مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون
آخر الأخبار

عندما نحت المصري القديم وحدة الوطن

بقلم – شيماء بركات:

جسد الفنان المصري القديم مفهوم وحدة الوطن بطريقة بصرية مدهشة، تظهر بوضوح في التمثال الشهير للملك منكاورع، أحد ملوك الأسرة الرابعة. ففي هذا العمل الفني الفريد، نرى الملك واقفًا بين الآلهة، وتحديدًا الإلهة حتحور وإحدى المعبودات الإقليمية التي تمثل مقاطعات مصر.

 

لم يكن هذا التكوين الفني مصادفة، بل جاء معبرًا عن فلسفة الحكم والدين والإقليم، إذ يظهر الملك بحجمٍ مساوٍ للآلهة، ما يرمز إلى مكانته شبه الإلهية في نظر المصريين القدماء، ويعكس الاحترام الهائل الذي كان يتمتع به الملك بصفته الحاكم الإلهي للأرض.

 

قد يهمك ايضاً:

حياة النساء بين الرصاص …والتبرير

هذا التمثال الثلاثي لم يكن مجرد مشهد جمالي، بل كان أيقونة فنية تعبر عن القوة الإلهية والسياسية، وتمثل رؤية المصري القديم لعلاقة الملك بالآلهة والشعب. واللافت في هذا العمل هو خامته، حيث نُحت من حجر الشست، وهو من أصلب الأحجار التي يصعب التعامل معها حتى بأدوات العصر الحديث، مما يدل على مهارة لا تُضاهى في النحت ودقة في التنفيذ تُثير الإعجاب حتى اليوم.

 

إن براعة الفنان المصري القديم ظهرت في أدق التفاصيل، من تعبيرات الوجوه إلى النقوش الدقيقة التي زُينت بها الأجساد، وكلها نُقشت على حجر صلب بمنتهى الإتقان. لم يكن النحت مجرد زخرفة، بل كان وسيلة لتوثيق التاريخ، وتسجيل العقيدة، وتجسيد الهوية المصرية.

 

فالفن المصري القديم لم يكن يومًا ترفًا بصريًا أو تجميلًا للفراغات، بل كان سجلًا بصريًا متكاملًا، عبر عن الروح والعقيدة والواقع السياسي والاجتماعي. وهو بذلك يشكّل أحد أهم المكونات الأساسية للوعي الجمعي والحضاري، ومرآة حقيقية لفلسفة الحياة عند المصريين القدماء.