بعد مشاهد اليوم التي أراها بعيني ويشمئز لها قلبي من عبس وفقدان الأصول ؛ وبتر صِلة الأرحام وتقديس العلاقات وكسر الخواطر ؛؛ أخذني الحنين إلى الماضي وأنا كعادتي السيئة أحب أن أخلو بفنجان القهوة الخالي من السكر حتى لا أغفُو من نسيم الذكريات وحواديت الزمن الذي كان يليق بالقلوب الخضراء .
فعندما كُنت طفل لا أفقه شيء سوى المدرسة والمذاكرة وحل الواجب خوفًا من الأستاذ واللعب واللهو ، كان هُناك ما يحدث من الغرابة التي لا يستوعبها صغير ؛؛ بل وهي حينما يتوفى أحد الأقارب أو الجيران أو حتى غريب يسكن قريتنا ، من وقت هذه اللحظة يسوُد الحزن على القرية بأكملها وكأنه شيء مُقدس ، وأنا الغافل عمَّ يحدث !! .
فَكُنت أرى الرجال يتسارعون على تأدية واجب العزاء والمواساة لأسرة الفقيد ، والمساعدات المعنوية والمادية دون أن ينظر الأخر لم فعل ؛؛ والنساء ترتدي الجلباب العباءة السوداء حداد على روح المتوفي وكأنها طقوس دينية لا يمكن الخروج عن هذا النص ! .
وكان يحدث شيءً من الغرابة وهو غلق التليفزيون لمدة أربعون يومًا بعد الوفاة مباشرةً ؛؛ وبعد هذه المدة ممنوع منعًا باتًا أن يعلوُ صوته حتى لا يسمعه أحد المارة فَتُحسب على صاحب الدار بأنه شامت أو فارح وكأن الناس يعبرون عن حزنهم بذلك الأمر ؛؛ .
وفي اليوم الموعود مات عم أبو حسن الرجل العجوز اللي كان على أول الشارع ، وهو ليس من أهل القرية بل هو غريب عنها ؛؛ وهُنا حصل مشهد فارق بأن الجيران قاموا بجميع مراسم الدفن والعزاء وكأنه من أهل هذه البلدة وله فيها أقارب وأصدقاء ! .
وذات يومٍ وأنا جالس على الحضير في بيت جدّي الذي كان بالطوب الني وكُنت من عشاق هذا المنزل بروحانياته الجميلة ، تارك منزل أبي الذي كان بالطوب الأحمر والمسلح ؛؛ ومن هنا حدثت الفاجعة التي لم أكن أعلم عواقبها وهي بأنني فتحت التليفزيون وهو مغلق حداد على روح عم أبو حسن ؛؛ وأنا العاشق لبرنامج ماما نجوى ! وإذن إستمع بصوت عنتري ما الذي فعلته بجانب التبويخ ، وشد فيشة التليفاز وقطعها ؛؛ حتى لا أقوى على تشغيله مرةً أخرى ! .
اليوم أرى حالة وفاة ويليها بشارع أخر زفاف وطبل وزمر ورقص في حين مراسم العزاء والمواساة بجانب أخر لا يتعدى المترات ؛؛ بدون خجل أو مراعاة مشاعر الأخرون تحت مسمى مقولة هزلية وهي الحي أبق من الميت !! بل كان يحدث العكس من زمن ليس بعيد ، في حين الحزن يسود على الجميع ، وفي الفرح الناس يشاركون بعضهم البعض .
الريف كان يمثل الأعراق والأصول بشكل مقدس وشراء الخواطر وجبرها ، فـ والله كانت تُقام مراسم الزفاف وعند خبر وفاة أحدهم يُلغى كل شيء ويتم التأجيل تقديرًا وخوفًا على مشاعر الغير ، اليوم نفقد أشياءً كثيرة وأهمها هو إنعدام الحياء والتبجح بشكل مبالغ فيه ، فأنا لست مشفق على فاقدي الأصول الذي لا يشتري حب الناس ويفضل نفسه عن الجميع ! وينتقد وهو الأحمق ! .
فعودُو إلى رشدكم يرحمكم الله ، وللحديث بقية .