ضمن مبادرة بداية جديدة..الجامع الأزهر يعقد ملتقاه الأسبوعي “البناء الأخلاقي وأثره على الاستقرار المجتمعي”
أحمد مصطفى:
عقد ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة اللقاء الأسبوعي تحت عنوان البناء “الأخلاقي وأثره على الاستقرار المجتمعي”، وحاضر في ملتقى هذا الأسبوع، د.عبد الله عزب، العميد السابق لكلية أصول الدين بالقاهرة، ود. مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين، ود. هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.
أوضح الدكتور مجدي عبد الغفار، أن البناءَ الأخلاقيَّ من أهمِّ الملفاتِ التي ينبغي أن نقفَ أمامها؛ فنجاةُ المجتمعِ
بالإصلاحِ، وإصلاحُ المجتمعِ دلالةٌ على نجاته من الهلاك، قال تعالى {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}ِ، فنعمةَ التواصي بين أركان المجتمع هي اللبنةُ الأولى لبناء المجتمع الذي تنوعت فيه الصفاتُ المحمودة، وهي تعتبر بنيانًا للمجتمع، في حين أن الصفاتِ المذمومةَ تُعدُّ هدمًا لهذا البنيان، فكلما اتسعت الصفاتُ المحمودةُ، اتسع البنيان، وكلما زادت السلوكياتُ المذمومةُ كانت سببًا في هدمه.
وأشار إلى أن الجانبَ الأخلاقي السلوكي هو الذي بُعِثَ من أجله النبيُّ ﷺ، وقال ﷺ في حديثه”إنما بُعِثْتُ لِأُتِمِّمَ مكارمَ الأخلاق” فهو قمةُ الأخلاق، وقد اشتهر ﷺ بحسن الخلق قبل البعثة وبعدها، وقد لُقِّبَ قبل بعثته بالصادق الأمين، وأوصى ﷺ طوال حياته بالتحلي بحسن الخلق، فقال “أحبُّكم إليَّ وأقربُكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنُكم أخلاقًا ، فحسن الخلق يقربنا من مجلسه ﷺ يوم القيامة وفي الفردوس الأعلى.
وأضاف: إن الصدق ركنٌ ركين في استقرار المجتمع، فكم من مجتمعات هُدِمت بالكذب والتدليس والخيانة والتدنيس، فالمجتمعات تُبنى بمدى صدقها وأمانتها، فإذا وُجدت الأمانات في المجتمعات صحَّ وقوي البنيان، وإذا انعدمت هُدمَ البنيان، ويجب على جميع أفراد المجتمع التحلي بالأخلاق الحميدة، فلا خير في عبدٍ حسنَ هندامه، وحسن صوته بتلاوة القرآن، وطال سجوده في الصلوات، وخلق بالأخلاق السيئة، فإنما يقوَّم المرء بالأخلاق والسلوكيات الحسنة بعد سلامة العقيدة وصحة العبادة؛ فما فائدة الصلوات والعبادات مع عدم الإخلاص؟ فالصلوات والعبادات اشتملت على الأخلاق، ففي الصلاة قال تعالى {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}، وفي الزكاة قال تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا }وفي الصيام قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وفي الحج قال ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ ﴾ ، فاشتملت العبادات على الصفات وحُسن الأخلاق، فمن لم يُخلص في عباداته لم تُقبل منه، وقد جُعلت المناسك لتغيير المسالك، فإذا غيرت المناسك المسالك وُجد في الأمة أمثال الشافعي ومالك، وإذا لم تُغير فقدت الأمة العواصم والممالك.
من جهته أكد الدكتور عبد الله عزب، أن الأديان السماوية تركز بشكل كبير على الجانب الأخلاقي، وبيّن أن الدين ينقسم إلى ثلاثة أركان رئيسة: العقيدة، والشريعة، والأخلاق، فلا تقبل عقيدة أو عبادة بدون أخلاق، مشيرًا إلى أن الأخلاق في الدين الإسلامي تحتل مرتبة عالية وترقى إلى الإحسان، واستشهد بحديث النبي ﷺ عندما سُئل عن الإحسان فقال” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”.
