مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

شعرية الرسالة والهوية الجوانية في تجربة منال الصناديقي:  نقدية في مختارات “رسايل” وسياقها الإبداعي

بقلم -حسن غريب

ناقد باحث شاعر

توطئة :

تمثل تجربة منال الصناديقي إحدى التجارب المميزة في شعر العامية المصرية، لا من حيث الاشتغال اللغوي فحسب، بل من حيث الوعي العميق بوظيفة الشعر بوصفه أداة معرفة، ووسيط كشف، وفضاء اعتراف وجودي.

وتأتي مختارات «رسايل» (2022) بوصفها خلاصة لمسار شعري طويل، بدأ مبكرًا منذ أواخر الثمانينيات، وتشكّل عبر تداخل الشعر بالإعلام، والنقد، والعمل الثقافي المؤسسي، ما أفرز خطابًا شعريًا مركبًا، تتجاور فيه الذات والذاكرة، والروح والواقع، واليومي والميتافيزيقي.

أولًا: السياق الثقافي وتكوين الصوت الشعري

لا يمكن قراءة منال الصناديقي بمعزل عن:

تكوينها الأكاديمي في الصحافة والإعلام.

انخراطها المبكر في الفعل الثقافي المؤسسي (قصور الثقافة، المؤتمرات، التحكيم).

خبرتها في الخطاب العام، والتلقي الجماهيري، والإلقاء.

هذا السياق منح نصها:

حسًا تواصليًا (القصيدة رسالة).

وعيًا بـالصورة، والإيقاع، والتأثير.

نزوعًا إلى الجمع بين الشعر والتأمل النقدي.

ثانيًا: مفهوم “الرسالة” بوصفه بنية شعرية

في مختارات «رسايل»، لا تُفهم الرسالة بمعناها التداولي، بل بوصفها:

هامشًا روحيًا.

علامة كشف.

نداءً وجوديًا.

تقول الشاعرة:

«الرسايل هوامش أرواح

بتقرب البعد ع العقل المنسوج»

هنا تتحول القصيدة إلى:

وسيط بين المرئي واللامرئي.

مساحة تأويل لا تقرير.

خطاب مفتوح على القارئ لا مكتفٍ بذاته.

ثالثًا: اللغة – بين العامية والتصوف

لغة منال الصناديقي:

عامية غير استهلاكية.

مشبعة بالتراث الصوفي والرمزي.

تعتمد على التكثيف والانزياح لا السرد المباشر.

نلاحظ:

حضور الحقل الصوفي: (الحضرة – الوجد – النور – الفناء – الكشف).

تداخل الحسي بالروحي.

انزلاق المفردة اليومية إلى دلالة كونية.

مثال:

«أنا مش أنا

ولا أنت مش هو»

وهو تفكيك صريح لمركزية الأنا، لصالح التوحد الوجودي.

رابعًا: الجسد والذاكرة بوصفهما نصًا

الجسد في شعرها:

ليس موضوعًا، بل أرشيفًا.

يحمل الوجع، والحنين، والخبرة.

والذاكرة:

قد يهمك ايضاً:

نقابة المهن التمثيلية تنعى المخرج الكبير داوود عبدالسيد

رحيل المخرج داود عبد السيد.. وداعًا لفيلسوف الصورة في…

ليست استرجاعًا نوستالجيًا.

بل إعادة كتابة للذات عبر الأب/الجد/الخال/الأنثى/الطفل.

كما في قصائد:

«جدي اللي ما شفتوش»

«خالو كمال»

«أمل مامتتش»

حيث تتحول السيرة الشخصية إلى سيرة جمعية.

خامسًا: البعد الأنثوي بلا شعارات

الأنثى في شعر منال الصناديقي:

كينونة معرفية.

ذات متأملة لا محتجة فقط.

حضور بلا خطاب نسوي مباشر.

هي أنثى:

ترى.

تحلل.

تكشف.

 لا تطلب تعاطفًا، بل تفرض شرعية صوتها.

سادسًا: البنية الإيقاعية والشفاهية

بحكم خبرتها في الإلقاء والإعلام:

القصيدة مكتوبة لتُسمَع.

الإيقاع داخلي، نابع من التكرار، والتدوير، والنبر.

الجملة الشعرية تتنفس شفاهيًا.

وهذا يمنح النص:

قابلية الأداء.

طاقة تواصل عالية.

بعدًا دراميًا خفيًا.

خاتمة رؤيتي النقدية:

تمثل منال الصناديقي صوتًا شعريًا ناضجًا في العامية المصرية، تجاوز:

المباشرة.

الخطابية.

اليومي العابر.

لتؤسس مشروعًا يقوم على:

شعرية الرسالة.

كشف الداخل الإنساني.

المصالحة بين اللغة والروح.

إن مختارات «رسايل» ليست مجرد تجميع نصوص، بل بيان شعري متأخر يؤكد أن التجربة، حين تنضج، تتحول من كتابة الألم إلى معرفة الألم.

مراجع .

1-صلاح فضل – أساليب الشعرية المعاصرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب.

2-عبد الملك مرتاض – في نظرية النص الأدبي.

3-جابر عصفور – زمن الرواية (في مفاهيم التحول الخطابي).

4-محمد عبد المطلب – بلاغة السرد والشعر.

5-أدونيس – الثابت والمتحول.

6-مختارات منال الصناديقي: رسايل – دار أم الدنيا، 2022.

7-كتاب أسرار الوقت وقراءات نقدية أخرى – منال الصناديقي، 2024.