بقلم – محمد رشيد الشمسي “العراق”
في نهاية سنة كبيسة؛ حدث شيء ادرجته من ضمن المصادفات الجميلة في حياتي؛ حياتي التي كان يعتراها الحزن والفقر والقنوط والملل في معظم ايامها ولياليها؛ أذ في تلك السنة وقع سهوا “خمسون دونم (أرض زراعية) في السجل العقاري بإسمي وأسماء اولادي”؛ ومن يومها عزمتُ على أن استغلها؛ حيث عملت على غرس تلك الارض التي يشطرها نهر صغير؛ بأشجار فواكه من التفاح والعنب الاسود حصرا؛ اذ أن المدينة التي تنتمي لها هذه الارض، وهي مدينة باهيا* تشتهر بصناعة المشروبات الروحية من الوسكي والبيرة والشمبانيا وبماركات عالية الجودة وكذلك عرق الكشاسا* الذي هو اقل جودة؛ حيث يصنع هذا المشروب في بيوتات ومعامل صغيرة؛ قربية من مزراع الشعير والبرسيم والدخن.
كان موسم رائعاً ومربحاً بكل المقايس، اذ الاشجار التي غرسنها و اعتنينا بها كثيرا ولمدة طويلة؛ اثمرت محصولاً وفيراً من التفاح والعنب الاسود، حيث بعنا في نهاية احد المواسم الى معامل صناعة الوسكي ما مقداره 500 طن من العنب الاسود 400 طن من التفاح، ومثلهما الى معامل الشمبانيا؛ لقد صدرت تلك المعامل قناني الوسكي المحسنة والشمبانيا لمعظم المدن المجاورة وبعض دول الجوار، حيث اسهمت وفرة المادة الاولية وكذلك الدعاية لتلك المنتوجات الروحية؛ بأن تكون مادة اساسية على موائد الغداء والعشاء وبعض الاوقات على مائدة الفطور الصباحي لمعظم العوائل، لقد اصبح جميع الناس في هذه المدينة؛ يشربون الكحول بإنواعة بدون تكلف؛ مما حدى بالسلطات الحكومية والدينية لمدينة باهيا بأصدار قرار: “يلزم بمنع شرب أي مشروب روحي عند الافطار الصباحي؛ ويحكم بالسجن ثلاثة اشهر او غرامة عينيه خمسون قنينة من الوسكي ومثلهما من الشبمانيا؛ كل من يخالف هذا القرار”.
فألتزم معظم الناس لذلك القرار، وامتنعوا من شرب الوسكي والشبمانيا وحتى عرق الكشاسا عند الفطور الصباحي.
ولكن حدث شيء ليس بالحسبان اذ هجم مجموعة من السكارى وهم من كبار السن وعلى رأسهم كينكاس هدير الماء؛* والذين يكن لهم الناس بالاحترام والتقدير و قد اعتبرو المثل الاعلى للشباب؛ لانهم من القدامى ومن الرواد في شرب الخمور بانواعها؛ لقد هجموا هؤلاء على داري وأرضي وعبثوا فيها، وقد احرقوا محصول العنب والتفاح للموسم كامل، فما كان عليّ إلا ان اسرعت في أخبار السلطات الامنية والقانونية هناك، وقد امسكوا بالجناة متلبسين بفعلتهم النكراء، وقد تم محاكمتهم امام الناس في محاكمة علينة، وكان السؤال الذي وجه الى كينكاس هدير الماء وجماعته؛ من قبل القاضي الاول هو:
– هل كنتم سكارى؟… حين فعلتم فعلتكم النكراء تلك؟!!…
– لا… . لم نكن سكارى؛ لقد كنا في كامل وعينا.
– اذن… لماذا فعلتم هذا؟!!… وانتم من قدامى ومن رواد شرب الخمر في مدينتنا، ونكن لكم كل الاحترام والتقدير.
فكان جوابهم مفاجأ لجميع، اذ قالوا بصوت واحد واجش:
– لقد فقدنا لذة الشرب لمشروبنا الروحي؛ لان الجميع يشرب منه، وهذا يجعلنا غير متمتعين به نفسياً واخلاقياً وعقلياً.
عند نهاية جلسة المحاكمة؛ اصدر القاضي الاول قرار بمنع صناعة الكحول بانواعه في المدينة، واغلاق كافة مزراع التفاح والعنب الاسود والشعير، وابدالها بزراعة البرتقال والخوخ والحنطة.
واطلاق سراح السكارى الرواد؛ ولقد عزم هؤلاء السكارى الى البحث عن مشروبهم المفضل من الخمور في السوق السوداء وبإسعار باهضة الثمن.
وفي تدقيق روتني سنوي في سجلات دائرة العقاري؛ كشف السهو الذي وقع، لتسحب مني الخمسون دونم، واودع السجن؛ حين اصدر القاضي قرار بسجني لمدة خمسة سنوات؛ ولذلك لعدم اخباري دائرة العقاري بذلك السهو الذي وقع.
انتهت.
…………………
*باهيا: مدينة برازيلية ورد اسمها في رواية ” ميتان لرجل واحد”
*الكشاسا: عرق برازيلي تقليدي يعد من اقدم المشروبات الروحية واكثرها استهلاك في تاريخ البرازيل.
*كينكاس هدير الماء: هو الشخصية الرئيسية في رواية” ميتان لرجل واحد” لروائي البرازيلي جورج أمادو.