كتب – محمد عيد:
تحليلات متواترة للعديد من المراكز البحثية والصحف العالمية، تكاد كلها تجمع على أن حربا قادمة في الشرق الأوسط، لكنها تتباين في طرح الأسباب ومواقع اندلاع تلك الحرب، فخريطة الشرق الأوسط صارت ممتلئة ببؤر التوتر التي تحمل في طياتها كل عوامل الانفجار.
قبل بضعة أيام حذّر الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، من إمكانية اندلاع حرب في قطاع غزة، ستكون “عواقبها كارثية على جميع دول المنطقة في حال اندلاعها”.. وهذا الكاتب فريد زكريا، صاحب الخبرة الطويلة في العلاقات الدولية يصف في تحليل له منطقة الشرق الأوسط بأنها “أصبحت أكثر المناطق توترًا واضطرابًا في العالم، وخطر نشوب صراع أكثر حدة في المنطقة احتمال وارد جدًا”.
ويوميا لا تكاد افتتاحيات الصحف العالمية الأوروبية والأمريكية على حد سواء تخلو من تلميحات وتحليلات تحذر من أن الشرق الأوسط قد صار “برميل بارود مشتعل”، وأن انفجار وشيكا يلوح في الأفق.
ووسط كل السيناريوهات الخطرة التي تضعها مراكز البحث والفكر العالمية للمنطقة، تبدو مصر بحكم ما تمتلكه من ثقل جيواستراتيجي قاسمًا مشتركًا في كثير من تلك الدوائر المشتعلة، وهو ما يفرض مزيدًا من الحذر على القيادة المصرية في التعاطي مع مواطن الخطر ومنزلقات الحرب القادمة.
المنطقة الأخطر والأكثر اشتعالا في الشرق الأوسط هي سوريا، ومع دخول الصراع عامه الثامن، والإنهاك الظاهر على كل قوى الصراع هناك، والرغبة في التوصل إلى حل نهائي، تتصاعد حمى الرغبة في الحسم على الأرض بحثًا عن موقف أفضل على طاولة التفاوض، كما تتسارع حركة القوى الإقليمية بحثًا عن تأمين لمصالحها في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع، وتبدو احتمالات المواجهة الإسرائيلية الإيرانية هي الأخطر، سيما وأن أي تحرك إيراني لتثبيت النفوذ على الأراضي السورية يثير مزيدا من المخاوف الإسرائيلية، وقد وصلت الأمور إلى حافة الاشتباك الأسبوع الماضي، عقب إسقاط إسرائيل لطائرة بدون طيار، قيل أنها إيرانية، أطلقتها وحدة القدس من قوات نخبة الحرس الثوري الإيراني، من قاعدة لها في وسط سورية.
تركيا أيضًا ليست بعيدة عن خطوط الصراع والصدام القادم في المنطقة، فهي متورطة في المستنقع السوري على أكثر من مستوى، وبخاصة في معركة “عفرين” شمالي سوريا، كما أنها تتحرك بعصبية واضحة تصل إلى حد الرعونة في شرق المتوسط، بحثا عن موضع قدم في اكتشافات الغاز، التي باتت مطمعًا للقوى الإقليمية وربما الدولية في مرحلة مقبلة، فبعد افتعالها لأزمة عدم الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية القبرصية، في محاولة للتحرش بالبلدين، تبدو أنقرة عازمة على عدم الانسحاب بسهولة دون الحصول على نصيب من كعكة الغاز العملاقة، وهو ما قوبل وسيقابل بموقف مصري حاسم مفتوح على كافة الاحتمالات إذا ما تمادت تركيا في تحرشاتها سواء بالمصالح المصرية، أو بمصالح حليفتيها اليونان وقبرص.
وغير بعيد عن كعكة الغاز، يطفو إلى السطح التوتر الإسرائيلي اللبناني أيضا على خلفية التنقيب عن الغاز بالمنطقة، فيبدو أن حقل “ظهر” المصري، وهو حقل الغاز الأضخم في البحر المتوسط حتى الآن، قد أثار شهية الطامحين للفوز بكنوز الطاقة، وربما يضيف البحث عن الغاز عاملا جديدا للتوتر بين بيروت وتل أبيب، قد يصل إلى لحظة انفجار في أي وقت، فنار المواجهة بين الجانبين كامنة دوما تحت الرماد.
وبعيدا عن الغاز وصراعاته، وسوريا ونزاعاتها، فإن بؤرا أخرى للتوتر تندرج أيضا على “قائمة الخطر”، فالمواجهة الإيرانية السعودية غير المباشرة على أرض اليمن لا يبدو أنها تقترب من شاطئ سلام.
وهناك أيضًا أزمة سد النهضة، فرغم نجاح القيادة المصرية مؤخرا في نزع فتيل أزمة خطيرة مع أثيوبيا والسودان، ورغم انشغال أثيوبيا الراهن في صراعاتها السياسية الداخلية، إلا أن ذلك لم يحل دون اهتمام كثير من التحليلات بأزمة السد الأثيوبي، التي يقول مراقبون كثر أنها قد تشعل شرارة أول حرب مياه في العالم.
الوضع في المنطقة إذن خطير، بل وخطير للغاية، فأيادٍ كثيرة موضوعة على الزناد، ومستعدة لإطلاق النار، التي لن تكون عواقبها قاصرة على دولة بعينها، بل ستحرق خريطة المنطقة بأسرها.