في إطار سلسلة اللقاءات التي أقوم بها بقصد اتاحة الفرصة امام المهتمين بالشأن الثقافي والابداعي والكتابة الادبية بشكل عام والذين قد يعانون من ضائلة المعلومات الشخصية عن اصحاب الابداعات الثقافية عبر انحاء الوطن العربي الكبير،لذلك فان اللقاءات بهم والحوار معهم يتيح للجميع التعرف عليهم من قرب والتواصل معهم مستقبلا
وفي ما يلي نص الحوار
س :- كيف تقدم نفسك للقارئ ؟
مرحبا عزيزي .. و لو أني لا أرتاح لمثل هذا السؤال كوني اعتقد أنه لا يمكن لأي كان أن يقدم نفسه، حبّذ لو قدمتني أنت استنادا إلى المعلومات التي بحوزتك .. هكذا تجنبني الحرج و ألزم نفسي عند حد غرورها ـإذا سوّلت ـ !
ـ كاتب عربي ، إعلامي مخضرم منذ القرن الفارط ، ولدت بالجزائر و ترعرعت في هذه الأرض الطيبة المجاهدة بمنطقة الشرق ( الجزائر الحبيبة) .. أهتم بالفكر و الفلسفة ، الأدب ، فنان تشكيلي و خطاط ..
مزدوج اللغة التعبيرية .. مؤسس منذ عامين منحى أدبي جديد: « السِّيامية التفاعلية الأدبية (الخلفاوية الإبداعية الحديثة). » في أيلول 2018 و كان لي الشرف أن يشترك معي في هذه التجربة رائد الرواية التفاعلية الأديب العراقي الأعز « صالح جبار »
ـ مدير و مؤسس صحيفة « الفيصل » الشاملة الساخرة من باريس .. عضو في نقابة المؤلفين و الكتاب الفرنسيين و عضو في النقابة الوطنية للصحافة بفرنسا..
بعيد عن الوطن لقرابة ربع قرن …
س:- أنتاجك الأدبي من خلال نبذة وجيزة ؟
من إنتاجي الأدبي المتواضع : منجز جماعي مع مثقفين و صحفين أفارقة 1999 يتناول ظروف الإندماج للنخب المثقفة في فرنسا و المهجر ككل بعنوان « كيف تتعامل فرنسا مع اللاجئيين ـ رسائل إلى أمهاتنا بقين في أوطاننا » من إصدار أعرق دور النشر الفرنسية العالمية « لارماتون » ..
L’harmattan
ـ ديوان شعري باللغة الفرنسية ، عبارة عن ترجمة ذاتية لأشعاري من القرن الماضي بعنوان » ماجدة الحب حتى الموت » عام 2001. ماجدة .هي بنتي البكر.
ـ مجموعة شعرية « عد إلي .. سكر الكلمات » 2009 ـ و رواية « سان نايت و الهويات المُنكّلة » عام 2009 من إصدار « أوديليفر ـ باريس ».
ـ « المُساء فهمه: رسالة مفتوحة إلى الله » ديوان شعري من إصدار نفس الدار العريقة « لارماتون ـ باريس ».. عام 2014 ـ كتاب « الثائر : قصاصات حلم مغتال » عام 2015 ، هي مجموعة مختارة من كتابات سياسية ساخرة مترجمة إلى الفرنسية كتبت في القرن الماضي على أعمدة صحيفة أسبوعية كنت مدير تحريرها بالجزائر.
ـ مجموعة « حالة عصيان و فرار » سنة 2017 صدرت في مصر و شاركت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عن دار « ضاد » للنشر و لحد الساعة لم تصلني نسخي المتفق عليها حسب العقد .. و صاحب الدار لا يرد على تسالؤلاتي و لم تبق عدا الطرق القضائية لإحقاق الحق بعد استنفاد كل المحاولالت الودية!
و أعمال كثيرة روائية ،شعرية و فكرية تنتظر النشر.
