كتب: أحمد آدم
لو ركبت من رمسيس لباب الشعرية، واتمشيت لحد شارع المعز، فلازم تمر من بوابة “الفتوح” في سور القاهرة العتيق، هناك هتلاقي قبر وانت داخل على إيدك اليمين، في ركن ضيق كدا ورا ضلفة البوابة الخشب، عليه قبة خضرا صغيرة وفوقها هلال ذهبي، ومكتوب على بابه “ضريح العارف بالله سيدي الذوق”
الحكاية دي كانت من 763 سنة، يعني تقريبًا سنة 1257م، السنة دي اللي اتقتل فيها “عز الدين أيبك” أول ملك في دولة المماليك، وكانت مصر مقصد لكل طلبة العلم الإسلامي، عشان يدرسوا في الجامع الأزهر..
جه واحد إسمه “حسن” من المغرب، عشان يتاجر في مصر ويدرس في الأزهر، وسكن في شارع المعز، عشان يبقى في حضرة جامع الحسين والأزهر..
الناس عرفته بصلاحه ورجاحة تفكيره وذوقه وأمانته، وكان شخص عفي، يحمي الحق بقوته، ومع بداية ظهور الفتونة كان هو من الرواد، فارتضاه أهل المحروسة حكم ببينهم في النزاعات، واشتهر بذوقه في معاملته فلقبوه بـ”حسن الذوق”..
عاش “الذوق” سنين كتيرة في الحي القديم بيتاجر وبيحكم في قضايا الخلايق، وعلى حسب التاريخ دا كانت الدولة على كف عفريت يعني، “شجر الدر” قتلوها، و”علي بن عز الدين أيبك” مشغول بمناقرة الديوك، والمغول على الأبواب..
فحال العوام كان لاجئ للمجالس العرفية، عشان أولي الأمر فيهم اللي مكفيهم، “قطز” هيخلع “علي” عشان يجهز الجيش والمماليك متمردين، ومش فاضيين يعني، فأمثال “حسن الذوق” كانوا هما اللي عليهم مسؤولية الحل والربط..
وفي مرة قامت عركة جامدة أوي بين فتوات المحروسة، وفشل “حسن في الصلح بين المتخاصمين، والحكاية كبرت ووصلت للحاكم العسكري في الوقتدا، فراح رامي الفتوات في السجون وريح دماغه، الموقف دا أثر في نفسية”الذوق”، وحس إن حكمته مالهاش لازمة، وهيبته بين الناس وقعت..
حزن على حال “المحروسة، ودخل صلى ركعتين لله وقرر إنه يخرج منها، بدون ما يعرف حتى لفين، وفعلًا لم حاجته في بقجة وخرج من الشارع، وساب على كل حجر من حجارة المباني نبضة، وكنس الأرض بقلبه العاشق للمحروسة، ولحد ما مر تحت قبة “بوابة الفتوح” وخرج برا السور بخطوتين، خر ميتا في الحال..
الناس اتلمت عليه، المصيبة طبت على قلوبهم بوفاة الراجل، ما هو دايمًا بنعرف قيمة الناس بعد فراقهم كالعادة، وعشان كدا قرروا إنهم يدفنوه مكان وقوعه، وفعلًا حفروا في الأرض ورا ضلفة “باب الفتوح” مكان الجيوش ما بتخرج للحرب، وبنوا حجارة ملاصقة للسور وعليها قبة وهلال زي ما في الصورة..
الحكاية اشتهرت في بر مصر كله، وتناقلتها أجيال ورا أجيال، وفيه أقاويل تانية إنها كانت في نهاية الدولة العثمانية مش في بداية دولة المماليك، على كل حال القصة دي بقت جزء من التراث الشعبي، وعمومًا احنا اتوارثنا كمصريين مَثل، بنفتكره لما تقوم أي مشاحنة بين الناس، فتلاقينا تلقائي نهدي النفوس، بس بجد بقى، ونقول للمتخاصمين:
– “يا جماعة صلوا على النبي، دا الذوق ماخرجش من مصر”.