المغرب – بدر شاشا :
يعيش سكان الجبال والقرى والمناطق النائية في المغرب ظروفًا صعبة للغاية، إذ تجمع حياتهم اليومية بين تحديات طبيعية قاسية وضغوط اقتصادية واجتماعية متعددة. هذه المناطق، على الرغم من ثرائها بالمناظر الطبيعية والتنوع البيئي، تعاني من نقص الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والإسكان وفرص التشغيل، ما يجعل الحياة فيها معركة مستمرة من أجل البقاء والعيش الكريم. سكان هذه المناطق، الذين غالبًا ما ينتمون إلى فئات اجتماعية فقيرة، يمثلون أبطالاً صامتين يواجهون الحياة اليومية بشجاعة وصبر لا مثيل لهما.
في مجال التشغيل، يواجه سكان الجبال والهضاب صعوبة بالغة في الحصول على فرص عمل مناسبة. الأراضي الوعرة تجعل الزراعة محدودة الإنتاجية، والصناعة شبه غائبة، بينما الهجرة نحو المدن الكبرى ليست خيارًا متاحًا للجميع بسبب ضعف الإمكانيات المالية ونقص وسائل النقل. كثير من الشباب يعيشون البطالة والفقر، ويضطرون للعمل الموسمي في الزراعة أو رعي المواشي أو كعمال يوميين بأجور منخفضة، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على الأسر.
أما الصحة، فالوصول إلى المراكز الصحية في هذه المناطق يمثل تحديًا كبيرًا. غالبية القرى النائية بعيدة عن المستشفيات، والطرق الجبلية صعبة ومهددة بالخطر في مواسم الأمطار أو الثلوج. النقص في الأطباء والممرضين والمعدات الطبية يزيد من معاناة السكان، خاصة كبار السن والأطفال والنساء الحوامل، الذين يضطرون أحيانًا للسفر لمسافات طويلة للحصول على الرعاية الصحية الأساسية، مع ما يحمله ذلك من تكاليف إضافية وتأثير على حياتهم اليومية.
التعليم أيضًا يمثل تحديًا كبيرًا. المدارس قليلة ومزدحمة، وغالبًا ما تكون بعيدة عن المنازل، ما يجبر الأطفال على قطع مسافات طويلة يوميًا وسط الطقس القاسي، خاصة في الشتاء حين تتساقط الثلوج على الطرق الجبلية أو تتجمد المياه في القنوات. نقص المدرسين المؤهلين والكتب والوسائل التعليمية يضاعف من صعوبة التحصيل العلمي ويحد من فرص الشباب في تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي، ليظل الجيل الجديد مقيدًا بالظروف القاسية المحيطة به.
أما السكن، فهو غالبًا غير لائق ولا يحمي السكان من قسوة الطقس. البيوت في الجبال والهضاب غالبًا ما تكون بسيطة، مبنية من الطين والحجارة، ولا تحتوي على وسائل التدفئة الكافية. مع حلول فصل الشتاء، يواجه السكان بردًا قارسًا يهدد حياتهم ويزيد من الأمراض المرتبطة بالبرد، خاصة بين الأطفال وكبار السن. نقص الوقود وارتفاع تكاليف التدفئة يجعل السكان يعانون بشكل يومي من المعاناة الجسدية والنفسية، ويضطرون أحيانًا للاعتماد على وسائل بدائية للتدفئة.
العيش اليومي في هذه المناطق يتسم بالاعتماد على الطبيعة، إذ يعتمد الفلاحون والرعاة على الزراعة التقليدية وتربية المواشي، لكن هذه الأنشطة تواجه مخاطر كبيرة من تغير المناخ والجفاف والثلوج الغزيرة، ما يجعل الأمن الغذائي هشًا ويزيد من هشاشة المجتمع المحلي. السكان يعيشون تحت ضغوط مستمرة من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يتطلب منهم صبرًا وإبداعًا كبيرين لمواجهة الحياة اليومية.
على الرغم من هذه المعاناة، يتميز سكان الجبال والقرى بالصلابة والصبر وروح التعاون، حيث تتشكل شبكات دعم مجتمعية قوية بينهم، تساعدهم على مواجهة التحديات اليومية، سواء من خلال تبادل الموارد أو العمل الجماعي في الزراعة والرعي. هؤلاء الفقراء، رغم ضغوط الحياة الصعبة، يظلون مثالاً للكرامة والصمود في مواجهة الظروف القاسية، ويشكلون جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي المغربي.
إن معاناة سكان المناطق الجبلية والنائية في المغرب تعكس الفجوة الكبيرة بين المناطق الحضرية والمناطق النائية من حيث الخدمات الأساسية وفرص التنمية، وتبرز الحاجة الملحة إلى استثمارات حكومية حقيقية في البنية التحتية، التعليم، الصحة، الإسكان، وفرص التشغيل، مع التركيز على مواجهة تحديات الطقس القاسي وضمان حياة كريمة للفقراء الذين يمثلون العمود الفقري لهذه المناطق.
