متابعة : ايمان صلاح الشناوي
في أجواء إيجابية بعودة سوريا إلى “بيت العرب”.. ووسط ظروف استثنائية ناتجة عن أزمات وصراعات إقليمية ودولية.. تستضيف المملكة العربية السعودية القمة العربية في دورتها الـ32 .. مع تزايد الآمال بأن تكون من بين القمم الهامة ، بنجاحها في تعزيز التضامن ولم الشمل العربي، وتقديم خارطة طريق لتجاوز تحديات المرحلة الراهنة.
القمة العربية التي ستعقد في جدة هي القمة الخمسون لجامعة الدول العربية خلال 77 عاما، منها 31 قمة عادية و14 قمة طارئة و4 قمم اقتصادية اجتماعية تنموية، وكانت أول قمة عربية عقدت بالقاهرة سنة 1946 وآخر قمة كانت بالجزائر سنة 2022.
القضية الفلسطينية .. والأزمة السودانية المشتعلة.. والأمن الغذائي.. تتصدر أولويات المناقشات بين القادة العرب خلال القمة، وكذلك هناك ملفين أحدهما اقتصادي يتصدره موضوع تطوير السياحة العربية، وآخر اجتماعي يتصدره موضوع العقد العربي الثاني للأشخاص ذوي الإعاقة.
– قمة التجديد والتغيير
في جدة، أعرب السفير حسام زكي مساعد الأمين العام للجامعة العربية عن تفاؤله بـ”قمة التجديد والتغيير”، وقال للصحفيين إن “السعودية تشهد حالة نشاط دبلوماسي وسياسي طيب ومبشر ورئاستها للقمة العربية ستكون رئاسة نشيطة حريصة على المصلحة العربية”.
المستشار أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، صرح بأن قمة جدة تهدف إلى تعزيز التشاور والتنسيق بين الدول العربية الشقيقة بشأن مساعي الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وتعزيز المصالح العربية، خاصة في ظل المتغيرات المتلاحقة والأزمات المتصاعدة على المستويين الدولي والإقليمي.
وأضاف أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يتوجه صباح اليوم الخميس إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في القمة، لافتا الى أن مشاركة الرئيس بالقمة العربية تأتي في إطار حرص مصر الدائم على تدعيم وتطوير أواصر العلاقات مع الدول العربية الشقيقة، واستمراراً لدور مصر في تعزيز جهود دفع آليات العمل المشترك وتوحيد الصف، لصالح الشعوب العربية كافة.
– أجندة القمة
على رأس جدول الأعمال الترحيب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومناقشة القضية الفلسطينية، والتوتر القائم حالياً في قطاع غزة، فضلاً عن مناقشة هدم الممتلكات ومصادرة الأراضي وتهويد القدس والقتل العمد وسياسات العقاب الجماعي، وجميع الانتهاكات التي يرفضها القانون الدولي.
مشروع جدول أعمال القمة، يتضمن كذلك كافة التطورات المتعلقة بالأزمات التي يمر بها عدد من الدول العربية، على رأسها الأزمة السودانية المشتعلة، ومحاولة احتواء هذا الصراع قبل فوات الأوان ووقوع المزيد من الخسائر في الأرواح، وما يمكن أن تفرضه هذه الأزمة لاحقا من أزمة إنسانية ولجوء كبير للشعب السوداني إلى دول الجوار، وسوف توجه القمة الدعوة لطرفي النزاع للاستفادة من الحوار القائم الذي تستضيفه المملكة العربية السعودية لإيجاد خريطة طريق يمكنها أن تضبط تطورات الموقف.
ومن أولويات القمة أيضا النزاع في اليمن المستمر منذ أكثر من ثماني سنوات، وتدفع السعودية نحو اتفاق سلام بين المتمردين الحوثيين والحكومة التي تدعمها على رأس تحالف عسكري يشارك في العمليات العسكرية في اليمن منذ العام 2015.
إضافة إلى الوضع في الصومال، يحتل الملف الليبي حيزاً مهماً في جدول أعمال القمة، وتشمل أجندة القادة الوضع في لبنان وفراغ منصب الرئيس منذ ترك ميشال عون منصبه نهاية أكتوبر الماضي، ومنذ ذلك التاريخ والبلاد بلا رئيس دولة، فى ظل التحديات السياسية والأمنية التي تعصف بلبنان.
