بعد أن أنقذته إحدى السفن ومن الإسكندرية ينطلق إلى أوروبا، ولكن قلقه على أمه واخته ينغص حياته .

 

 

وهناك بالتوازي مع الشخصيات الأساسية التي بدأت الرواية وختمتها بعض الشخصيات الثانوية التي أكملت حكاياتها الصورة المؤلمة لحلب بل لسوريا كلها .

 

 

فهناك میرفت تلك الفتاة التي تشعر بالظلم والاضطهاد داخل أسرتها نتيجة سوء معاملة أخيها وتسلطه عليها، وقسوة أبيها، مع تأخر قطار الزواج منها ورفض أم حبيبها خطبتها لعدم توافر المواصفات المطلوبة فيها من حيث الجمال والمال، فضلا عن امتلاء رأسها بالفكر الجهادى، كل هذا جعلها تهرب من بيتها ذات مساء لتنضم إلى الثوار المجاهدين، بزعم أن تكون مجاهدة ويصبح لها دور، وطمعا أيضا في عائد مادي كبير تحقق لجارة لها سبقتها للجهاد فتلتحق بمعسكر وتتطوع للعمل كممرضة بمستشفى، وتتزوج من أحد المقاتلين الذي يتنقل بها من مسكن إلى مسكن حسب أحوال القتال، وتكشف لنا عن عدم إحساسها بالأمن والألفة مع البيوت التى تنقلت بينها، لشعورها أنها بيوت آناس أجبروا على تركها، بل ترك المدينة كلها، وشعرت أن أنفاس أصحاب البيت تطاردها في صحوها ونومها، لأنها تبيت على سريرهم وتأكل طعامهم ، وتستخدم أدواتهم وأجهزتهم التي تركوها مجبرين، فتبدد شعورها بالسعادة، ويتحول إلى شقاء وألم.

 

 

* وهناك علا تلك الفتاة التى زوجها أهلها قسرا فتنتقل من حلب إلى قريتها الأصلية، ثم تنزح هي وزوجها وابنها الرضيع من القرية إلى أحد معسكرات الإيواء لتعيش فى مخيم، ويستيقظ سكان المخيم يوما على خبر اختفائها الغامض في سلسلة من اختفاء فتيات قبلها ، فيشعرون بالقلق على بناتهم من الخطف ولحوق العار بهم، فيفضل بعضهم الخروج من المخيم ومواجهة الموت بدلا من مواجهة العار.
و بعد فترة يعثر على جثتها وقد أشيع أنها انتحرت لسبب غامض، ولكن بعد موتها، يظهر زوجها بعيدا عن المخيم في مظهر الثراء بسيارته وملابسه الفاخرة، مما يلقى عليه شبهة بيعها للمقاتلين وقبض ثمنها، فيما عرف بجهاد النكاح.

 

وكانت هذه فى نظرى ذروة المأساة التي اجتمع فيها الخوف والنزوح والعيش في مخيم، ثم الاختطاف ثم الموت، تم الغدر والخسة من الزوج .

 

لتجسد القصص مجتمعة صورة لسوريا، بعد ربيع ٢٠١١ لتسقط فى خريف ممتد بلا نهاية منظورة عانى أهلها التشتت بعد التئام والخوف بعد بعد رغد وأمن وعانوا من قرص الصقيع في شتاء بلا كهرباء ولا ماء ولاغاز و لا مرافق ولا سكن يؤويهم وبين لهيب نيران القصف العشوائي ليل نهار، تحت رحمة القناصة الذين تصيدهم بدقة فلا يدرى اى منهم متى سیأتی دوره ، وقد انقسمت حلب إلى معسكرين كل منهما ضد الآخر كل منهما يستبيح الدماء والأموال والأعراض تحت مسميات مختلفة أسوأها ما كان يرتكب تحت مظلة الدين المزعومة البعيدة كل البعد عن سماحة الإسلام الحقيقى. نجحت الروائية د. بهية كحيل فى رسم صورة مقربة واضحة لداعش التي امتدت بين العراق والشام وتصاعدت أعمالها المنفرة من الدين وكانت أسوأ دعاية لدين برىء منها .

 

 

* استطاعت الكاتبة أن تلملم خيوط الرواية المتشابكة المترامية، من حيث الشخصيات، سواء النساء أو الرجال لتغزل لنا رواية جسدت عبر الزمان المحدد ٢٠١١ – ٢٠١٦ والمكان (حلب) شرقها وغربها، والإسكندرية وأوروبا وتركيا، وصاغتها بأسلوب أدبي ناعم تخللته لمسة رومانسية رقيقة رطبت من هول وسخونة الواقع المرير، واستخدمت لغة راقية كانت فى كثير من صفحاتها أقرب إلى الشعر، عن طريق الجمل القصيرة ، مستخدمة الاستعارة بمهارة تغزل من الجمل الناعمة الملمس منديلا كفكف دموعنا و مسح عرق ودماء الضحايا ولكنه ظل فى الريح دون أن يحدد مصيره لأن مصير الوطن لم يكن بيده ولا بيد أصحابه، ولكن كان فى يد أطراف متنازعة متناحرة كل منهم يسعى لمصلحته هو فقط، وفى النهاية الوطن والمواطنون الأبرياء هم الضحية .

 

وللأسف هذا ليس واقع سوريا وحدها في هذه الآونة التي اختارتها الكاتبة بل كان مصير معظم الدول العربية وإن كان بصور متفاوتة فى العراق وليبيا واليمن ولبنان والسودان وأخيرا فى غزة.

 

 

*فتحية للدكتورة بهية كحيل التى أمتعتنا بقدر ما أوجعتنا ونشكرها أنها قدمت لنا منديلا وإن كان في الريح.