س:- من هم الأدباء والشعراء الذين تاثرت بهم ؟ ومازلت تنهل من إبداعاتهم حتى الآن كقدوة ومثال لك ؟ـ
ـ التأثر نعم و أكيد و إلا فإنني أنفي فعل المطالعة و القراءة.. أما أن ـ أنهل ـ من إرث و إنتاج و جهد من سبقني فهذا محرم علي من قبل نفسي . فلكل كاتب حقيقي يحترم نفسه عليه أن يهتدي إلى أسلوب يخصه و إيجاد لغته الثانية الشعرية الأدبية للتميز و ألا سوف يعيش في جلباب أو جلد غيره و ينفي إراديا شخصيته الإبداعية… قد يكن هناك تشابه في الأسلوب و الأداء الإبداعي ؛ كأن يرى البعض أني أقتفي أثر نزار قباني أو أحمد مطر و غيرهم من قامات الأدب العربي الحديث المعاصر. و من يقرأني بالفرنسي يلحق بي صفة المقارنة بكتاب و فلاسفة كبار!
لهذا أسعى باستمرار بخلق أدواتي الخاصة الإبداعية في الكتابة كي أمزق أكبر قدر حدود و آفاق الممارسة للنص مهما كان جنسه حتى يتسع أكثر لخيالي الفكري المعرفي المسقط على الورق .
الأدب العربي ـ ما قبل العصر الفيسبوكي ـ و الإفتراض حملة عرشه كانوا مشعلا مهما في ترك درر الكتابة الأدبية رغم ـ واحدية ـ و عنترية الأنظمة الشمولية.. و للذكر لا للحصر :
محمود درويش، أحمد مطر، نزار قباني ، الجواهري ، جبران خليل جبران ، الكواكبي ، طه حسين، نجيب محفوظ ، حامد أبو زيد ، الطاهر وطار الذي جمعتني به و نخبة من الكتاب العرب في أعمدة مجلة « الزمان الجديد » بلندن…
فلا أستطيع ليس غرورا مني بأن أرشح واحدا من هؤلاء كقدوة أو مثلا ، بل كلهم بما في ذلك من لم أذكرهم من طرازهم عصارة الزمن الجميل قبل اختفاء كل شيء و تعويض العمق بأدب المسوخ و الإستعراض في منصات الإفتراض و دور « نشر الرداءة و توزيع الموبقات الأدبية الإبداعية » أتحدث عن تلك الدكاكين المتكاثرة في الوطن العربي كتكاثر الأعشاب الضارة و التي تعطي لنفسها صفة دور النشر و ما هي إلا واجهات ـ موجعات ـ لأناس مكبوتين فاشلين مرتزقة جيء بهم من قبل أصحاب المال و السياية لهدم الفكر و الفعل الثقافي.
س:- أنت عضو في العديد من المنتديات الثقافية والادبية ولك موقع خاص باسمك – فهل استطاعت الشبكة العنكبوتية تقديم الانتشار والتواصل بين الاديب والمتلقي ؟
ـ .. الشبكة العنكبوتية هي أوهن الفضاءات ذات حدين؛ منها من فهم و فقهها و استطاع أن يقدم شيئا للمتلقي و التقرب أكثر إلى قرائه و متتبعية رغم ضجيج « المسوخ » و الأشباه الأشباح و أزلام الإفتراض.. للكاتب الحقيقي السلطة و القرار الأول و الأخير في استعمال الشبكة الإلكترونية في التسويق و التعريف بإنتاجه ، علما أن التحولات التكنولوجية فرضت البديل الرقمي فرضا قويا و سيأتي يوم سيوضع فيه الكتاب الورقي في المتاحب و سيصبح تراثا إنسيانيا عالميا ؛ على عكس فهم المثقف العربي الذي لم ينضج بعد و مازال يعطي للورق أهمية في نشر و طبع منجزاته و لهذا يتعرض للإحتيال و النصب من قبل لصوص « النشر » في ـ البلادة العربية ـ التي كانت بلاد، قبل أن تتأنث بفعل التخلف و تفاقم الصراعات على الحكم و الدين! أمة إقرأ لا تقرأ تقريبا و انتاج الكتب في الوطن العربي مقارنة مع الأمم الأخرى مضحكا، أما عن نسبة المقروئية فمن الأحسن ألا نتعرض لهذا الموضوع لأنه يسبب إكتئاب شديد! باختصار شديد « الرقمنة و منصات الشبكة العنكبوتية هي أدوات نتجت عن رغبة الإنسان الحديث في توصيل المعلومة مهما كانت طبيعتها في أسرع وقت ممكن و بأقل تكلفة و بأكثر انتشار ؛ و لن يكون بديلا غيرها في المستقبل شئنا أو أبينا
س : ما هي مشاكل الكاتب العربي المغترب ؟ وما هي العاراقيل التي تواجهه في التواصل مع القارئ ؟
ـ تختلف مشاكل الكاتب المغترب أو في المنفي الطوعي و القسري و لا يمكننا حشرها في خانة واحدة؛ إلا عمومها تتمثل في صعوبة الإندماج في المجتمعات المستقبلة اجتماعيا و مهنيا و إقامة قارة . اللغة، العادات بالإضافة إلى ظاهرة العنصرية و الرفض و عدم تقبل الأجنبي بتحريض أو تشجيع أطراف سياسية و نخبوية و جمعوية.. إلا أن القوانين في مجملها في الدول الغربية حافظة للهيكل الرسمي الأساسي لحقوق الإنسان المقدسة دستورا و في المواثيق الدولية. أكبر مشكلة تواجع المثقف الكاتب العربي هي « الفقد » و « الحنين » و الحرمان من الأرض الأصلية و الأهل ؛ الوطن بكل شمولية المعنى.
