مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قصة قصيرة: حلوى بطعم الحنظل

بقلم – هادية حساني.. تونس

قد يهمك ايضاً:

“صوت يتسرب “قصة قصيرة 

هركي : تنسيق مصري قبرصي يوناني لتأمين الطاقة والاستقرار في…

ينتابني فضول ودهشة كبيران كلما مررت بذلك المكان في طريقي للمدرسة، التي كنت اقضي القيلولة امامها لبعد بيتنا القابع وسط حقول القوارص في عمق ذلك الاخضرار الممتد على مدى البصر في ريف تلك القرية، كنت مجبرة على المكوث هناك في القر والحر، في الصحو والمطر، واحيانا تثلج ، فيتساقط حبات في حجم الحصى، اتامل انصهارها السريع مستمتعة، وعلى قدر برودة ذلك الشتاء، حل الحر اللافح في اواخر الربيع.
كان يوما حارا، تشاهد ما يشبه السراب عن بعد، احسست بالملل بعد الانتهاء من لمجتي، تمطيت باتجاه الدكان لشراء الحلوى اللذيذة، كان قريبا من تلك الغرفة الضيقة، ذات الباب الصغير، حيث ألمح الصبية يجلسون على حصير في شكل حلقة، يتصدرهم شيخ يرتدي جبة، ويضع طاقية بيضاء على راسه، ذو لحية كثة، طويلة. كنت أسترق النظر لذلك العالم الغريب، الذي ما ارتدته يوما، وما يشدني أكثر ذلك الترتيل الموحد للقران، بتنغيم ورنة تشعرني بخشوع، اما الشيخ فماسك عصا طويلة يهش بها ويضرب كراع يقود خرفانه.
يومها كانت فارغة الا من تلك الحصر وذلك الكرسي الخشبي، لكن للمكان هيبة وخشوع رهيبان في قلبي، رغم ذلك الصمت المخيم عليه، ولا ادري اي قوة دفعتني لأمرقه، جلست على الحصير وتربعت، ثم حبوت نحو الكرسي متأملة نقوشه الرائعة، مستمتعة بطعم الحلوى الحلو، لم اسمع خطواته، ولم أتفطن لدخوله، لولا شبه الظلمة التي طوقت المكان، انه هو االشيخ بكل وقاره وهيبته، كأني بحلم، تسمرت مكاني، لا اقوى على شيء ،كأن شللا اصاب جسدي وحواسي، ولم يخرجني من ذهولي الا صوته الغليظ، لم يكن شيخا كما تصورته، فاللحية والجبة أعطياه وقارا وسنا أكبر، هو كهل، وسط.
اقترب مني،خوف واضطراب يلفان بي، اقترب اكثر، حدق بي، نظراته غريبة، مد يده نحوي، خلته سيضربني، لكنه مررها فوق شعري، محدقا بوجهي وقال:
-تبارك الله! بنت من انت؟
لم اقدر على الكلام ولا أدري كيف خرجت الكلمات بنزق:
– بنت علي…سامحني…لن أدخل….
تراجعت الى الخلف والخوف لا يزال يسيطر علي..
لكنه اقترب أكثر، حاصرني، الجدار خلفي، وقامته المديدة أمامي، فاتحا يديه، واضعا اياهما على الجدار على جانبي رأسي، ماذا يريد مني !؟ قلبي يكاد ينخلع، الحرارة تصعد الى وجهي، فيكاد الدم ينفر من وجنتي، حلقي يجف، طعم الحلوى صار مرا، يطوقني بيد وبالاخرى راح يلمس جسدي الغض، صحت:
– آتركني !
كأني لم أصح، يبدو أن صيحتي زادت من جنونه، ماذا يريد من جسدي !؟
ولم ادر كيف أمكنني الافلات منه، احتميت بالكرسي الذي صار حاجزا بيننا، حاول امساكي سادا طريقي للخلاص، حاصرني ثانية بين الجدار والكرسي، فاتحا رجليه ويديه وعيناه، واصراره يزداد..
وفي تلك اللحظة، فتح الباب، فغمرت أشعة الشمس الغرفة، وتوافد ثلاثة صبية لاهثين، صاحوا بصوت واحد:
-السلام عليك سيدي. وسرعان ما أوقفتهم الدهشة، اعتدل، سوى جبته المائلة، جلس على الكرسي، وهو يقول:
– سأسامحك لا تدخلي الى هنا ثانية، اذهبي !
انطلقت دون أن ألتفت خلفي، كأنني بكابوس..
ومنذ تلك الحادثة، لم أجرؤ يوما على النظر الى الكتاب، ولا الى الشيخ، وما نبست بكلمة.
من سيصدق كلامي عن شيخ يعلم الصبية كلام الله…