صفوت عمارة: الأمل والتفاؤل منهجٌ رباني وخلق الأنبياء
قال الدكتور صفوت محمد عمارة، أحد علماء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، إنَّ الأمل والتفاؤل أفضل الطرق للحصول على الطاقة الإيجابية؛ فهما بمثابة النافذة التي يشعُّ منها ضوء الشمس ونور الصباح، ونحن في حاجة للأمل والتفاؤل دائمًا، حيث قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “ابتسم لو القلب يقطر دمًا، وتوقع خيرًا مهما كثر البلاء”، ويُعرف الأمل بأنه حالة من التحفيز الإيجابي القائم على شعور النجاح المُكتسب بشكل تفاعلي، والعاطفة التي يشعر معها الإنسان بالإيجابية تجاه ذاته وتجاه الآخرين، ويُعرف التَّفاؤل بأنه توقع الخير، وهو المدخل إلى الفرح والسعادة، لأنّه يُشعر صاحبه أن السعادة قادمة بإذن الله، وأن في كل شيء جانبٌ مضيء يجب البحث عنه، وأن مع العسر لابدّ وأن يأتي اليسر، قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [سورة الطلاق: ٧]؛ فطبيعة الحياة لا تسير على وتيرة واحدة.
وأضاف «صفوت عمارة»، أنَّ الشريعة الإسلامية حرصت على غرس الأمل والتفاؤل في النفوس؛ فالمؤمن لا يمكن أن ييأس أو يصاب بالإحباط والقنوط أو يتسرب القلق إلى نفسه، لأنه يثق في اللَّه وفي عدله وفي رحمته، وأنه لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وقد ندد القرآن بالقنوط واعتبره قرين الضلال، فقال تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56]، ومن هنا يرتبط الإيمان بالأمل ارتباطًا وثيقًا ويشكلان وحدة واحدة؛ فعندما يتمسك الإنسان بالأمل تتولد لديه الرغبة في الحياة، ويرى الحياة بألوانها الوردية التي تُعيد له الشغف والإقبال على العمل والطموح وتحقيق الأهداف، ومن الآيات التي تُعطيك أملًا في غدٍ أفضل، قوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1].
وأكد الدكتور صفوت عمارة، أنَّ الأمل والتفاؤل منهجٌ رباني من باب حسن الظن باللَّه، ولقد أمر اللَّه عباده بأن يظنوا الخير دائمًا، وكما قيل: “تفاؤلوا بالخير تجدوه”، وورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: يقول اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ”أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرته في ملإٍ هم خيرٌ منهم وإن تقرب مني شبرًا تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه با وإن أتاني يمشى أتيته هرولةً” البخاري ومسلم]؛ فمن عرف باب الأمل والتفاؤل لا يعرف معنى اليأس أو المستحيل، ويؤكد القرآن الكريم أن المؤمن لا يعرف اليأس قال تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]، ومن ذلك يتضح أن الأمل والتفاؤل نتيجة طبيعية للإيمان، ورحمة من عند اللَّهَ لعباده؛ فلولا الأمل ما أرضعت أم ولَدًا ولا غرس إنسان شجرة؛ ففي قلب كل شتاء ربيع نابض ووراء كل ليل فجر باسم؛ فالمتفاؤل يرى الفرص في كل مصيبة والمتشائم يرى الهلاك في كل مصيبة.
وأشار الدكتور صفوت عمارة، إلى أنَّ خلق الأمل والتفاؤل من أخلاق الأنبياء والمرسلين، وهو الذي ساعدهم في مواصلة دعوة أقوامهم إلى اللَّه دون يأس أو ضيق أو ملل، برغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وأذى، أملاً في هدايتهم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وحياة الأنبياء مليئة بصور الأمل والتفاؤل نذكر منها:
«نوح عليه السلام»، ظل يدعو قومه إلى الإيمان باللَّه دون أن يمل أو يضجر أو يسأم ألف سنة إلا خمسين عامًا، بل كان يدعوهم بالليل والنهار في السر والعلن فُرادى وجماعات؛ فأوحى الله إليه أنه لن يؤمن معه أحد إلا من اتبعه فصنع السفينة، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
ولم يُفارق الأمل «إبراهيم عليه السلام»، حيث صار شيخا كبيرا في السن ولم يرزق بأولاد، ودعا الله عز وجلّ فاستجاب له ووهبه إسماعيل وإسحاق، ولم يُفارق الأمل «يعقوب عليه السلام»، حينما فقد يوسف عليه السلام، حيث لم ييأس ولم يقنَط من رحمة الله، ولم يُفارق الأمل «يوسف عليه السلام»، عندما مر بمحن اتهامه بمحاولة التعدي على زوجة العزيز وتفضيله السجن على أن يرضخ لمطلبها، فأودع السجن لسنوات؛ فلم يتخلى عن إيمانه وثقته بالله وكان دائم اللجوء إليه وكان له العاقبة الحسنة حيث أصبح عزيز مصر ومالك خزائنها واتى بابيه وإخوته وقومه لأرض مصر، ولم يُفارق الأمل «أيوب عليه السلام»، حينما ابتلاه الله بذهاب العافية، والولد، والمال.
ولم يُفارق الأمل «يونس عليه السلام»، حيث التقمه الحوت وكان الأمل في نجاته منعدمًا وخاصة إذا علمنا أنه في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، لكن يونس عليه السلام لم يفقد الأمل: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء: ٨٧)؛ فجاءه الرد الرباني على جناح السرعة: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} (الأنبياء: ٨٨)، و«موسى عليه السلام»، لم يفقد الأمل والثقة في نصر الله حين طاردهم فرعون وجنوده، فظن قومه أن فرعون سيدركهم، وشعروا باليأس حينما وجدوا فرعون على مقربة منهم، وليس أمامهم سوى البحر؛ فأمره الله أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، وعبر موسى وقومه البحر في أمان، ثم عاد مرة أخرى كما كان، فغرق فرعون وجنوده، ونجا موسى ومن آمن معه.
وكان نبينا «محمد صلى الله عليه وسلم»، مُتفائلاً في كل أحواله، مُحسنا الظّنّ بربه في كل أوقاته، وكانت حياته مليئة بالأمل والتفاؤل، رغم ما فيها من شدة وبلاء؛ ففي حادثة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأسباب الظاهرة والمتاحة له، إلا أن المشركين وصلوا إليه وهو في غار ثور، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحبه سير أقدامهم وكلامهم، وهنا خاف أبو بكر رضي الله عنه، على النبي صلى الله عليه وسلم، وحُقَّ له ذلك، فقال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: وأنا في الغار: لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنك يا أبا بكرٍ باثنين الله ثالثهما» [رواه البخاري ومسلم].
التعليقات مغلقة.