عبد الرحمن علي البنفلاح يكتب لمصر البلد الإخبارية عن عاقبة تعطيل الميزان
..في الميزان!
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
الحقُ سبحانه وتعالى يقول: (والسماء رفعها ووضع الميزان(7) ألا تطغوا في الميزان (8) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9)) سورة الرحمن.
وربطُ السماءِ بالقسط في الموازين فيه لفتةٌ عظيمةٌ إلى خطورةِ الميزان، وسلامة أحكامه، وربطه بالسماء يوحي بأن بقاءَ السماء سقفًا محفوظًا متوقفٌ على إقامة موازين العدل في الأرض، فإذا اختلت هذه الموازين بالطغيان أو الخسران، فإن في هذا خطرا يهدد الوجود الإنساني، من أن تكون السماء مصدرَ أمنٍ وأمان للإنسان من الشهب والنيازك وثقب الأوزون الذي يأخذ في الاتساع بسبب سوء تصرف الإنسان في الأرض، وتقديم مصلحة فئة من الناس على مصلحة البشرية جميعها.
والإنسان وهو يمسك الميزانَ بيده يختل هذا الميزان، فيطغى مرة، ويخسر مرة، فإذا وزن الإنسانُ لنفسه طغى في الميزان، وإذا وزن لغيره يخسر في الميزان، وهذا ما تفعله الأممُ القوية مع الأممِ الضعيفة، فهي تطغى حين يكون الوزن في صالحها، وهي تخسر عندما يكون الوزن لصالح غيرها من الأمم الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة، والتي هي في حاجة إلى غيرها في مأكلها ومشربها، وفيما تلبس أو تتسلح للدفاع عن نفسها إذًا فمن شيمة الأمم القادرة أن تطفف في المكاييل والموازين بما يحقق لها المصلحة، وإن كان هذا يتعارض مع المواثيق والقرارات الدولية، والتي من المفروض أنها تحمي الضعفاء من طغيان الأقوياء وخسرانهم، وتدبروا قوله سبحانه وتعالى في سورة المطففين: (ويل للمطففين (1) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون (2) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (3) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون (4) ليوم عظيم (5) يوم يقوم الناس لرب العالمين (6)).
ومعلوم أن الكوارث التي تحدث للأمم لها علاقة باختلال الموازين في الأرض روي عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» قوله:«كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس؟ وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوها: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط يعمل بها فيهم علانية؛ إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم الزكاة؛ إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما بخس قوم المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، وما حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط عليهم عدوهم، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه؛ إلا جعل الله بأسهم بينهم» (الحديث صحيح لغيره، من رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما).
وصدق الله العظيم:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) سورة الروم/41.
لقد ظهر الفساد في الأسرة، فظلم الرجل زوجه وأولاده، ومن هم في ولايته، وظهر الفساد في مؤسسات الدولة، فظلم الرئيس مرؤوسيه، وظلم الوزير من هم تحت إدارته، وظهر الفساد في قمة السلطة، فظلم الحاكم المحكومين، وبعد كل هذا الظلم الذي عم المجتمع يتساءل الناس في استغراب وتعجب لماذا الأمة الإسلامية متخلفة عن غيرها رغم أنها تؤمن بعقيدة صافية نقية، وهي الأمة الوحيدة بين أمم الأرض التي تملك معجزة نبيها صلى الله عليه وسلم، ولماذا هي فقيرة رغم الكنوز التي ينوء بحمل مفاتيحها العصبة أولو القوة؟!!.
أسئلة كثيرة يطرحها المسلمون على أنفسهم، وإجاباتها الشافية موجودة في الآية التي ذكرناها في سورة الروم، وفي الحديث الذي سبق ذكره، ومعلوم أن الطبيب الماهر حين يكتشف سبب المرض يكون من السهل عليه أن يصف الدواء لمريضه، فيشفي الله تعالى هذا المريض من مرضه، ولكن لماذا الأمة الإسلامية رغم تشخيص حالتها المرضية ووصف الدواء الناجع لها لم تشف حتى هذه اللحظة، بل يزداد مرضها، وتشتد عليها العلة والسبب هو أنها لم تلتزم بتوجيهات الطبيب، ولم تواصل في أخذ الدواء، وستظل حالتها تزداد سوءًا حتى تعود إلى كتاب ربها وسنة رسولها صلى الله عليه وسلم.
تروي كتب السيرة أن أحد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وهب أحد أبنائه هبة وألزمته زوجته أن يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الهبة، فقال له رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: هل لك غيره من الولد؟ قال: نعم، قال له: هل أعطيتهم كذلك؟ قال: لا !، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال الصحابي: نعم، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذًا ساو بينهم في العطية، فرجع الصحابي في هبته لولده.
هذا هو الميزان القسط الذي يجب أن يزن به الأب معاملته لأبنائه، وأن يحرص على العدل بينهم حتى يكونوا له في البر سواء، وأيضًا حتى لا يزرع العداوة والبغضاء بين الإخوة والأخوات الشقيقات وغير الشقيقات.
أيها الآباء بروا أبناءكم حتى يبركم أبناؤكم ويحسنوا إليكم.