كتب – محمد صبحي:
توقيع مصر وروسيا بروتوكول استئناف الطيران، قبل يومين خلال زيارة وزير الطيران المدني، شريف فتحي إلى العاصمة الروسية موسكو يمثّل لدى كثير من المراقبين والعاملين في قطاع السياحة نهاية سعيدة لعام ٢٠١٧، بل ونهاية طال انتظارها لسنتين من السنوات العجاف التي عانت فيهما السياحة المصرية الكثير من الخسائر المتلاحقة منذ سقوط الطائرة الروسية أواخر عام ٢٠١٥، لكن هل يعني عودة الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة وموسكو، مطلع فبراير المقبل، نهاية أحزان السياحة المصرية؟.
الإجابة على هذا التساؤل ليست دربا من التخمين، بقدر ما تتطلب قراءة واقعية ونقدية في الوقت ذاته لمخططات السياحة المصرية على المديين المتوسط والطويل، فعلى المدى القصير نجحت السياحة المصرية في تعويض جانبا من خسائرها منذ مطلع العام الجاري، حيث قفزت إيرادات مصر من قطاع السياحة بنسبة 170% لتصل إلى 3.5 مليار دولار، في أول سبعة أشهر من ٢٠١٧، في حين زادت أعداد السياح الوافدين إلى البلاد بنسبة 54%، وجاء هذا التحسن بدعم من زيادة أعداد السياح الوافدين من ألمانيا وأوكرانيا.
لكن على المديين المتوسط والطويل تبدو السياحة المصرية بحاجة إلى مراجعات عميقة لرويتها وأهدافها وأدواتها، فرغم أن التوقعات لأرقام السائحين مع توقعات عودة السائحين الروس إلى المقاصد المصرية في ابريل المقبل لا تتجاوز ٨ ملايين سائح، إلا أن هذا الرقم يقل كثيرا عن الرقم القياسي المسجل عام ٢٠١٠، وهو 14.7 مليون سائح، وهوى هذا العدد إلى 9.8 مليون سائح في 2011، وإلى نحو 4.5 مليون سائح في 2016.
والواقع أن مصر تمتلك الكثير من المقومات الطبيعية والتاريخية التي تؤهلها لأن تكون واحدة من أكبر مناطق الجذب السياحي ليس في المنطقة وحسب، بل في العالم كله، إلا أن القصور الذي تعانيه السياحة المصرية على مستوى الخطط التسويقية والرؤية التي تحكم المناطق والطبقات المستهدفة، يمثل عائقا حقيقيا، لأنها تبقى أسيرة لما يطلق عليه “سياحة الفقراء”،التي تعكس تدني مستويات الدخل والانفاق للغالبية العظمى من السائحين الوافدين إلى مصر، فضلا على اقتصار جهود الجذب السياحي على مجموعة ضيقة من الأسواق الأوروبية، دون الانفتاح على أسواق تمثل فرصا هائلة للجذب السياحي مثل الصين واليابان، وحتى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
وليس من قبيل المبالغة القول أن التوقعات التي تقدمها العديد من المؤسسات الدولية لإسهام السياحة في مستقبل الاقتصاد المصري يمكن ان تتضاعف، إذا ما تغيرت مدخلات الحركة السياحية كميا ونوعيا، سواء بزيادة أعداد السائحين، أو بالارتقاء بنوعياتهم، وبالتالي معدلات انفاقهم، فبحسب تقرير صادر عن المجلس العالمى للسياحة والسفر فإن المساهمة المباشرة للسفر والسياحة إلى الناتج المحلى الإجمالى في مصر من المتوقع أن تنمو بنسبة 5.6% لتصل إلى 153.8 مليار جنيه (3.9% من الناتج المحلى الإجمالي) بحلول عام 2027، أما المساهمة الكلية لصناعة السياحة فى توفير فرص عمل غير مباشرة، فبلغت مليون و763 ألف وظيفة، بنسبة 6.6% من إجمالى العمالة عام ٢٠١٦، وانخفض هذا المعدل بنسبة 7.0% فى عام 2017 ليصل إلى مليون و639 ألف وظيفة، ومن المتوقع أن يرتفع بنسبة 4.6% سنويا إلى 2.57 وظيفة عام 2027 (أى 7.6% من الإجمالى).
هذه الأرقام – رغم أهميتها – لا تعكس حجم ما تمتلكه مصر من مقومات، خاصة إذا ما قورنت بما حققته دول تمتلك مقومات أقل، فعلى سبيل المثال نجحت تايلاند في اجتذاب ٣٣ مليون سائح خلال العام الماضي من مختلف المستويات الاقتصادية، رغم أنها لا تتمتع بتنوع المنتج السياحي المصري.
ما نحتاجه فعليا في المرحلة المقبلة هو أن نستفيد من الدروس القاسية للمحنة الروسية، فلا نضع بيض السياحة كله في سلة واحدة، فتنويع المنتج السياحي، وكذلك تنويع الأسواق ومستويات السائحين المستهدفة، وكذلك استخدام حملات تسويقية مبتكرة بعيدا عن تلك الأدوات التقليدية التي افتقدت تأثيرها على مدى السنوات، كلها استراتيجيات تبدو كفيلة بأن توفر للسياحة المصرية صمامات أمان فعالة ضد الأزمات الخانقة، وأن نقول فعليا أن عودة الرحلات الروسية هي نهاية لأحزان السياحة المصرية