مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

عجز الذكاء الاصطناعي عن الكتابة بلا روح:  لماذا سيظل الإنسان جوهر الإبداع؟

بقلم -حسن غريب أحمد :
ناقد باحث 
في زمنٍ تتسارع فيه التقنيات، ويصعد فيه الذكاء الاصطناعي إلى واجهة المشهد الثقافي، يظن البعض أن الآلة باتت قادرة على انتزاع قلم الكاتب من يده، وأنها مؤهلة لكتابة مقال محكم، أو نقدٍ أدبي، أو حتى بحثٍ علمي متكامل دون تدخل بشر. 
غير أن هذا التصور—على بريقه—ينطوي على وهمٍ عميق، لأن الكتابة الحقيقية لا تُختزل في حشد كلمات أو ترتيب أفكار، بل هي فعل إنساني مركّب، لا يُولد إلا من كائن حيٍّ من لحم ودم وروح.
اللغة ليست كتابة… والكتابة ليست لغة:
الذكاء الاصطناعي ماهر في التعامل مع اللغة بوصفها نظامًا إحصائيًا: أنماط، تراكيب، احتمالات. 
لكنه عاجز عن إدراك ما وراء اللغة: النية، القلق، التوتر، الصمت بين الجمل.
الكاتب حين يكتب لا يختار الكلمة لأنها الأنسب نحويًا فحسب، بل لأنها الأقدر على حمل وجعه أو فكرته أو غضبه أو شكّه. 
أما الآلة فتختار لأنها مرجَّحة رقميًا.
ولهذا تبدو نصوص الذكاء الاصطناعي—في أفضل حالاتها— غير مصاغة بإتقان،  وبلا نبض، تشبه جثة لغوية محفوظة بعناية.
النقد فعل موقف لا عملية حسابية:
النقد الأدبي، بخاصة، لا يقوم على التلخيص أو التصنيف، بل على اتخاذ موقف معرفي وجمالي.
الناقد:
يختلف
يشكّ
ينحاز
يخطئ ثم يصحح
يتورط فكريًا وأخلاقيًا في النص.
هذه “التورطة” هي ما يعجز عنه الذكاء الاصطناعي.
 فهو لا يملك شجاعة الإدانة ولا مخاطرة التأويل، لأنه لا يدفع ثمن رأي، ولا يتحمل تبعات موقف.
النقد بلا ذات ناقد ليس نقدًا، بل تقريرًا باردا.
البحث العلمي: 
ما لا تراه الخوارزمية
قد يساعد الذكاء الاصطناعي في جمع مصادر أو تلخيص دراسات، لكنه لا يستطيع إنتاج إشكالية بحث حقيقية من فراغ وجودي أو تساؤل معرفي أصيل.
الباحث لا يبدأ من النتائج، بل من الحيرة.
من سؤال يقلقه شخصيًا أو مجتمعيًا.
الآلة لا تقلق، ولا تخاف على معنى، ولا تشعر بمسؤولية المعرفة.
الإبداع يولد من الجرح
أعمق النصوص الأدبية لم تُكتب من وفرة، بل من نقص:
فقد
قهر
عشق
هزيمة
حلم مكسور
هذه العناصر ليست بيانات يمكن تغذيتها للخوارزمية. إنها خبرات معاشة، وقدرة على تحويل الألم إلى معنى.
والذكاء الاصطناعي، مهما بلغ تطوره، لا يمرض، ولا يُهان، ولا يُقصى، ولا يفقد أمًا أو وطنًا.
الذكاء الاصطناعي أداة… لا بديل :
الخلل ليس في الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في إساءة توهم قدرته.
هو:
مساعد
مُحرر لغوي
منظم أفكار
مُسرِّع للبحث
لكن أن نطالبه بالكتابة بدل الإنسان، فذلك كأن نطلب من المِطرقة أن تكون نجارًا، أو من الريشة أن تكون رسامًا.
ختاماً أقول
 لبعض الجهلاء والمتخلفين من البشر .
سيظل الكاتب الحقيقي—الذي ينبض قلبه خلف السطر—هو الأصل، وستظل الآلة ظلًّا له، مهما طال.
فالكتابة ليست مهارة فقط، بل موقف من الحياة.
وموقف بلا روح… لا يكتب نصًا، بل ينتج محاكاة.
ولهذا، سيبقى الإنسان—بلحمه وشحمه ودمه وروحه المرتجفة—هو الشرط الأول والأخير لكتابة تستحق أن تُقرأ.