بقلم – ناهد الغزالي:
مسحوق الغروب يغطي منازل القرية، يغسل عنها بقايا الأمل، غارقة في الرتابة، عزف أغلب شبابها عن ربوعها الباهتة، رائحة الشاي المنبعثة كل مساء من النوافذ باتت عادة أغلب النسوة مع بعض الحلويات اليابسة، تتبادلن أمنياتهن البسيطة،
جلست السيدة غادة في غرفتها، تغزل الصوف لتسلمه للبائع الذي يمر كل أسبوع مقابل بعض الدنانير التي لا تخمد براكين شهوات أطفالها، ارتشفت الشاي وبين الرشفة والرشفة تتسلل إلى صدرها المثقل بالذكريات ابتسامته الساحرة التي أفلت ذات ظلم…
يُطرق الباب طرقات متسارعة، تنهض بسرعة ووجيف قلبها يشلها عن التفكير.
إنه صاحب البيت، بعينين محمرتين، يترنح، يلتهم تفاصيل جسدها.
صاحت صيحة فزع لم ينتبه إليها أحد، فقد أتى في وقت المسلسل المسائي الذي ينتظره البعض بفارغ الصبر محلقين حول التلفاز بلهفة، أغلب تساؤلاتهم؛ هل سيتزوج البطل من البطلة؟ لاعنين الظروف التي فرقتهما، في حين يذهب البعض الآخر للمقهى القريب، تعبث أدخنة السجائر بأحلامهم.
تعالى بكاء الأطفال خوفا من هذا الوحش، دفعته الأم بكامل قوتها، محكمة غلق الباب، لكنه لم يتراجع وظل يطرق الباب ويتعربد.
في تلك الأثناء، كان نسيم خارج البيت يطارد كلبه الذي انفلت من الحبل، يجب أن يمسكه ليربطه حذو الأغنام، فقد انتشرت السرقة مؤخرا. شد انتباهه ذلك المشهد المقرف.
– مالذي تفعله هنا أيها الأحمق؟
جُنّ جنون صاحب البيت، كيف يُفضح أمره؟ أنصفه الحظ، فوجد فكرة أنقذته من الفضيحة.
-هذه السيدة لم تسدد إيجار البيت منذ ثلاثة أشهر، هذا مورد رزقي، طلبت منها المغادرة لكنها رفضت.
كتمت ألمها، وحده الدمع يروي حكاية قهر. يجب أن تسكت حتى لا تصبح سيرتها علكة يلوكها ذوي الأنفس المريضة.
أيدت كلامه بحركة من رأسها. جمعت أغراضها في حقيبتين،
هذا كل ما تملك بعد القصف الأخير الذي أذى مدينتها.
عرض عليها نسيم أن تذهب الى بيتهم، لكنها رفضت، فكل ما يملكون غرفتين بالكاد تجمعهم.
-سأتدبر أمري يا بني لا عليك.
خرجت وصغارها في الظلام الحالك.
صفق بحرارة، دنا منها واضعا يديه على خديها.
-لقد أديتِ دورك جيدا يا غادة، سيكون مسلسلا مدويا، خاصة وأنك جديدة على الساحة الفنية وجميلة جدا،سيسامحك والدك لتمردك على العادات وسيذهله النجاح والمال….ههههههه، لذلك اتصلت بك لنحتفل بالنجاح.
أمسكت يده بقوة، ساكبة عليه قارورة الماء.
-ظنتتك فنانا راقيا، لكن للأسف! يالك من دنيء! تلاحق الإناث تغريهن بالشهرة….تف وألف تف…
غادرت مسرعة، لكن إلى أين….؟