مصر البلد الاخبارية:
هي العابدة الزاهدة المُبارَكة، سليلة بيتٍ صالِح تقيٍّ؛ فهي مِن نسْل نبيِّ الله داود – عليه السلام – وبنتٌ لأبوَين مؤمنين، حتى إن أمَّها نذرَت أن تجعلها عابدةً في بيت المَقدِس وهي لا تزال حملاً في بطنها، واعتنى بتربيتها نبيٌّ كريم، هو زكريا – عليه السلام – لذلك نرى هذا الوصف الجليل في قوله – تعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [آل عمران: 42، 43].
ووهَب الله لها عيسى ابن مريم مِن غير أبٍ له؛ آيةً منه – جل وعلا – وجعَل مِن أدلة براءتها آية أخرى؛ أن هذا الطفل يُكلِّم الناس بلسان مُبين بعد ولادته مُباشَرةً.
وهكذا شكرَت مريمُ نعمةَ الله عليها بالهداية؛ فاجتهَدت في عبادته – سبحانه وتعالى – وكانت مَضرِب المثل في الطاعة والعبادة والصبر على ما نالها مِن بهتان الكافرين الحاقدين.
وصدَق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – القائل: ((كَمُل مِن الرجال كثير، ولم يَكمُل مِن النساء غير مريم بنت عمران، وآسيَة امرأة فرعون))؛ متَّفق عليه.
فأين مَن تَقتدي بمريم – عليها السلام – وتَعرِف نعمة الهداية؟
امرأة فرعون:
هي آسيَة بنت مزاحِم، امرأة الجبار العَنيد فرعون، هذه المرأة الصالِحة التقيَّة النقية حازت مِن الدنيا أنفسَ زخارفها، ومع ذلك بقي نداء الفطرة مُتأصِّلاً في أعماقها، لم يَطمِسْه كذب فرعون ولا بُهتانُه ولا ظلمه؛ فهي عندما رأت موسى – عليه السلام – طفلاً رضيعًا يُريد جنود فرعون قتْلَه؛ لأنه مِن بني إسرائيل، أبتْ فِطرتُها ذلك العدوان، بل وأبَت إلا أن تَعتني به وتصطفيه لنفسها؛ قال – تعالى -: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9].
ولما صدَع موسى بالحق ودعا إلى الله – جل وعلا – آمنَتْ معه، وكفَرت بفرعون زوجِها، واختارت القتل والعذاب في الدنيا على مُلكِ فرعون وزخارف الدنيا، وكانت أسمى أمانيها القرب مِن الله – جل وعلا – قال – تعالى -: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [التحريم: 11].
فأين مَن تَقتدي بآسيَة؟ فلا تغترَّ بزخارف الدنيا، ولا تَبيع دينَها بعرَض مِن الدنيا قلَّ أم كَثُر، وكل عرَض الدنيا قليل.