ويتضمن جدول أعمال القمة العربية، التنسيق والتعاون بين الدول العربية لمكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية حول الجماعات المتطرفة وصيانة الأمن القومي العربي، وضرورة تعزيز التعاون والتنسيق العربي، لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي أثرت على المنطقة خصوصا بعد أزمة كورونا ومن بعدها الأزمة الروسية – الأوكرانية.
وبعيدا عن السياسة، سيتم التركيز على ملف الأمن الغذائي، وتفعيل منطقة التبادل التجاري الحر بين الدول العربية، فضلاً عن أزمة الطاقة والتغيرات المناخية.
– جلسات القمة
جلسات القمة تبدأ بجلسة تشاورية مغلقة لمدة ساعة ونصف للقادة، يتم خلالها تسليم رئاسة القمة من الجزائر إلى المملكة العربية السعودية، تعقبها جلسة عمل أولى علنية، يتم من خلالها كلمة لرئيس القمة ثم كلمة للأمين العام لجامعة الدول العربية.
وبعد ذلك يتحدث القادة العرب حسب أولوية الطلب، على أن تتم جلسة ختامية علنية نهاية اليوم، يصدر خلالها “إعلان جدة” وقبلها مأدبة غداء للقادة والضيوف.
3- متغيرات اقليمية
القمة في دورتها الـ32 ، تنعقد وسط متغيرات ثلاثة بارزة:
* أولها استعادة دمشق لمقعدها بالجامعة العربية ومشاركة النظام السوري في اجتماعاتها،
* ثانيها اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران.
* المتغير الثالث أزمة السودان عقب الاشتباكات المسلحة منذ نحو شهر بين الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو.
كما تعقد القمة في جدة حيث يتفاوض ممثلو الطرفين السودانيين منذ نحو عشرة أيام برعاية مسؤولين أمريكيين وسعوديين.. وأسفرت عن توقيع إعلان المبادئ الإنسانية بين ممثلي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع بجمهورية السودان.
ومن المتوقع أن تنعكس هذه المتغيرات إيجابا على قرارات قمة جدة التي تسعى إلى تحريك جميع الملفات العالقة.
– أجواء ايجابية بعودة سوريا بعد غياب 12 عاما
الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، أكد أن القمة تنعقد وسط تطورات إيجابية تشهدها المنطقة العربية، وذلك في ظل المستجدات المتعلقة بإحدى أهم الأزمات العربية التي استعصت على الحل لأكثر من عقد من الزمن، وهى الأزمة السورية، حيث تستأنف وفود الحكومة السورية مشاركتها في اجتماعات الجامعة العربية، تنفيذا لقرار وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأسبوع الماضي.
أجواء اعتبرتها جامعة الدول العربية من شأنها أن تدفع إلى تجديد العهد والعزيمة على تفعيل مبدأ التضامن العربي، ويعكس على نحو عملي المساندة والمؤازرة بين الدول العربية، والمؤاخاة التي لطالما تطلعت إليها الشعوب العربية، لتحقيق التكامل الذي بنيت عليه جهود تأسيس جامعة الدول العربية.
ففي خطوة مهمة نحو استعادة أحد أهم الأعضاء المؤسسين لـ”بيت العرب” فى أربعينات القرن الماضي.. وبعد أكثر من 12 عاما من الغياب إثر حالة الفوضى التى اندلعت على مدار العقد الماضى، يشارك الرئيس السوري بشار الأسد بالقمة العربية بعد أن تسلم دعوة رسمية من السعودية، إثر جهود دبلوماسية بقيادة مصر، أفضت إلى إعادة دمشق إلى محيطها العربي.
التوافق العربي حول عودة سوريا بعد غياب، يكشف عن نية الدول العربية لـ”تصفير الأزمات” ولم الشمل العربي ايذانا ببدء مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات.
الاستجابة السورية كانت سريعة للعودة عبر المشاركة فى قمة جدة، حيث وصل وزير الخارجية فيصل المقداد إلى الأراضى السعودية الاثنين الماضي، على رأس وفد رفيع المستوى للمشاركة فى الاجتماعات التحضيرية للقمة معربا عن سعادته بما تحقق.
