قبائل الهونزا … حلقة 1
بقلم دكتور- هشام فخر الدين :
لا شك أن الكثير من الناس في ظل ما أحدثته التكنولوجيا من طفرات ومن تقارب بين مناطق العالم، مما جعل العالم أشبه بقرية صغيرة يؤثر بعضها في البعض الأخر على الرغم من البعد الزمنى والمكانى. ومن ثم يبدو من غير الممكن أن توجد مجتمعات لا تعرف شيئاً عن هذا التقدم والتقارب، إلا أن الواقع أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك بالفعل مجتمعات منعزلة تماماً ولا يهمها ذلك التقدم بتعقيداته، وما يتيحه من فرص وما يفرضه من تحديات.
فهناك علم يسمى بالأنثروبولوجيا والذى يهتم بدراسة الإنسان من جميع جوانبه ومجتمعه، ويعني العلم الذي يدرس سلوك الإنسان، من حيث إنه يعيش في مجتمع له ثقافة اجتماعية معينة، وهذا الإنسان له سلوك محدد ويمارس نشاطاتٍ محددة، أيضاً يقوم هذا العلم على دراسة الحياة البدائية والحياة المعاصرة الحديثة للإنسان والتنبؤ بمستقبله، بالاعتماد على تطور الإنسان عبر التاريخ.
ففي الوقت الذي لا يزال فيه الإنسان يبحث عن إكسير الخلود الدائم منذ آلاف السنوات، حتى تحول الأمر لأسطورة تاريخية. يبدو أن شعباً واحداً يعرف كل هذه الأسرار التي تُمكنه من العيش طويلاً بصحة وعافية. إنهم شعب الهونزا المسلم، الذين يعيشون في شمال باكستان؛ إذ أن متوسط أعمارهم لا يقل عن الـ100 عام، وليس غريباً أن الكثير منهم يعيشون لعمر الـ150 عاماً.
ويعيش شعب الهونزا بالقرب من جبال كاراكورام، في مكان يطلق عليه وادي الخالدين، وهم قبائل مسلمة، يبلغ عددهم قرابة الـ920 ألف شخص. والشىء الغريب أنهم لا يمرضون أو يشيبون، وعمر الـ70 عاماً يعتبر مرحلة الشباب لديهم، فالرجال والنساء بصحة ممتازة وبشرة نضرة كالأطفال تماماً، وليس غريباً أبداً أن يصل عمر الفرد منهم إلى 150 عاماً، والنساء يستطعن الحمل والولادة بأعمار الـ70 والـ80 عاماً.
ويعد ما حدث بالعام 1984 في مطار لندن كان السر وراء معرفة شعب الهونزا؛ وذلك بعد أن تم توقيف شخص منهم في المطار، يدعى عبدمبندو، كان مكتوباً بجوازه سفره أنه من مواليد العام 1932، لكنه كان يبدو وكأنه شاب بالثلاثينات، رغم أنه حينها كان بالعقد الخامس من العمر، وبعد استجوابه؛ تحدث لهم عن شعبه، وكيف يعيشون هناك.
ويعد البعد عن المدينة وضجيجها، وعن التكنولوجيا التي تسبب الكسل، والعيش بين الجبال؛ أهم أسرار شبابهم الدائم وأعمارهم الطويلة، فهم لا يأكلون سوى الخضراوات والفواكه، ويأخذون البروتين؛ عبر تناول القليل من الحليب والبيض والجبن. ولا يشربون سوى العصائر الطبيعية الطازجة لشهرين أو ثلاثة أشهر فقط في العام، وإلى جانب ممارستهم اليوغا دائماً، فهم معتادون على السير لمسافات طويلة جداً لا تقل عن 20 كيلومتراً يومياً.
فحياتهم البدوية وانسجامهم مع الطبيعة والجبال، جعلتهم لا يصابون بأمراض العصر الجديدة، فهم لا يعرفون أمراض السرطان؛ كونهم يتناولون الكثير من المكسرات المجففة التي تحتوي على B-17، الذي يتحول إلى مادة مضادة للسرطان بالجسم، كما أنهم لا يعرفون السكري، البدانة، ضغط الدم، عسر الهضم، أو قرحة المعدة، وغيرها من الأمراض؛ لأنهم لا يصابون بها، ولم تصلهم أياً من الأوبئة القاتلة التي تنتشر في باقي أنحاء العالم، والشيء الوحيد الذي يعانون منه هو اضطرابات العين؛ بسبب الدخان الناتج عن نار الطبخ وإعداد الطعام فقط.
وشعوب الهونزا لديهم قدرة على التحمل غير عادية أو معتادة لدى البشر، فالرجل لديهم يمكنه السير في نهر جليدي عارياً بفصل الشتاء دون أن يتضرر جسده أو يشعر بالضعف.
ومن ناحية العمل فليست لديهم صناعة أو تجارة تمدهم بالأموال أو تمنحهم وضعاً اقتصادياً مستقراً، سوى المشاركة في بعض الأسواق لبيع الفاكهة والخضراوات، والتي لا تمنحهم الكثير من المال، ولذلك تعيش تلك القبائل على المعونات المالية من المنظمات الدولية.
التعليقات مغلقة.