بقلم- سمية امين :
منذ قديم الأزل والناس تتوارث مقولة: “عاش الملك.. مات الملك”. مقولة تختصر حال الدنيا بعد رحيل أي مسؤول من منصبه، إذ تتبدل المواقف وتتغير التحالفات بين ليلة وضحاها. ما إن يرحل المسؤول حتى يتنكر له البعض، بينما يسرع آخرون للاحتماء بالقادم الجديد، وكأنهم لم يكونوا يومًا من المحيطين بسابقه.
في عالم المؤسسات، تتجلى هذه الظاهرة بشكل أوضح. فما أن يتولى مسؤول جديد مهامه حتى تحيط به بطانة من أصحاب المصالح الخاصة، يزينون له الأفعال، ويرفعون من شأنه، ويظهرون الولاء المطلق، في الوقت الذي يثقلون فيه كاهل الموظفين البسطاء، الذين يواصلون عملهم في صمت ودون
اعتراف بجهودهم.
شواهد من الواقع
تجارب محلية: في بعض الأحياء أو المؤسسات الحكومية، ما أن يغادر رئيس حي أو مدير إدارة، حتى تتغير لغة الخطاب تمامًا؛ فالمقربون منه بالأمس يصبحون أول من يهاجمونه، بينما يسارعون اليوم إلى إعلان الولاء الكامل لمن جاء بعده.
على مستوى الوزارات: كم من وزير حظي في بداية مشواره بتأييد مطلق من بطانته، قبل أن تتكشف لاحقًا حقائق عن سوء إدارة أو فساد، كان لأصحاب المصالح نصيب في تزيينها والتغطية عليها.
تجارب تاريخية: كتب التاريخ السياسي مليئة بأمثلة عن قادة أطاح بهم المحيطون بهم، بعدما أضاعوا البوصلة بسبب تصديقهم لإشادة البطانات المضللة.
الخطر الحقيقي
الخطر لا يكمن في رحيل مسؤول أو مجيء آخر، بل في “بطانة السوء” التي تتلون بحسب المصلحة، وتنقل ولاءها من شخص لآخر في لمح البصر. هؤلاء يشكلون معول هدم لأي قيادة، لأنهم يحجبون عنها الواقع الحقيقي، ويحولون الأخطاء إلى إنجازات، ويكسرون عزيمة الموظفين الشرفاء الذين يعملون في صمت.
القيادة الواعية هي الحل
ما يميز القيادة الحكيمة هو قدرتها على التمييز بين المخلص والمنافق. فالمسؤول الواعي لا ينخدع بالكلمات المنمقة، بل ينظر إلى النتائج، ويقيس العمل بما يُنجَز على الأرض، ويتعلم من تجارب من سبقوه، حتى لا يقع في نفس الفخاخ.
إنها معركة بين من يعمل لمصلحة الوطن والمجتمع، وبين من يعمل لمصلحة شخصية ضيقة. وهنا فقط يظهر المعدن الحقيقي للقائد: هل سيقع في فخ “عاش الملك.. مات الملك”؟ أم سيكون قائدًا مختلفًا يختار بطانة صالحة، تعينه على خدمة الناس لا على خداعه؟
التعليقات مغلقة.