– تعريب الحلول
مصر قادت قطار العودة للجامعة العربية عبر استراتيجية “تعريب الحلول”.. جهود كبيرة بذلتها القوى الإقليمية، وعلى رأسها مصر، والتى ترأست الاجتماع التاريخى الذى صدر عنه قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وساهمت فى إعادة توجيه “بوصلة” الحل إلى الدول العربية، بعيدا عن محاولات الاستئثار الدولى بالقضية، والتى أدت إلى إطالة أمدها لسنوات طويلة دون جدوى.
وهنا تبدو أهمية “تعريب” الحلول للأزمات العربية، خاصة تلك المترتبة على الفوضى التى حلت بالمنطقة خلال العقد الماضى، عبر تحقيق مزيد من الانخراط العربى لتسوية الأوضاع، سواء على المستوى الفردى من خلال القوى العربية الرئيسية، أو جماعيا عبر جامعة الدول العربية، والتى تمثل الكيان الجمعى والممثل الشرعى للدول العربية.
الاجتماعات التشاورية العربية، تبدو هى الأخرى أحد أهم الأدوات التى استحدثتها الدول العربية، سواء على المستوى الفردى على غرار اجتماعى جدة وعمان، أو الاجتماع التشاورى واسع النطاق الذى عقد بالجامعة العربية، على هامش مجلسها على المستوى الوزارى، حول سوريا بمثابة امتداد لحالة استحدثتها القوى العربية الرئيسية، وأبرزها مصر، فيما يتعلق بالتنسيق ودعم العمل العربى المشترك، وهو النهج الذى سيتواصل سواء فيما يتعلق بسبل الحل فى سوريا، فى مرحلة ما بعد العودة إلى “بيت العرب”، أو فى التعامل مع الأزمات الأخرى، فى إطار التسلح بالهوية العربية فى مواجهة أزمات المنطقة.
– مسيرة القمم العربية
يرجع تاريخ عقد القمم العربية إلى بداية تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، كأقدم منظمة إقليمية في العالم تنشأ بعد الحرب العالمية الأولى.
وشكل تأسيس هذه المنظمة العربية، نقطة تحول مهمة في تاريخ العرب المعاصر وانضوت تحت مظلتها وحدة الهدف والمصير المشترك، فكانت منذ أكثر من سبعة عقود “بيتاً للعرب” للالتئام والتشاور وتوحيد الصف تجاه مسرح الأحداث إقليميا ودوليا.
مسيرة كبيرة للقمم العربية منذ تأسيسالجامعة العربية، حيث عقدت 31 قمة عادية، آخرها كان في الجزائر العام الماضي، و14 قمة طارئة، و4 قمم اقتصادية تنموية، إضافة إلى 10 قمم عربية إقليمية (4 قمم عربية أفريقية و4 قمم عربية لاتينية، وقمة عربية أوروبية وقمة عربية إسلامية أمريكية)، والقمة العربية الصينية التي استضافتها السعودية نهاية العام الماضي.
ومن بين تلك القمم هناك قمم تحمل أهمية خاصة، بسبب التوقيت التي عقدت خلاله أو القرارات الصادرة عنها.
القضية الفلسطينية تصدرت جدول أعمال القادة العرب منذ أول قمة عربية طارئة عام 1946 تلاها الملف الإيراني وتدخلات طهران في شؤون دول المنطقة.
وكما كانت القضية الفلسطينية هي المحرك لعقد أول قمة عربية قبل 76 عاما، فإنها كانت هي الداعي لاعتماد دورية القمم العربية مجددا على إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 28 سبتمبر 2000، وذلك خلال قمة القاهرة الطارئة في أكتوبر من العام نفسه.
ونجحت جامعة الدول العربية على امتداد تاريخها في القيام بالعديد من الإنجازات رغم التحديات التي واجهتها، وما تزال.
ومن أبرز تلك الإنجازات دعمها لجهود الدول العربية لنيل استقلالها، حيث برز دور الجامعة على سبيل المثال في مجال دعم جهود التحرر في دول مثل الجزائر واليمن والسودان، الأمر الذي كان له أثر في اتساع حجم عضوية الجامعة، لتشمل 22 دولة عربية بعد أن كان عدد الدول الموقعة على الميثاق التأسيسي 7 دول.
نجحت الجامعة العربية أيضا في تسوية بعض المنازعات العربية – العربية، وتشجيع التعاون العربي – العربي عبر مجموعة المنظمات المتخصصة التي تشكلت على مختلف المستويات داخل إطار الجامعة وخارجه.