قال فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إنَّنا لدينا اليوم نظرية شرقية إسلامية، بديلة لنظرية «صراع الحضارات» تسمى بنظرية: «التَّعارف الحضاري»، حَظِيت في الآونة الأخيرة باهتمام فريق من المفكِّرين والباحثين المتميزين، وقدَّموها باعتبارها ردَّ فعل مناقض لنظرية «الصراع الحضاري»، وهي تعني الانفتاح على الآخر، وتعرُّف كلٍّ من الطرفين على الطرف الآخر في إطار من التعاون وتبادل المنافع، وتمكين الإنسان من أداء الأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهي: إعمار الأرض ومسؤوليته عن إصلاحها وعدم الإفساد فيها بأية صورة من صور الفساد.
وأوضح شيخ الأزهر خلال كلمته بملتقى البحرين للحوار بحضور جلالة ملك البحرين وبابا الفاتيكان، أنَّ هذه النظرية تستند إلى كلمة «التَّعارف» الواردة في القرآن الكريم، كما تستند في إطارها الكلي إلى أصول قرآنية ثلاثة.
وبَيَّنَ شيخ الأزهر أن الأصل الأول هو أنَّ الله تعالى خلق عباده مختلفين في العِرْقِ واللون واللغة والدين، وخصائص أخرى غيرها، وأنهم سيبقونَ مختلفين في هذه الخصائص إلى آخر لحظة في عمر هذا الكون: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.
وتابع أنَّ الأصل الثاني هو أنه تعالى كما خلق الناس مختلفينَ؛ فلا مفرَّ من أن يخلقهم أحرارًا فيما يعتقدون، وإلَّا لَـمَا تحقَّق الاختلاف الذي جعله سنتَه في خلقه.. وفي حق حرية الاعتقاد نقرأ قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}، وقوله مخاطبا رسوله: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، وقوله له أيضًا: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}.
وقال فضيلتُه إنَّ الأصل الثالث أنه إذا كان القرآن الكريم يقرِّرُ الحقيقتين السابقتيْنِ، وهما: اختلاف الناس، وضمان حريَّاتهم فيما يعتقدون، فما هو نوع العلاقة بينهم فيما تقرره فلسفة القرآن؟! ليس من سبيل لهذه العلاقة إلا أن تكون «التعارف»، الذي رسمه الله تعالى إطارًا للمعاملات والعلاقات بين الناس.. وهذا هو ما نقرأه صريحًا في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }. نعم! هو الأصل الثالثُ المستدَل منطقيًّا من الأصلين السابقين، ويمكن صياغته في قاعدة تقول: العلاقة المشروعة بين الناس في القرآن هي فقط علاقة «التَّعارف والسلام»..
وخَلُصَ شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين إلى أنَّ القوانينَ القرآنية لضبط العلاقات الإنسانية في القرآن الكريم تترتب ترتبًا منطقيًّا لا مجال فيه لتأويلٍ أو تحريفٍ: الاختلاف في الطبائع المستلزم لحرية الاعتقاد، المستلزمة بدورها لعلاقةِ السلام بين النَّاس.
وأردف شيخ الأزهر في ختام كلمته أنَّه من هذه النصوص المؤسِّسة لمفهوم الإسلام يتضح في جلاء أنه دين السلام، ودين حرية الاختلاف في العقيدةِ، والاختلاف في الرأي، وأنه ليـس صحيحًا ما يقال وما يروَّج -بين الحين والآخر- من أنَّ سبب مشروعية القتال في الإسلام هو كفر الآخرينَ، فهذا كَذِبٌ محضٌ على الإسلام وعلى سيرة رسول الإسلام، حتى وإن تبنَّى هذا الافتراء بعض المنتسبينَ إلى هذا الدين القائم على الحجة والبرهان، لا على الرِّيبة والبهتان.
التعليقات مغلقة.