عبد الرحمن علي البنفلاح يكتب عن الجزاء الأعظم والثناء الأسمى من الله عز وجلّ
الجزاء الأعظم والثناء الأسمى
بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح
في سورة الإنسان يقول الحق سبحانه وتعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرا (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا (9) إنَّا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرا (10) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقَّاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12)) (الإنسان).
هذا الإنسان الذي يؤثر الآخرين على نفسه، ويقدم للمساكين واليتامى والأسرى أفضل ما لديه من طعام يرجو بذلك وجه الله تعالى، ولا ينتظر منهم (جزاءً ولا شكورا) لا زهدًا في الجزاء والشكر، بل طمعًا في أن يأتيه الجزاء والشكر من الأعلى، وهو الله تعالى الذي يملك الجزاء والثناء الأعظم الذي لا يملكه بشر.
إذًا، فهذا الإنسان ليس زاهدًا في الجزاء والثناء، بل هو أحرص الناس عليهما، لهذا نراه يختارهما من الأعلى سبحانه، لأن الجزاء والثناء على ثلاثة مراتب، الأولى: الثناء والجزاء من الأدنى، وهو جزاء وثناء من هو أدنى منك في المنزلة، وهذا الجزاء لا يلبي طموح الإنسان المتطلع إلى معالي الأمور، والثانية: هي جزاء وثناء المساوي لك في المنزلة، وأما أعظم الجزاء وأعظم الثناء، وهو المرتبة الثالثة، فهو من الأعلى، وهو من ملك الملوك سبحانه وتعالى إلى الأدنى وهو الإنسان الذي مهما سما وعظم إلا أنه هو الأدنى دائما.
جزاء الأدنى وثناؤه لا يشبع طموحك لأنه جزاء وثناء من لا يملك لمن يملك، وجزاء وثناء المساوي لك أيضا لا يحقق لك ما ترجوه، أما الجزاء الأعظم، والثناء الأسمى الذي تنتظره، وتحرص عليه، وتبذل النفس والنفيس من أجل الوصول إليه، فهو جزاء وثناء ملك الملوك الذي يملك خزائن الدنيا والآخرة, الذي بسطه الله تعالى في سورة الإنسان في قوله تعالى: «وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرا (13) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا (14) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا (15) قواريرا من فضة قدروها تقديرا (16) ويسقون فيها كأسًا كان مزاجه زنجبيلا (17) عينًا فيها تسمى سلسبيلا (18) ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورا (19) وإذا رأيت ثَم رأيت نعيمًا وملكًا كبيرا (20) عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابًا طهورا (21) إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورا (22)» الإنسان.
لقد استحق هذا الإنسان هذا الجزاء، كما استحق هذا الثناء من ملك الملوك سبحانه وتعالى لأنه تقرب إلى مولاه جل جلاله بأحب الأعمال إليه، صحيح أنه لم يأخذ على عمله الصالح جزاءً ممن أسدى إليهم هذا المعروف وهم في أشد الحاجة إليه لا زهدًا في الجزاء والثناء ولكن طمعًا أن يأتي ممن يملك أعظم الجزاء وأعظم الثناء وهو الله سبحانه، ولقد علم الله تعالى خالص نية العبد، فوقاه شر وأهوال يوم القيامة، ليس هذا فحسب بل استقبلهم استقبالاً حسنًا كما قال سبحانه: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقَّاهم نضرة وسرورا) الإنسان/11.
وأي جزاء يسمو إلى الجنة وما فيها من نعيم، وأي ثناء يبلغ ما بلغه ثناء الحق سبحانه على عباده المؤمنين، إنك حين تطلب الجزاء والثناء تطلبهما من الحي الذي لا يموت سبحانه، ومن الغني الذي لا يفتقر، ومن الكريم جل جلاله الذي يعطي عطاءً غير مقطوع ولا ممنوع ولا مجذوذ، ولا يحول دون إنفاذ ما وعد حائل، فالله تعالى هو القدير على كل شيء.
خزائن الحق سبحانه لا تنفد مهما كثر الخلق، ولو اجتمعت البشرية من يوم أن خلقهم الله تعالى وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها وسأل كلٌ مسألته، وأعطى كل إنسان ما سأل لم ينقص من ملكه سبحانه إلا كما ينقص المخيط حين تغرسه في البحر، وتأملوا قوله تعالى وهو يبشر عباده بالبشارات الكثيرة التي لا حصر لها، يقول سبحانه وتعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) نزلاً من غفور رحيم (32) ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين (33) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (34) وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم (35) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم (36)) فصلت، وصدق الله العظيم: (إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكور).