عصمة الإسلام.. مقال للكاتب الكبير عبد الرحمن علي البنفلاح
عصمة الإسلام
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
عصمة الإسلام كامنة في عصمة كتابه (المعجزة)، وفي كمال تشريعاته ونظمه، فأصله موجود في الوحي الذي نزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في كتاب ظل يتحدى الله تعالى به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مفتريات من مثله، أو حتى بسورة واحدة، فلم يقدروا ولن يقدروا؛ لأنه وحي نزل من اللوح المحفوظ، وهو كلام الله تعالى، وكلامه سبحانه لا يقدر بشر أن يأتي بمثله.
تكفل الله تعالى بحفظ هذا الكتاب، وصانه من التحريف والتبديل، قال تعالى: «إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» (الحجر: 9)، وعندما حاول خصوم الإسلام أن يتطاولوا على القرآن وأن يشككوا في مصدره الإلهي، قال الله تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» (النساء: 82)، وفي هذه الآية إشارة بيِّنة على الوحدانية، وأنه لو كان هناك أكثر من إله لتعارضت إرادتهما، واختلف كلامهما ولوجدنا في كلامهما اختلافا كثيرا.
وقال سبحانه عن عصمة هذا الكتاب المعجز من التحريف والتغيير: «وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)» (فصلت).
كل هذه الضمانات والعهود والمواثيق تدلل على أنه لا مجال للشك في عصمة الإسلام بعصمة كتابه الذي جمع بين المعجزة الدالة على صدق الرسول المبلغ عن الله تعالى، والتشريع الذي ينظم حركة المسلم، ويربط وجوده مع الوجود والموجودات من حوله، وهو كذلك منهاج يرسم الحدود التي ينبغي على المسلم عدم تجاوزها، والحدود التي يجب عليه ألا يقترب منها، وهو فوق ذلك كله ميزان لا يضل ولا ينسى، وهو مصدق لما صح من كتب السابقين، ومهيمن على الجوانب المحرفة فيها، قال سبحانه وتعالى: «وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» (المائدة: 48).
وتأمل عزيزي القارئ كيف اشتملت هذه الآية الجليلة على وظائف أربع لهذا الكتاب المعجز، الوظيفة الأولى هي التصديق للحق الذي جاء في كتب الأولين، والوظيفة الثانية هي الهيمنة والاستدراك على الجوانب المحرفة فيها، أما الوظيفة الثالثة فهي أنه شريعة للمسلمين ولمن يرتضيها من أصحاب الملل الأخرى، سواء كانت سماوية أو غير سماوية، والوظيفة الرابعة هي أنها المنهاج العملي في كيفية تطبيق الشريعة حتى لا يضل المسلم أو ينسى، وهو إضافة إلى ذلك له وظيفتان أساسيتان هما: أنه معجزة وسجل لتاريخ البشرية يقص الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وسلم) أحوال الأمم مع أنبيائهم.
لقد جمع القرآن الكريم كل هذه الوظائف التي لم تجتمع لكتاب أو لمعجزة قبله، إضافة الى عصمة الإسلام، وعصمة لأمته عن أن تجتمع على ضلال قد يضل بعض أبنائها أما مجموعها فلا، ودليلنا على ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (سألت ربي أربعا، فأعطاني ثلاثا، ومنعني واحدة، سألته لا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها..) رواه أبو بصرة الغفاري من حديث ابن حجر العسقلاني ورجاله رجال الصحيح.
وأيضا من ثمرات عصمة القرآن عصمة اللغة التي هي حية لا تموت، وكيف تموت وهي وعاء لكلام الله تعالى، وكلام الله سبحانه صفة من صفاته، واسم من أسمائه سبحانه. إذن فاللغة العربية خالدة وخلودها من خلود القرآن، وبقاؤها من بقائه.
والإسلام بكل هذه الضمانات والعصمة معصوم عن التحريف والتزييف في عقائده وأخلاقياته، رغم المحاولات المستمرة والدائبة للطعن في حقائقه ومسلماته التي استقرت في وعي المسلمين وقناعاتهم، ولا سبيل أبدا إلى تشويه معالم الإسلام لأن الذين يتولون الدفاع عنه ليسوا مسلمين عاديين، بل هم النخبة الذين أنعم الله تعالى عليهم بالهداية وآلوا على أنفسهم أن ينصروا الإسلام بعد أن صار عقيدة لهم، وبعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان، بل حتى الذين لم يبلغوا درجة الإيمان التي تؤهلهم للدخول فيه، حتى هؤلاء يأبى عليهم حيادهم العلمي إلا أن يذكروا محاسن الإسلام ويثنوا عليه احتراما لعقولهم، وصونا لكرامتهم.
إنها عصمة تتجدد بتجدد الزمان والمكان، والدليل أفواج الداخلين الذين درسوه دراسة صحيحة، ووجدوا فيه من اليقين ما لم يجدوه في عقائدهم ودياناتهم السماوية التي عبثت فيها أيدي العابثين، وحرفتها أقلام المزورين، وحتى قبل أن ينالها التحريف والتزييف، فهي كانت محدودة الزمان والمكان والأقوام لم تحقق ما حققه الإسلام، وليس هذا لقصور فيها ولكن لأنها لم تكن مؤهلة لذلك، ولم توصف شرائعها بالكمال كما وصفت شريعة الإسلام بذلك، كما في قوله تعالى: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» (المائدة: 3).