س :- كيف يمكن ان يكون الادب قادرا على المساهمة في صناعة رأي عام؟خصوصا في ظل الاحداث الجارية في الوطن العربي؟
ـ أولا يجب توفر الأديب بكل يما تحمله الكلمة ؛ الأدب هو رسالة و أمانة ؛ عندما يتخلص ما يسمي بالكاتب من غروره و صعلكته و تسليته لنفسه و نرجسيته المرضية . للضالين من الأتباع الهائمين في أوديتهم الجافة يستطيع ربما تقديم شيء بإمكانه المساهمة في صناعة رأي سليم بنَّاء عام.. نحن في هذه الظروف بعد ـ تقسيم المقسم ـ و تشريد المشرّد ـ و تيتيم الميتّم نتوفّر على عرائس قرقوز تحاول الإبقاء الوضع على حاله بعضها بوقا لأنظمة شمويلية متجبرة و خائنة و بعضها الآخر صامت على الظلم و جبان و بعض منه هرب و فلت بجلده و أشهر رايته البيضاء و ولى أعداء فكره و رسالته دبره! كل يسعى لتحقيق مصلحته الضيقة الفردية و مشغول بـ « سيلفي » يأخذه هنا و هناك في أماكن وهمية مختلفة و نشرها في بوستات على « الأزرق » في انتظار هطول « لايكات » الوهم و يا لروعاتك و يا لعظمتك يا « دناكشطة المارد الأزرق »!!
الشبه أديب في وطننا العربي غارق ( لشوشتو) كما تقولونها في مصر .. في عزله و غرامه و يتغنى بحبيباته الإفتراضية و الواقعية في ذات الوقت دول أجنبية و طغم حاكمة بصدد اغتصابه و حبيباته و وطنه و الفرحة « ميش سايعاته! » و هو يحصل على ديبلوم افتراضي موقع من قبل جهة افتراضية أعطته لقب سفير السلام و النوايا الحسنة ـ السيئة في باطنها ــ و ديبلوم دكتورا فخرية ـ الفخار أحسن منها ـ تقديرا لمجهوداته في رفع مستوى الأدب الذي لم يقرأه أحد !
ـ الجوائز الأدبية و المسابقات العربية القطرية ـ و المقطورة ـ و الغربية و ـ المغرورة ـ حتى ما هي إلا أسواق دعارة إبداعية في أغلبها تخدم مؤسسي هذه الجوائز لتعميق الهوة بين الكاتب و مجتمعه الأصلي .. في غالب الأوقات تفوز الأعمال الرديئة و غير المتوقع في فوزها.. بكل بساطة استحمار من يلهث وراء الجوائز و صفة الكتابة و الأدب و الشهرة و ازدهار جمهوريات « اللايكات » في كوكب مارك الأزرق المارد !
سؤال مرعب أطرحه على نفسه و كتبت في شأنه كثيرا.. كيف سيلقون الله هؤلاء و أقلامهم و جوائزهم الوهم.. ويل لهم مما يسطرون!
