مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

فضفضة

بقلم: محمد الجندي

نبدأ بآخر الأحداث.. لو أن كل مصري أصيل ذهب إلى لجنة الانتخابات وهو عاقد العزم على إعطاء صوته لمن يستحق بأمانة، ولو أن كل شخص واعي التقى في طريقه بإنسان بسيط وأفهمه احتياجات بلدنا الحقيقية، وأقنعه بأن ذلك المبلغ الزهيد أو “شوية السلع” التي لا تكفيه إلا يوماً أو يومين هي ثمن بخس لبيع الوطن.. لما وصلنا إلى هذا الحال. ولو توقفنا عن رؤية فيديوهات التزييف واستغاثات المواطنين المستمرة في كل المحافظات، لكان حالنا اليوم غير هذا الحال.

لو أن كل من يركب حافلة أو “ميكروباص” ركز في شؤونه وفي كيفية توفير لقمة العيش الكريمة لأسرته والمساهمة في عمل خير يكافئه الله عليه، بدلاً من أن ينصب نفسه وزيراً أو مأموراً أو رئيساً للمباحث أو محافظاً.. لو عرف كل واحد منا قدره ودوره في المجتمع، لما آل بنا الحال إلى ما نحن عليه.

أما ذلك الموظف المكلف باللجنة الانتخابية، الذي يوجه الناس لانتخاب شخص بعينه لأنه “قابض يومية” (سواء كانت ألفاً أو أكثر)، فأنت بذلك خنت وطنك ولا تُؤتمن عليه؛ أنت كالجندي الذي هرب من الميدان. فكر قليلاً؛ فذلك المرشح الذي حاربته من أجل المال، ربما كان الأقدر على توفير جهاز طبي ينقذك أنت أو قريبك يوماً ما.

لو قام كل مسؤول أو رئيس مصلحة بدوره الذي يتقاضى عليه أجره، ورفض تنفيذ أي أمر مخالف للقانون بوازع من وطنيته، لما تجرأ الفاسدون على استباحة كل شيء لمصالحهم الخاصة.

حتى في حياتنا اليومية؛ لو كفّ الجالسون على المقاهي و”المصاطب” عن نهش أعراض الناس وتتبع عوراتهم، لصلح حالنا. ولو أن كل أب لديه ابن تورط في قضية مخدرات أو سلاح، رباّه على الحلال والحرام وعرّفه أن هناك قانوناً رادعاً، لما وصل ابنه إلى خلف القضبان.

قد يهمك ايضاً:

الشكر الكامل في قولة اعملوا آل داوود شكرا 

أحمد سلام يكتب سيرة “الست” !

من يعيش في عشوائية فكرية، يكتفي بالأكل والنوم والبلطجة وسب الدين، لو عرف طريق المسجد وصلى ركعتين بإخلاص، لعاش محترماً يكفي الناس شره. ولو تعلم الناس العيش على قدر دخلهم، لما غرقت البيوت في ديون “إيصالات الأمانة” والمحاكم.

وعن مأساة التجهيز: تلك الأم التي تصر على شراء “جهاز” بمليوني جنيه، وتدفع بالأب للتوقيع على إيصالات تفوق طاقته حتى يجد نفسه على باب السجن، من أجل تزويج ابنتها لشخص “مستهتر” بلا مهنة يبيع أثاث البيت ليصرف ثمنه.. ألم يكن بقاء البنت في بيتها أكرم لها ولأهلها؟

كذلك الموظف الشاب الذي بدأ عمله بالأمس، ويطالب براتب يساوى زميله الذي خدم 33 عاماً وتحمل أعباء تربية أبناء في الجامعات.. لو عرف قيمة التعب والخبرة لما ساد الحقد.

ولو قام مفتش التموين بدوره بـ”يد من حديد” في المستودعات، لما استلم الموزع الأسطوانة بـ 225 جنيهاً ليبيعها بـ 250 أمام بيتك بينما ربحه القانوني لا يتعدى 10 جنيهات. ولكن “المرتبات الشهرية” غير القانونية و”كسر العين” صارا سمة هذا الزمان.

حتى “طبان الطريق” أمام المنازل، هو ملك للدولة وللمرافق وللمشاة، وليس مساحة خاصة للتعدي والتبجح. ومن يمسك بخرطوم المياه ليرش الشارع باستهتار، لو علم تكلفة تحلية المياه وأن فعلته هذه تمنع وصولها لغيره في الأدوار العليا، لما فعل ذلك.

أما سائق “التوك توك”؛ فلو احترم آدمية الطريق وكفّ عن إزعاج المرضى في العيادات والمنازل بأصوات السماعات الصاخبة التي تجلب له ولأهله السباب، لكان خيراً له وللمجتمع.

هذه مجرد “فضفضة” بسيطة من واقعنا.. ونلتقي بعد يومين في فضفضة أخرى.