قال الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف وعضو الاتحاد الدولي للغة العربية، إنّ اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي دامت لأكثر من خمسة عشر قرنًا من الزمان، وفضلها على سائر اللغات كفضل القمر ليلة البدر على الكواكب؛ فكانت الإدارة الرئيسية لنقل الثقافة العربية بين الأجيال عبر عصور طويلة، وكانت أداة الاتصال ونقطة الالتقاء بين العرب والشعوب الأخري، وتُعد العربية هي الركيزة الأساسية في أداء العبادات الإسلامية كالصلاة والحج، ومفتاح التفقه في الدين، والعربية أشد اللغات تمكنًا، وأشرفها تصرفًا وأعدلها، ولذلك جُعلتْ حلية لنظم القرآن، وعلق بها الإعجاز، وصار دلالةً في النبوة، ولذلك اصطفاها اللَّهُ وشرفها على غيرها من اللغات لتكون لغة خاتمة كتبه القرآن الكريم، الذي نزل ويُتلى بها إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
وتابع «عمارة»، خلال حديثه لـ «الأهرام»، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، أنَّ اللغة العربية من “اللغات السامية”، التي تُنسب إلى «الساميين» نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام، وتحتل العربية المركز الرابع بين أكثر اللغات انتشارًا بعد الصينية والإنجليزية والإسبانية، والمركز السادس استخدامًا على مستوى العالم، حيث تتكون من 12 مليون و300 ألف و912 كلمة، بما يعادل 25 ضعفا لعدد كلمات الإنجليزية التي تتكون من 600 ألف كلمة، بما دفع البعض لتتويجها بلقب «درة تاج اللغات».
وأشار الدكتور صفوت عمارة، إلى أنّ العالم يحتفل باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، وقد وقع الاختيار على هذا التاريخ بالتحديد للاحتفاء بلغة الضاد لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة إلى جانب الإنجليزية والصينية والإسبانية والفرنسية والروسية، في 18 ديسمبر عام 1973م، ويكفى اللغة العربية شرفًا أنها لغة القرآن الكريم، التي اختارها اللَّهُ تعالى من بين لُغات الأرض ليكون بها كلامه الخالد المعجز إلى قيام الساعة، ولا يكون هذا الإعجاز إلا لكون هذه اللّغة تحتمل ثقل الكلام الإلهيّ وقوة الخطاب الربّاني، ويقول الإمام ابن كثير في تفسيره معللًا لاختيار العربية لغةً للقرآن الكريم: “وذلك لأن لغة العرب أفصحُ اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأديةً للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أُنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكمل من كلّ الوجوه”.
وأكد الدكتور صفوت عمارة، أنّ اللغة العربية محفوظة بحفظ القرآن، وستظل خالدة ولن تموت، لأنها لغة القرآن الكريم، الذي تعهد اللَّه تعالى بحفظه؛ فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]، ويرى الباحثين من العرب والمسلمين والمستشرقين، أن القرآن الكريم كان السبب الرئيسي في حفظ اللغة العربية ونشرها، بدليل أن أول كتاب صدر عن النحو العربي، جاء بعد قرابة قرنين من هجرة النبي محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وهو كتاب «الكتاب» لـ«سيبويه».
ونوه الدكتور صفوت عمارة، إلى أنّ القرآن الكريم لما نزل بلهجة قريش أجمع العرب على روعة بيانه وقوة برهانه؛ فشهد الوليد بن المغيرة ببلاغته، وقال: “والله لقد سمعت منه كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوةً، وإن عليه لطلاوةً، وإن أعلاه لمثمرٌ، وإن أسفله لمغدقٌ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر”، ويقول مصطفى صادق الرافعي: “إنّ هذه العربية بُنيت على أصل سحريٍّ يجعل شبابها خالدًا عليها فلا تهرمُ ولا تموتُ، لأنها أُعدت من الأزل فلكًا دائرًا للنيرين الأرضيين العظيمين كتاب اللَّهِ وسنة رسول اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، ومن ثم كانت فيها قوةٌ عجيبةٌ من الاستهواء كأنها أخذةُ السحر” [من كتاب راية القرآن].
واختتم الدكتور صفوت عمارة حديثه قائلًا: لا يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمال اللغة العربية، ومنطقها السليم، وسحرها الفريد؛ فهي تفوق سائر اللغات جمالًا وعذوبة، ويزخر التاريخ بالشواهد التي تبين تأثير اللغة العربية في عدد من لغات العالم، مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية، وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل: الهاوسا والسواحيلية؛ فأدخلت إليها حروف الكتابة وكثيرًا من الألفاظ، وكان تأثيرها في اللغات الأخرى عن طريق الأصوات والحروف والمفردات والمعاني والتراكيب، وأدى اصطدام العربية باللغات الأخرى إلى انقراض بعض اللغات وحلول العربية محلها كما حصل في العراق والشام ومصر، وإلى انزواء بعضها كالبربرية وانحسار بعضها الآخر كالفارسية، ولقد أصبحت لغات الترك والفرس والملايو والأوردو تكتب جميعها بالحروف العربية؛ فكل عام وكلّ من ينطق باللسان العربيّ بألف خير..
التعليقات مغلقة.