أحمد الشرقاوى
- أكد المؤرخ الشريف محمد بن علي الحسني، رئيس الرابطة العلمية العالمية للأنساب الهاشمية أن ذكر الشهداء ليس مجرد استحضار لتاريخٍ مضى، بل هو تجديد للعهد معهم في كل عام، كما علّمنا سيدنا رسول الله ﷺ بسنّته العملية، حيث ظل صوته الشريف يردد في لحظة وفاءٍ خالدة: «لكن حمزة لا بواكي له».
وأضاف أن هذه الكلمات النبوية الموجعة لم تكن بكاءً مجردًا، بل كانت تأسيسًا لمعنى عميق، يكشف أن الوفاء للشهداء فريضة معنوية لا تسقط بمرور الزمن، وأن الصلة بهم سنة تربوية وروحية ينبغي أن تحيا في وجدان الأمة.
وأشار إلى أن من السنن العزيزة التي يغفل عنها كثير من الناس اليوم، سنةٌ نبوية تجلّت في أواخر حياة سيدنا رسول الله ﷺ، وهي سنة الزيارة الحولية لسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، عمّه وأخيه في الرضاعة، وأحد أحبّ الناس إليه.
وقد ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله ﷺ إذا كان عند رأس كل حول، أتى قبور الشهداء فقال: السلام عليكم بما صبرتم، فنِعْمَ عقبى الدار».
وأكد الشريف الحسني أن هذا النص النبوي يكشف عن نظام دقيق وضعه النبي ﷺ بنفسه، نظام للزيارة السنوية، لم يكن عابرًا ولا عاطفيًا، بل ممارسة منتظمة ترسخ في الأمة فقه الوفاء والاعتراف بالفضل، وربط الحاضر بالماضي، والأحياء بالأموات.
وأضاف أن زيارة النبي ﷺ لعمه حمزة رضي الله عنه لم تكن تخلو من حنينٍ وبكاء، حتى قال في مشهدٍ بالغ التأثير: «لكن حمزة لا بواكي له». وهو تعبير يختصر مشاعر النبي ﷺ العميقة تجاه عمّه، ويكشف عن عظيم منزلته في قلبه الشريف.
وأشار إلى أن أهل الفقه والعرفان قد استلهموا من هذا الهدي النبوي مفهوم الزيارة الحولية، أي تخصيص وقت سنوي ثابت لزيارة قبر وليّ من أولياء الله، أو شهيد، أو عالم، أو من لهم فضل في الدين أو القرابة، لتكون هذه المناسبة موعدًا للتلاقي، والتذاكر، والدعاء، وإحياء الروابط الروحية بين الأحياء والأموات في سياقٍ من الرحمة والتواصل.
وأكد الشريف أنه قد سعد اليوم، بفضل الله، بزيارة المصطفى ﷺ، وعمه سيد الشهداء حمزة، وأهل بيته الطاهرين، وصحابته الكرام في البقيع، فوجد في قلبه نورًا وسكينة، وأحس أنه يقتفي أثر سنةٍ عظيمة طالما أحبّ النبي ﷺ أن تتوارثها أمته من بعده.
وأضاف أن زيارة القبور ليست مجرد وقوفٍ على تراب، بل هي إحياءٌ لسنة نبوية، وتجديدٌ للعهد، وامتدادٌ لرحمة محمدية لا تنقطع. وحين تتحول الزيارة السنوية إلى ممارسة قائمة على الحب والصدق والاتباع، فإنها تصبح مدرسة للقلوب، ومنبعًا للسكينة، وسبيلًا للوصال بين الأرض والسماء.
وأشار في ختام قراءته إلى أن الأمة أحوج ما تكون اليوم لإحياء هذه السنن النبوية المغفول عنها، لما فيها من دروسٍ في الوفاء، وتربية على الصلة بالفضلاء، وتذكيرٍ دائم بأن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون، وأن الرحمة المحمدية تتسع للأحياء والأموات على السواء