س :- حينما يكون المبدع خارج الحدود المكانية لوطنة (نحن نعلم انك تعيش في فرنسا ) هل تختلف نظرتة للاحداث التي تجرى في وطنه؟…
سؤال وجيه و مهم.. نعم هي الجانب الإيجابي جدا في معضلة المهجر و المنفى .. لا تختلف نظرته بل تصبح نظرة عقلانية و بأكثر موضوعية و نضجا .. لو أخذنا شخصا ما إلى قاعة عرض لوحات زيتية لفنان تشكيلي ما و طلبنا منه الإقتراب بأكثر ممكن من لوحة ما و طلبنا منه أن يعطينا إنطباعه و قراءته للوحة .. ثم نطلب منه بعد ذلك الإبتعاد أكثر و التراجع للخلف بمترين أو ثلاث أمتار سيكون إنطباعه الثاني أكثر دقة و موضوعيا و مفيدا له.. الإبتعاد و ـ فك الإرتباط لمدة زمنية معينة ـ و التراجع للخلف يعطينا متسعا من الوقت بعيدا عن التورط في القرب المبالغ فيه و حسر العاطفة زيادة فوق اللزوم فنخطئ الحكم على الشيء. وجود المبدع خارج الحدود ـ الزمكانية ـ للوطن الأصلي تجعله يأخذ بكل النظريات بعيدا عن الضغوطات المجتمعية بكل تناقضاتها كذلك الضغوطات السياسية الدينية و يستفيد من الحصول على استقلالية التفكير و التحليل و بإمكانه أن يصدر قراءة و حكما حياديا موضوعيا يستفبد منه هو و غيره إذا كان له أتباع متأثرين بفكره و تجربته.. إذن وجود المبدع المفكر الأديب خارج حدود الوطن من شأنه عن بعد إثراء النقاش الإجتماعي السياسي و الديني حتى. طبعا هذا ليس شرطا عاما، فالأمر يتوقف على مدى سلامة و صحة النشأة الأصلية لما يسمي بالمبدع.. فكثير من مبدعين و كتاب و مثقفين عرب مسلمين تربوا على الإحساس بالدونية و تقديس الأجنبي كانوا سببا في دس القلاقل و الفتن في أوطانهم مقابل متاع الغرور سامحهم الله و غفر لهم
س :- ما رأيك بالترجمة ؟ وما وسيلة المبدع العربي كي يصل الى العالم؟
ـ االترجمة هي ضرورة في كل الأزمنة الحقبات التي مرت بها الحركة الأدبية الإبداعية ؛ على الرغم أن الترجمة في حد ذاتها هي « خيانة للنص الأصلي » إلا أنها واجبة للترويج لثقافات متبادلة و أفكار و إيصال رؤى للتعارف الثقافات العالمية على بعضها و ربما تتصاهر ـ ثقافيا ـ و إبداعيا من أجل تقريب الآخر بنظيرة الإنسان.. التعصب للغة معينة و ثقافة معينة يقتل ما تعصبنا لأجله خنقا و عزلة.. الترجمة هي الإنفتاح و التقرب من الآخر.
س : ترجمت قصائدك للغة الفرنسية حدثنا عن ذلك ، وهل الترجمة تنقل روح العمل اما نصه ومعناة ؟
نعم قمت بترجمة كثير من أعمالي بحكم إزدواجية اللغة الإبداعية لدي. كما سبق و أن أجبتك فالترجمة في حد ذاتها خيانة للنص الأصلي.. و هو عمل شاق جدا إذا تعلق بالإبداع ؛ طبعا أتحدث عن الأعمال الجادة ليس عن الأعمال السطحية التي تنجز بسرعات برقية.. النصوص تحتاج إلى احترام كبير من قبل المترجم الجاد و المتمكن.. تختلف نسبة نجاح الترجمة من نص إلى آخر .. قد تترجم أعمال بشكل قريب جدا من النصوص الأصلية خاصة إذا كان المترجم قارئا وفيا أو له قرابة و علاقة حميمية مع كاتب النص الأصلي.. كون العامل النفسي و الدراية ببعض خصوصيات الكاتب و معرفة تامة لأسلوب كتابة النص الأول تجعل المترجم في أريحية لتناول نصوص الآخر بشيء من الوفاء للنصوص الأصلية.. و منه تنجح تجربة استنساخ شبه كلي للنص الأصلي. و هذا ما استطعت و الحمد لله في أغلب ما كتبته أو ترجمته من أعمالي علما أن بعضها كتب بالفرنسي و ترجم إلى العربية و قد تقربت مني أكثر من شخصية و دور للنشر كي أضع خدماتي في هذا الجانب إلا أنني رفضت هذا؛ و منذ عام قدم لي عرض ـ اعتبرته مساومة ـ من قبل دار نشر فحواه ترجمة عمل أدبي معروف مقابل نشر كل أعمالي و رفضت ذلك بحكم ضيق وقتي و انشغالاتي و تعقيد العمل و الجهد الذي سيكلفني بالإضافة إلى أسلوب ـ الإبتزاز الفكري ـ ؛ و كوني لست من ـ لاهثي ـ و عطشى النشر تملصت من هكذا مضيعة للوقت. و قد تفشل الترجمة و ربما تسيء و تهين النص الأصلي إذا لم نقتنع بالنص أو فرض فرضا لسبب من الأساب.. ينجح دائما فعل الترجمة عندما يختار المترجم نفسه و يرشح النص كونه دائما يكون هذا الإختيار مبنيا على حبه للنص و تقبله فكريا و إبداعيا و شعريا ، القبول الكبير ، فتحدث الترجمة بلغة شعرية متقاربة و ربما قد تضيف بصمة جديدة تزيد من النص الأصلي قيمة إضافية .
