مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

فيلم “الست” بين الإبداع والتحريف

بقلم – حسن غريب أحمد: 
ناقد باحث 
أثار فيلم “الست” الذي تناول سيرة أم كلثوم، سيدة الغناء العربي، جدلاً واسعًا منذ عرضه، ليس فقط بسبب التحديات الفنية في تصوير حياة أيقونة وطنية، بل بسبب ما اعتُبر تشويهًا متعمدًا لصورة واحدة من أهم الشخصيات الثقافية في مصر والعالم العربي.
أول ما يلفت النظر هو أن الفيلم اختار أن يقدم سردًا دراميًا يتخلله ما يمكن وصفه بـ”التأويل الحر”، بعيدًا عن الحقائق التاريخية.
 أم كلثوم، التي شكلت رمزًا للوطنية والفن والعمق الإنساني، لم تعد في الفيلم سوى شخصية عابرة للأحداث، تُجسد نزاعات وتفاصيل لا تتوافق مع شهادات من عاشوها عن قرب أو مع المواد التاريخية والوثائقية التي تتناول حياتها ومسيرتها الفنية.
هذا التشويه، مهما كانت النوايا الإبداعية وراءه، يمثل خطورة على الوعي الجمعي للأجيال الجديدة. فالأطفال والشباب الذين ينظرون إلى هذا الفيلم كمصدر لمعرفة سيرة “الست” قد يكوّنون تصورًا مشوّهًا عن شخصية كانت بمثابة هرم من أهرامات مصر الثقافية والفنية. إن تحويل السيرة الذاتية لأيقونة وطنية إلى مادة درامية تحمل تحريفات قد يُفهم على أنه حرب على الرموز الوطنية، وهي حرب لا تبدأ بالكلمة بل بالصور والمشاهد السينمائية التي تبقى عالقة في الذاكرة أكثر من أي كتاب أو مقال تاريخي.
على صناع الفيلم أن يدركوا مسؤوليتهم تجاه التراث الثقافي، وأن التزامهم بالحقائق لا يقل أهمية عن الجانب الفني. 
الإبداع لا يعني قلب التاريخ، ولا يمكن للفن أن يصبح وسيلة لتشويه أيقونات وطنية قدمت لأجيال بأكملها دروسًا في الصمود والإبداع والوفاء للقيم.
في النهاية، يبقى التساؤل المطروح: هل الفن في عصرنا أصبح أداة للابتكار فقط، أم يجب أن يتحمل أيضًا عبء الحفاظ على الحقيقة التاريخية والرموز الوطنية؟
 أم كلثوم ليست مجرد فنانة، بل هي رمز حضاري له عمق اجتماعي وثقافي، لا يمكن اختزاله في مشاهد درامية مختلقة.