بقلم – الدكتور خالد فواز:
تُعد ظاهرة غسل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية في العصر الحديث، إذ تهدف إلى إضفاء صفة الشرعية على الأموال المتحصلة من أنشطة غير قانونية مثل تجارة المخدرات، الأسلحة، الفساد، والاتجار بالبشر. وتُستخدم في هذه العمليات وسائل معقدة تتنوع بين التحويلات البنكية، الشركات الوهمية، والاستثمار في العقارات، بهدف إخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال.
تمر عملية غسل الأموال بثلاث مراحل أساسية:
1. الإيداع: إدخال الأموال غير المشروعة في النظام المالي، غالبًا من خلال تقسيم المبالغ الكبيرة إلى ودائع صغيرة لتجنب الشبهات.
2. التغطية (التمويه): تحويل الأموال عبر حسابات وشركات متعددة لإخفاء مصدرها.
3. الدمج: إعادة دمج الأموال في الاقتصاد الرسمي عبر استثمارات أو مشتريات مشروعة.
تاريخيًا، يعود مفهوم غسل الأموال إلى عشرينيات القرن الماضي خلال حظر الكحول في الولايات المتحدة، حين لجأ المجرمون مثل آل كابوني إلى غسيل أرباحهم من خلال مغاسل سيارات حقيقية. ورغم تطور الأدوات القانونية والرقابية، لا تزال الظاهرة قائمة. ويُعد تحقيق BuzzFeed عام 2020 دليلًا على ذلك، حيث كشف عن تورط بنوك كبرى في تسهيل عمليات غسل أموال وصلت قيمتها إلى نحو 2 تريليون دولار.
الأثر الاقتصادي لغسل الأموال خطير ومركب، إذ يؤدي إلى:
ارتفاع التضخم نتيجة دخول أموال غير مغطاة بإنتاج حقيقي.
زعزعة الثقة في النظام المصرفي، خصوصًا عند اكتشاف تورط بنوك في تسهيل هذه العمليات.
انخفاض قيمة العملة المحلية بسبب خلل التوازن النقدي.
إضعاف الاقتصاد الرسمي نتيجة تفضيل المستثمرين للسوق السوداء أو القنوات غير الشرعية.
تفشي الفساد والبطالة نتيجة تغييب العدالة الاقتصادية وتشجيع الأنشطة غير المنتجة.
مواجهة هذه الظاهرة تتطلب نهجًا متعدد الأبعاد، يشمل:
تطوير التشريعات وتجريم كافة أشكال غسل الأموال.
تعزيز الرقابة على العمليات البنكية والمالية، خاصة تلك المرتبطة بأنشطة ذات دخل مرتفع.
تدريب الموظفين المصرفيين على اكتشاف الأنماط المشبوهة.
تشجيع الشفافية المالية، وتفعيل التعاون الدولي لملاحقة الشبكات العابرة للحدود.
في الختام، غسل الأموال ليس مجرد جريمة مالية بل تهديد مباشر لاستقرار الدول. والتصدي له مسؤولية مشتركة بين الحكومات، البنوك، والمنظمات الدولية، لضمان بيئة اقتصادية عادلة ومستقرة تعزز الثقة وتُحقق التنمية المستدامة.