س :- هل ترى أن حركة النقد علي الساحة الادبية العربية الأن – مواكبة للإبداع ؟
ـ حركة النقد؟: في رأيي و رأيي لا يلزمني إلا أنا مع إحترامي للجميع و لمحاولاتهم في هذا الشأن؛ لا توجد حركة و لا يوجد نقد! توجد ورشات و أعمال تصب مجملها في كتابة ـ تحب الطلب ـ بفعل الصداقات و ـ مآرب أخرى أفضل عدم التطرق إليها هذه الكتابات هي رؤى إشهارية تسويقية للغث و إن وجد من السمين في وسط ضجيج الرداءة و التشوهات الخلقية في مجال الأدب و الإبداع العربيين!
قبل أن نتحدث عن النقد و دور الناقد و وظيفته يجب أن نقوم بتطهير شامل لكل ما يكتب و تصنيفه تصنيفا نزيها بدلا من تضييع وقتنا في كتابة البهتان المبين جمل ترمى و رميت على جدران واهية واهنة لفضاء العنكبوت.. في رأيي النقد الحقيقي مات و لم نصلي عليه حاضرا و لا غائبا .. لأن هناك من يعتبر النقد لم يولد بعد في الوطن العربي و لم يكن إلا ـ حملا واهما ـ!
س :- ما هي مشاكل المبدع العربي؟ وماهي الاسباب التي قد تؤدي إلى عرقلة العملية الإبداعية والتأثير السلبي عليها؟
مشكلة المبدع العربي تبدأ بنفسه أولا:نرجسية مفرطة. غروره و تسرعه و فهمه للإبداع و الكتابة أنهما مقترنان بالشهرة و النجاح و الأضواء .. مغمور .. أناني و ساذج يستدين و ربما على حساب قوته و قوت أهله ليذهب إلى « دكان نشر لتوزيع مكبوتات مغمور » و يدفع له أمواله ليحصل على نسخ يستعملها في « سالفياته » و ينتهي الأمر! سطحيات الطرح لمعظم المبدعين و توازيهم مع واقعهم السياسي و الإجتماعي و انزوائهم في ركن البوح العاطفي يجعل منهم مبدعين بلا قضية جوهرية فقاعات مناسباتية.. إبداع الفضفضة و فش غليلهم من ضعفهم و كبتهم.. المبدع الحقيقي هو الذي يتحدي كل التيارات المضادة لا يخاف من التطرق إلى أي موضوع.. عندما تنتهي معضلة « الإنفصام » و النفاق و الجبن يستطيع المبدع أن يجابه كل العراقيل.. الإبداع الذي لا يساهم في استنهاض مجتمعه وتوجيهه توجيها سليما لتحقيق رفاه و عدالة إجتماعية هو مبدع فطري ـ من الفطريات ـ متواطئ مع العراقيل المصطنعة لتخدير مجتمع .. المبدع الحقيقي تعرقله إيديولوجية « الدوغم » أو الأبوية السياسية النظامية الدينية العاداتية.. كتبت ذات عام في هذا الموضوع ( منذ أربع سنوات ) وتناولت أيضا ظاهرة أو باء « العظمة » و علاقته بفشل الحراك الإبداعي و الثقافي في الوطن العربي.. معظم مبدعينا يحلمون بـ « البوكير ، و كاتارا، و نوبل و غيرها من مشوهات الحركة الإبداعية
س :هل ترى في السنوات القادمة بوادر نهضة شعرية ونقدية عربية حقيقية؟
.. نص: « سايس بيكو و قصائد مومسة! » كتبته في مئوية اقتسام الوطن العربي أسقطت فيه ورقة التوت على الجميع و قلت لب رأيي في المشهد الكارثي الذي تعاني منه الحركة الثقافية الإبداعية. يجب أن يتوقف المبدع العربي ـ الحقيقي ـ عن لومه و بكائه من الأنظمة المتجبرة و من أوضاع االبلاد.. فوالله لو تولى الشعراء و المبدعين و الأدباء أمر العباد و البلاد لكان الخراب المبين و كانوا أسوأ من حكم البوليس و الجنرالات!
