إنتهيت من المشهد الأول عند دخولي الباب العِملاق بأنِ رأيت أطفالًا يلعبون ويلهون وملابسهم مُتسخة ولكن يبدو على وجوههم البهجة والسرور ، إتجهت نحوهم السلام عليكم ياصغار لم يلتفت لي أحد فجلست أمامهم أشاهد ماذا يفعلون ، فهُناك منهم من يصيح بصوت عالٍ نحوّ لُعبة ما وآخرُون يجلسُون على الأرض كـ إجتماع عِلمي أو مناقشة أمر هام ، وتارة يتنمرُون بعضهم بعضًا ، وفريق يُشكل عصابة علي بابا والأربعين حرامي وألخ .. ، ووسط هذا الضجيج سمعت صوت بُكاء ومن أين يأتي هذا لا أعلم والصوت يعلو تارة وأخرىَ !! وأنا أنظر حولي لم أرىَ شيء حتى قمت بحثًا عنه ، وإذن وجدُت طفلٍ صغير يرتجف وينهار وهو مُختبأ وراء سورٍ قصير منكمش جسده كأنه لا يريد أن يراه أحد ولكن رجفة البكاء لديه هي من فضحة أمره وتمكنت انا من العثور عليه .
وعندما إقتربُت منه ما بك ياغلام ؟ نظر لي وهو يرتجف وعيناه يملؤُها الدموع ! رد قائلًا لقد فقدت أبي وأمي وسط هذا الزحام ولم أعثر عليهم وإختبأت بهذا المكان خوفًا أن يأذينني أحد الكلاب الضالة أو يأكلني الذئب ! فحينها دار فكري على أن أطمئنه وأنزع منه هذا الخوف الجثيم ، ويبدو عليّ بأنني توفقت في هذا وأمسحت بيدي على رأسة لا تخف يابُني سوف أصطحبك حتى نلتقي بوالديك .
وبدأنا الرحلة ترجيلًا على الأقدام والطفل مُمسك يدي بقبضته وهو يلتفت يمينًا ويسارًا مُرددًا أين أنت يا أبي وأين ذهبتي يا أُماه ! وبعد بضعة وقت ارهقنا التعب فجلسنا على إحدي القهاوي البلدي حتى نسترح قليلًا ونعود إلى البحث ، وجدنا أثنان من الشباب يتحدثون بعضهم البعض عن كم الود والتقدير والحب المتبادل بينهما ؛ أغمرنا حديثهما وتسارحنا معهم في بعض القصص التي يسردونها مُمدح أحدهما الأخر وسرقنا الوقت من الزمن حتى تحدثت مع الغلام هيّا بنا لِنُكمل ما بدأناه ، رد عليّ قائلًا بل ننتظر حتى ينتهوا من جلستهما المشوقة ، ووقتها إشتدّ الصغير لهما وطلب مني أن يشاركوننا عملية البحث .
وبالفعل عرضنا عليهما الأمر وكان الإستقبال بكامل الترحاب ياله من مواقف نبيلة لتخفيف الأعباء عنا ، وقمنا تارة أخرى بالبحث وتقمصنا دور البوليس في هذه العملية وتوزعنا إلى فريقين ، فأنا مع الشاب المُمدح صديقه صاحب المواقف الجيدة والغلام اصطحبه الأخر والذي يصل منّا لشيء يُبلغ الأخر بعد الإتفاق على المكان المتفق عليه ، وصار بيني وبين الشاب حديث طويل يخُص كم هو نبيل الوفاء بين الأصدقاء .
وكان المُمدح طوال الرحلة لا يكُف عن الحديث لمواقف رفيقه وكم هو أخ لم تلده أمه فهو صادق أمين في كل شيء ولم يخذله منذ أن تعرف عليه ، قائلًا فهو شاب من أسرة بسيطة ويعمل في إحدي الشركات الخاصة ، وأنا صادفته حينها بحكم شغلي مورد لهما بعض المستلزمات وصار بيني وبينه إرتباط وصل إلى حد الإخوة ، فأنا أعيش في فيلا بمكان هاديء ولديّ الكثير من المال وهذا بفضل ربي ، وعندما تعرضت لكارثة تبدو أنها دمرت لي حياتي رأسًا على عقب فلم أجد بجواري سوا هذا النبيل الذي أفنى وقته معي في هذه المحنة التي تسير بعواقب حتى الأن .. وللحديث بقية .