عبد الرحمن فلاح يكتب: نحن والدعاء
نحن والدعاء!!
عبد الرحمن فلاح
عندما ينزلُ البلاءُ بالمسلمِ في بدنه، أو أهله، أو ماله يسارعُ إلى رفع كفه بالدعاء إلى الله تعالى قبل أن يأخذَ بالأسباب طالبًا الشفاءَ من الله تعالى، وينسى المسلمُ أنه يعيشُ في عالمِ الأسباب، وأنه قبل أن يرفعَ كفَه بالدعاء عليه أن يأخذَ بالأسباب، ولا يكون كذلك الرجل الذي يدعو ويلح في الدعاء أن يهبه الله تعالى الذرية الصالحة، ولما سأله أحدهم: منذ متى وأنت متزوج؟ رد عليه باستغراب: إني لم أتزوج بعد !! قال له صاحبه: عليك أن تأخذ بالأسباب أولا، ثم تسأل الله تعالى بعد ذلك أن يرزقك الذرية الصالحة.
هكذا كثيرٌ من الناس يستعجلون، فيبدؤون بالدعاء إمَّا لجلبِ منفعة أو لدفع مضرة، وهذا ما ينهى عنه الإسلام، وكان الصحابة(رضوان الله تعالى عليهم) حين ينزل بهم داء يسألون رسول الله «صلى الله عليه وسلم» ماذا ينبغي عليهم تجاهه هل يصبرون عليه دون أن يأخذوا بالأسباب أم عليهم أن يتداووا منه؟ فكان صلوات ربي وسلامه عليه يقول لهم: «ما أنزل الله عز وجل من داء إلا وأنزل له دواء، عَلِمه مَنْ علمه وجهله من جهله» البخاري ومسلم.
الرسول الأعظم «صلى الله عليه وسلم» يؤكد في هذا الحديث أن لكل داء ينزل بالناس دواء علِمه مَنْ علمه، وهذا عن الدواء الذي تم اكتشافه، وأثبت نفعه في العلاج، ودواء لم يكتشفه العلماء المختصون بعد فهو في عالم المجهول، وعلى أهل الاختصاص أن يبحثوا عنه، وهذا يعني أن الدواء نزل مع البلاء إلا أن الله تعالى أخفاه لحكمة يعلمها سبحانه.
إذًا، فحين ينزلُ بالمسلمِ البلاءُ بشتى صوره وألوانه، فعليه وقبل أن يرفع أكفه لطلب الشفاء من الله تعالى، عليه أن يبحث عن أسباب العلاج عند أهل الاختصاص، هكذا علَّمنا رسولنا الكريم «صلى الله عليه وسلم»، وأرجو ألا يفهم كلامي بأني أدعو إلى التوقف عن الدعاء، بل ما أدعو إليه، وما يدعو إليه إسلامنا العظيم أن نؤجل الدعاء حتى يأت أوانه، وأوانه هو حين نستنفد جميع الأسباب، وبعد أن نذهب إلى الطبيب المختص، البارع في تخصصه، وبعد أن يشخص المرض، ويصف لنا العلاج، ويحدد لنا الجرعات وعدد المرات والأيام، فحين ننتهي من كل هذه الأسباب، ونبدأ في أخذ الدواء نرفع أكف الضراعة ونسأل الله تعالى الشفاء، وبهذا يكون المسلم قد جمع بين الأمرين، أخذ بالأسباب، وطلب العون من خالق الأسباب سبحانه وتعالى.
ومن الأخذ بالأسباب في الرزق أن الله تعالى قد ساوى بين المؤمن وغير المؤمن، وسخَّر الأسبابَ للجميع، فمن أخذ بالأسباب، وسعى في طلبها آتاه الله تعالى الرزق وربما وسَّع عليه بقدر جهده واجتهاده وإن كان كافرًا، وأمَّا من قعد عن الأخذ بالأسباب، وتمنى على الله الأماني، وقعد في بيته وقال: ربِ ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، فهذا لن يؤتيه الله تعالى من فضله وإن كان مؤمنًا يقيم أركان الإسلام من صلاةٍ وزكاة وصوم وحج!
لقد تعلم أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام درسا جليلا حين أسكن من ذريته بوادٍ غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، ثم طلب من ربه سبحانه أن يرزقهم وحدهم ولا يرزق أحدا سواهم، قال إبراهيم «عليه الصلاة والسلام»: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) البقرة126.
من يعمل ويأخذ بالأسباب التي بثها الله تعالى في الوجود، فإن كان مؤمنًا، فله ثمرة عمله في الدنيا وفي الآخرة، وإن كان غير مؤمن، فله عطاء الدنيا ولا نصيب له في الآخرة، يقول سبحانه وتعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين) آل عمران145.
ونلاحظ أن عطاء المؤمن على عمله الصالح ليس مقصورا على الدنيا، بل يمتد إلى الآخرة، ودليلنا على ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: (وسنجزي الشاكرين) ختام الآية الجليلة تفيد استمرار العطاء في الدنيا والآخرة لأن فعل«سنجزي» يفيد ذلك، لأن الفعل المضارع يفيد الحال والإستقبال، فإذا دخلت عليه الـ(السين) جعلته يفيد المستقبل غير المنقطع لأن الذي قال هو الله تعالى، وأن الذي وعد هو الحق سبحانه.
إذًا، فهناك فرق في العطاء على العمل للمؤمن ولغير المؤمن ولا يظلم ربك أحدا.
من هنا ندرك عظمةَ الإسلام، وجلالَ قدره، واتساع رحمته وشمولها، وصدق الله العظيم الجليل: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8)) الزلزلة.. وما ربك بظلام للعبيد!!.