س :بصفة ان حضرتك المدير المسؤل ورئيس التحرير لصحيفة الفيصل – هل الاعلام يعطي المبدع حقه بتسليط الاضواء علية والاخذ بيدة حتي يظهر للجمهور؟
ـ بطبيعة الأمر الإعلام بمفهومي الطبيعي قد يعطي دفعا لمن يستحق في تسليط الضوء على إنتاج المبدع و الترويج لأفكاره إذا كانت تستحق التشجيع و الأخذ بيده و توجيهه ربما .. لا أتفق مع مصطلح الجمهور و لا أحب من الكاتب أو المبدع الحقيقي أن يقع في هكذا مطب .. الجمهور هو ما يشبه القطيع مخصص للرقص و الغناء و غيرها من الأنشطة الترفيهية .. أما القراء فهم أولئك الأفراد الذين يتمتعون بذائقة أدبية يرافقون الكاتب و المبدع في مشواره .. الجمهور هو مصطلح للاستعراض و الهيصة الفارغة للتسلية و تمضية الوقت !
للأسف الشديد فالإعلام العربي ممثل « السلطة الرابعة » كان فعالا و مؤثرا إلى حد كبير في تحريف و تضليل المشهد .. العوامل الإقتصادية و التحولات و الصراعات السياسية في كل بلد عربي قامت بتدجين و تدجيل أقدس الرسالات و هي الإعلام النزيه .. لهذا دور الإعلام الحالي بنسخته « الصفراء » إلا من رحم ربي ساهم و يساهم في نفخ دمى و أزلام على حساب من يستحق و اختلط الحابل بالنابل..
لهذه الأسباب التي جعلتنا و جعلتني أنا تحديدا أن أقدم على بعث صحيفة « الفيصل » من باريس كي نحاول إسعاف ما تبقى من الحركة الثقافية و إعطاء الفرصة لمن يستحق في التعريف بملكاته الثقافية الإبداعية الأدبية .. و « الفيصل » هي تجربة فريدة من نوعها حيث ـ بكل فخر و اعتزاز ـ لا توجد صحيفة عربية أو أجنبية تقدم المبدع و الكاتب و تحتفي به كما نفعل نحن .. و تسعى دائما لرفع سقف الإبداع في نشر ما جاد من المنتوج الإبداعي في القسم الثقافي للصحيفة…
الصحيفة كما ذكرت في الحوار « صوت لمن لا صوت له » لا إقصاء فيها ـ إلا من أقصي نفسه بنفسه! ـ . جريدة وطنية دولية جوارية ساخرة و شاملة.. الغرور و النرجسية المفرطة و الإنتفاخ الفاضي و عدم التواضع هي أسباب تحتم علينا إقصاء صاحبها مهما كانت مكانته في الساحة كفانا تفشي هكذا أوبئة.. نحن المنبر الوحيد الذي نعالج فيه أو نستأصل هذه الأورام التي يعاني منها بعض المبدعين و الكتاب!