وأضاف الدكتور عزب أن العبادة شرعت لتأسيس القيم الأخلاقية، فكل عبادة تتضمن جانباً أخلاقياً، مثل الصلاة التي تتطلب الخشوع والتذلل، والزكاة التي تعكس روح الطهارة والتقوى، والصيام الذي يشتمل على الإحساس بالفقراء، والحج الذي ساوى بين الجميع في أدائه فلا فرق فيه بين غني وفقير، وأوضح أن النبي ﷺ قد لخص هدف رسالته بقوله: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، وعندما سُئل عن الدين أجاب “الدين حسن الخلق”.
وشدد على أن الجانب الأخلاقي يشمل الدين بأكمله، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين، واعتبر أن الخلق في الإسلام كالروح بالنسبة للجسد، حيث إن العبادة بلا خلق تشبه الجسد بلا روح، وأشار إلى أن هناك انفصالاً حالياً بين السلوك والعبادة، حيث يوجد من يصلي ويصوم ويُزكي لكنه يتخلى عن الأخلاق الحميدة ويتبنى الأخلاق الذميمة.
وفي ذات السياق أكد الدكتور هاني عودة، أن البناء الأخلاقي يُذكرنا بالتحلي بأخلاق النبي ﷺ ، الذي كان قدوة حسنة، وقد مدحه ربه بقوله تعالى﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وقالت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلقه، “كان خلقه القرآن”
كما يُشير البناء الأخلاقي إلى ضرورة التحلي بأخلاق الأمة الإسلامية، التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتُحل ما أحل الله وتحرم ما حرم، ودعا الدكتور عودة الشباب إلى التحلي بكل خلق محمود والتخلي عن كل خلق مذموم، ودعا جميع أصحاب المهن إلى أن يكونوا أمناء في عملهم وصادقين في معاملاتهم، كما نبه الأطباء إلى ضرورة الأمانة تجاه مرضاهم، والمعلمين إلى الالتزام بالأمانة مع طلابهم، وأن يتقوا الله في الرسالة التي يحملونها، وأكد أن النبي ﷺ كان قدوة قبل بعثته، حيث لقب بالصادق الأمين، وبعد بعثته قال الله تعالى عنه﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم﴾
وأضاف أن البناء الأخلاقي هو نتيجة لكل ما جاء به الإسلام، الذي جاء ليحافظ على الكليات الخمس: الدين، والعقل، والنفس، والعرض، والمال، فلقد حافظ الإسلام على الدين من خلال الأمر بالصدق وتحريم الكذب، كما حرم الزنا وأمر بالنكاح ودعا إلى حسن اختيار الزوجة الصالحة، وفيما يتعلق بالمال، دعا الله سبحانه وتعالى إلى الكسب الحلال وإنفاق المال في الحلال، محذرًا من الرشوة والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل.
كما دعا مدير الجامع الأزهر جميع فئات المجتمع للتحلي بالأخلاق الحميدة، مشددًا على ضرورة أن يتقي الرجل والمرأة الله في تربية أولادهما، وأن يسعوا لبناء أسرة متماسكة، مؤكدًا أن الأمة لن تتقدم ولن تنتصر إلا بالعودة إلى الأخلاق التي تحقق رضا الله سبحانه وتعالى ورضا رسوله ﷺ.
وأوضح أن الإسلام حافظ على العقل، محذرًا من الاستهزاء بعقول الأفراد، ومشيرًا إلى ما يشهده المجتمع اليوم من تبني الأخلاق الذميمة، وخاصة ما يقوم به الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي من أمور تدعو إلى الفسق والفجور، فينشر أمورًا محرمة يسعى من خلالها إلى إفساد نفسه وإفساد المجتمع، وشدد على أهمية العودة إلى القيم الأخلاقية السامية التي تتماشى مع المنهج الإسلامي، والتي تُعتبر ضرورية لبناء مجتمع متماسك وأخلاقي.
التعليقات مغلقة.