مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

“عصر الاحتراف والاستثمار.. هل ضاع انتماء اللاعبين لأنديتهم من أجل المال؟”

بقلم: امير نزيه

في زمن ليس ببعيد، كان عشق القميص رمزًا مقدسًا، والوفاء للأندية قيمة لا تُشترى. لطالما ارتبطت أسماء أسطورية بفرقها، حتى بات من المستحيل تخيلهم يرتدون غيرها. لكن اليوم، تبدلت المعايير، وبات المال هو البوصلة التي تحدد وجهة اللاعب، لا العاطفة أو الولاء.

زمن الاحتراف.. الكل للبيع!

مع انفجار سوق كرة القدم عالميًا، ودخول المستثمرين من أبواب الأندية، تحولت اللعبة الشعبية الأولى من مجرد رياضة، إلى صناعة متكاملة تقدر بمليارات الدولارات. بات اللاعبون يُدارون كأصول استثمارية، تُباع وتُشترى، ويُخطط لمسيرتهم بعقلية اقتصادية بحتة، بعيدة عن العاطفة والانتماء.

لم يعد مستغربًا أن ينتقل لاعب نشأ وتربى في نادٍ إلى الغريم التقليدي بعد موسم واحد، لمجرد عرض مالي أعلى. الجماهير قد تغضب ليوم أو اثنين، لكن السوق لا يعرف العاطفة.

من المسؤول؟ اللاعب أم المنظومة؟

يُحمّل البعض اللاعب مسؤولية التخلي عن الانتماء، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. فالأندية نفسها باتت تتعامل مع اللاعبين بمنطق “من يدفع أكثر”، تبيع نجمها الأول وتبرر ذلك بـ “الظروف المادية”. وكلما تزايدت العروض المليونية، كلما تراجعت مفاهيم الولاء.

المشكلة أيضًا في الوكلاء، الذين يدفعون اللاعبين لاتخاذ قرارات مادية بحتة، وفي الجماهير التي تنسى سريعًا من باعها بالأمس إذا جاء من يسجل اليوم.

الانتماء يذوب في الدوري المصري

قد يهمك ايضاً:

تجربة المغرب في تصدير الناشئين لأوروبا.. سرّ الصعود إلى…

بعد حصولها على 6 ميداليات متنوعة.. وزارة الشباب والرياضة…

في الكرة المصرية، لم تعد جماهير الأهلي والزمالك – أكبر ناديين في مصر – في مأمن من صدمة “خيانة القميص”. انتقالات مثل عبد الله السعيد من الأهلي لبيراميدز، أو إمام عاشور من الزمالك إلى الأهلي، أحدثت زلزالًا جماهيريًا، لكن سرعان ما تراجعت موجة الغضب، وأدرك المشجعون أن “الانتماء” لم يعد من أولويات اللاعب.

كما أن ظاهرة اللاعبين الذين يهددون بعدم اللعب للضغط من أجل الرحيل باتت شائعة، وهو ما يضع الأندية في موقف تفاوضي ضعيف، ويجعل المال هو الحاكم الأول في كل صفقة.

أوروبا ليست أفضل حالًا

في أوروبا، تبدو الصورة أكثر وضوحًا. هاري كين، أحد رموز توتنهام، لم يتردد في ترك النادي بعد سنوات من الولاء للانضمام إلى بايرن ميونخ. ليونيل ميسي نفسه، أسطورة برشلونة، رحل مضطرًا عن النادي بسبب المشاكل المالية، لينهي قصة حب دامت أكثر من 20 عامًا.

أما اللاعبون الشباب، فقد أصبحت قراراتهم مبكرة جدًا، بحثًا عن أعلى أجر ممكن، ولو على حساب تطورهم الفني أو علاقتهم بجماهير أنديتهم.

هل انتهى زمن الرموز؟

هل نرى لاعبًا مثل فرانشيسكو توتي مع روما، أو ستيفن جيرارد مع ليفربول، أو حسام غالي مع الأهلي من جديد؟ الأرجح لا. هؤلاء الرموز كانوا استثناء في زمن أصبح فيه الانتماء “رفاهية لا يقدر عليها الجميع”.

حتى في الدوريات العربية، أصبح اللاعب ينتقل بين 3 و4 أندية في مواسم قليلة، متخليًا عن فكرة “ابن النادي”، سعيًا لعقد أكبر أو تجربة جديدة قد ترفع من قيمته السوقية.

ختامًا.. هل يجب أن نحزن؟

الاحتراف ليس شرًا مطلقًا. هو جزء من تطور اللعبة، وضمان لحقوق اللاعبين وأنديتهم. لكن الخط الفاصل بين “الاحتراف” و”الارتزاق” بات هشًا، ومن الضروري أن تبقى القيم حاضرة، وأن يُذكر اللاعب دومًا أن الجمهور لا يشتريه، بل يمنحه الحب بالمجان.