?س : من سيقود في المرحلة المقبلة الثقافي أم السياسي – وما علاقة الثقافة بالسياسة
ـ إذا كان لدينا مواطنا مثقفا بالمحصلة سيكون لدينا مجتمعا محبا للثقافة أكثر من حبه للبطن و الفرج لن أتحدث عن الدين بحكم أنهم منافقون و يكذبون على الله .. هل تعرف ما حكم من يكذب على الله .. الإجابة موجودة في التنزيل المقدس ـ القرآن ـ ! و إذا تثقف الشارع ثقافة سليمة سيحكم البلاد رجال مثقفون
س : هل هناك إسقاطات للتحولات الاجتماعية والسياسية في أعمالك الأدبية الحالية ..بمعنى آخر هل ترى ابداعك يعبر عن الواقع ؟
إبداعي ليس فحسب فيه إسقاط للتحولات و المسخ الإجتماعي السياسي و إنما كنت و لم أتوقف عن محاولة زلزلة ركام سقوطنا .. إلى درجة السخط قهرا و أسى و حزنا على ما وصلنا إليه
« “لو كان عدد العلماء في الوطن العربي
بعدد الشعراء
لفتحنا العالم
و لاستعمرنا القمر و عطارد
و ربما شيدنا زحل
إلا أننا لو أحصينا أجرأهم
و أصلحهم
و أصدقهم
لأُصبنا بالحياء و شعرنا بالفضيحة
و تملكنا الْخِزْي و الخجلْ !
هم يسبحون في أوديتهم بغواتهم
و شعوبهم تتخبط في القهر و الوحْل!”
من ديواني المقبل هذا المدخل للمجموعة في (الراهن العربي من خلال نصوص ساخرة “إيروسياسية”!)
س :لكل مبدع محطات تأثر وأب روحي قد يترك بصماته واضحة خلال مراحل الإبداع، فما هي أبرز محطات التأثر لديك، وهل هناك أب روحي ؟.
ـ والله اعتقد أنه لا يوجد أحد مثلي يقمع نفسه و يجلدها أكثر مني. فلا تعتبرني مغرورا إذا قلت لك أنه لا يوجد أب روحي لدي و لا تأثر و لا هم يُسعدون، فبحكم تجربتي المأساوية التي وضعني فيها الله منذ أن بدأت مبكرا شاقا هذا الطريق .. روحي متأثرة دون أب .. فأنا رسالتي التي كلفني بها ضميري و فطرتي السليمة متأثرة بالحيف و الظلم الذي ساد و يسود في وطني و باقي البلدان العربية… لقد تربيت على ذلك .. مسلسل حلقاته سجون و معتقلات ، إقامة جبرية و منافي كل هذا لأني سبحت ضد التيار و لا أستطيع أن أغمض عيني على الحق مهما كان .. الثمن كان باهضا و غاليا و لكن الحمد لله ما عند الله خير و أبقى .. عندما أموت سأموت راضيا مرضيا لأني لم
أبع ذمتي لا لعسكري جائر و متجبر و ظالم و خائن و عميل أعداء الأمة و لا لرجل دين و زنديق يشتري بآيات الله ثمنا قليلا !
س :ما الرسالة التي يجب علي الأدباء تقديمها للمجتمع في الوقت الراهن ؟
أن يكونوا أدباء لا مرتزقة و لا أبواق لوبيات سياسية و حزبية و دينية .. أن يتأدبوا أولا حتى يكون الأدب في صحة جيدة تربويا ثقافيا؛ بمعنى ألا يأمروا بالصلاح و العدل و المثلى و يأتون بعكس ذلك .. أن يكونوا سندا لشعوبهم لا عليها.. أن يفرقوا بين فعل الكتابة و فعل الرقص و التطبيل و الدعارة الفكرية من أجل مآرب دنيئة قذرة ضيقة
س :- مشروعك المستقبلي – كيف تحلم بة – وما هو الحلم الادبي الذى تصبو الى تحقيقة ؟
ـ في زمن اللصوص و المتسلقين لا يجب الإفصاح عن المشاريع المستقبلية.. فلكم في « الفيصل » عبرة.. أين تم السطو عليها و سُرقت من قبل صحف و منابر عربية .. على سبيل الذكر صحيفة عربية يومية لبنانية توقفت قامت بسرقة شعار صحيفة « الفيصل » ( صوت من لا صوت لهم!) رغم أن لهذه الصحيفة قدر و مكانة في تاريخ الصحافة و الإعلام العربي ؛ فإني لا أفهم دواعي و سبب هذه السقطة الأخلاقية عندما بعثت نسختها الرقمية بعد توقف الجريدة الورقية مستعملة دون حرج و لا إذن منا شعارنا.. و هناك منبر مشبوه عراقي ـ أدنى أخمية ـ و قدرا يديره لص بأتم المعنى حيث أثار حوله عدة قضايا مشبوهة نشرت على النيت هذا الأخير لم ـ يكظم ـ طبعه اللصوصي المتسلق و راح يستعمل شعارنا هذا على صفحات مشبوهة يسميها صحيفة.. هذا دون أن أتطرق إلى السرقات و االإقتباسات الذكية لفكرنا الإعلامي و توججهنا من قبل بعض الصحف العربية رقميا و ورقيا. ـ ليست لدي أحلام في المجال الأدبي أو الإعلامي بل مشاريع جادة و المشاريع قد تتحقق إذا توفرت كل الظروف المواتية و قد تتعثر أو تندثر و تفشل إذا غابت الظروف المواتية.. عموما مشاريعي معظم قواسمها المشتركة تصب في دعم الآخر و قليل منها يخصني ككاتب أو مبدع إن شئت ذلك!
س :- ارجو الا اكون قد ارهقتك بالاسئلة ؟ ولكني اظن انة كان حوار أكثر من رائع مع شاعر وأديب مثقف وواعي – وأخيرا ما الكلمة التي تحب أن تقولها في ختام هذة المقابلة ؟
ـ أشكرك صديقي الأستاذ الاديب المصري صابر حجازي على مبادرتك الطيبة هذه التي بحق فاجتني..كل ما أتمناه من المبدع الحقيقي و هم قلة جدا الثبات و ألا يحزن من هذه المسوخ و الضجيج المعرقل أحيانا .. أن لا يحيد عن مقدسات رسالة « القلم » و ألا يغتر بالألقاب الإفتراضية و الشهادات « الكارتونية » المثيرة للسخرية التي يتلقاها من فبيروسات النيت الإفتراضية النافخة في الفراغات لشخصيات دون شخصية أدبية معرفية حقيقية… أن يجتهدوا و يصبروا و أن يقدموا ما أمكن من صدق إبداعي و أن نشر منجزاتهم ليست غاية و نجاحا و صكا دالا على الكمال .. لهاث المبدع وراء نشر أكبر عدد من « هراءات » في مجملها هو الداء بعينه .. لقد طغت الرداءة على جودة الإنتاج بتشجيع أشباه الناشرين الذين يتسابقون في بيع وهم « الكاتب » مقابل مبالغ مالية .. كتب تحت طلب الكبت .. كارثة!.. في القرن الماضي كانت دور النشر تعتمد على لجان قراءة محترمة و سياسة نشر جادة حد الإجحاف و الإقصاء في بعض الأحيان بحكم تسلط نخبة السبعينيات و الثمانينات و فرض أبويتها فيمر المخطوط المقترح للنشر إلى غربلة تقنية و أدبية من قبل مختصين كي يقبل أو يرفض .. في عصر ما يسمي « الدميقراطية الموهومة و حقبة الرقمنة و النيت انعسكت الآية و فتحت الأبواب و دمّر غربال الجدية في اختيار المخطوطات القيمة و الجادة و صار منطق و مبدأ « تدفع مال تنشر و ما عندك مال أرمي فكرك و مخطوطك في الزبالة » .. فصار كل من هب و دب من لصوص و منتحلين و مكبوتين و مومسات الأدب و عابري الأسرة و الغرف المغلقة في الفنادق و الملتقيات الشعرية الموهومة .. يتهافتون برزم مالية يدفعون للمرتزق الفلاني الذي فتح بقرب بقال الحي دارا « للشر و توزيع الأوهام » .. على كلّ لا يصلح العقار ما أفسده السفهاء في وطني من كل فصيل.. أتمنى أن تعود لنا أوطاننا العربية و تصحو من سباتها و دمارها الثقافي السياسي الإجتماعي و أن تحدث ثورات عربية ثقافية لأن في جوهر مأساتنا .. الوطن العربي ليس بحاجة إلى ثورات سياسية و اجتماعية و التخلف الفكري يضرب عمق الأمة ؛ إذا حدثت ثورات ثقافية حقيقية يمكن للحلم في وطن أفضل أن يكون مشروعا ما دون ذلك فإننا نهرب إلى الأمام بأنانيات متفرقة كل في واديه فتسوء الأحوال أكثر مما وصلت إليه.. أحلم ب « طوابير أمام المكتبات العربية » كما قالها صديق عزيز من الجزائر شاعر الأوراس في القرن الماضي ـ ج. رميلي . أخشى عندما نصل إلى تحقيق حلم الطوابير أمام المكتبات
نكون قد بقينا وحدنا على وجه الكرة الأرضية و باقي الأجناس رحلوا إلى كوكب آخر بكل ما يتوفرون عليه من تقنيات رقمية!