مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

شبح الحرب وضغوط التهجير ….. معادلة الصبر والردع

بقلم الأستاذ الدكتور – هشام فخر الدين:

لا شك عزيزى القارئ أن السُعار الإسرائيلي ليس انفعالاً عسكرياً عابراً، بل عقيدة استراتيجية تستهدف العرب مجتمعين عبر استخدام القوة المفرطة، وفرض الضغوط السياسية، وإعادة رسم التوازنات. ومع انقسام الصف العربي وتنامي التطبيع، ازدادت قدرة المحتل الإسرائيلى على فرض رؤيتها. ومع ذلك، فإن رفض مصر والأردن لمشاريع التهجير، وتمسك الشعوب العربية بقضيتها المركزية، يمثلان إشارات إلى أن مشروع “جنون القوة” الإسرائيلي لن يمر بسهولة.

بالإضافة إلى أن إعادة بناء موقف عربي موحد هو السبيل الوحيد لكبح هذه السياسات وحماية الأمن القومي العربي. وعند تقييم قدرة دولة على «إثارة قلق» جارتها، لا يكفي النظر إلى منصات تسليح منفردة؛ بل يجب دراسة التوازن الكليّ عدد القوى البشرية، منظومات الدفاع الجوي، القوة الجوية والبحرية، قدرات الصواريخ والضربات المضادة، والبُعدين الجيوستراتيجي والسياسي — عوامل تجعل أي حساب تكلفة يختلف عن مجرد مقارنة أرقام. ومصر تجمع هذه العناصر، وهذا ما يفسّر مكانتها الإقليمية كقوة ردع مؤثرة.

ويظل الجيش المصري من أكبر التشكيلات في المنطقة من حيث الأفراد والهيكل المؤسسي والقدرة على التعبئة. وهذا الحجم يسمح لمصر بإجراء عمليات برية وإدارة جبهات متعددة، والتحكم في مساحات شاسعة من سيناء والحدود الشرقية، مما يغيّر حسابات أي طرف يفكّر في تهجير أو توسيع نطاق عمليات عسكرية عبر الحدود.

بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي المتعددة الطبقات فخلال السنوات الأخيرة عملت القاهرة على تنويع وتحديث منظوماتها الدفاعية — من صواريخ أرض-جو بعيدة ومتوسطة المدى إلى شبكات رادارية متقدمة وأنظمة مُختلفة المنشأ. وهذا التنوّع من طلبات NASAMS إلى أنظمة صينية/روسية متقدمة بحسب تقارير مفتوحة يمنح مصر قدرة حقيقية على إيجاد «حاجز جوي» صعب الاختراق فوق سيناء ومناطق حيوية أخرى، وبالتالي رفع تكلفة أي عملية جوية تستهدف عمقها أو قصف ممرّات حدودية. هذه النقطة من أكثر نقاط الضعط على التخطيط الجوي لأي قوة مجاورة.

فضلاً عن القوة الجوية المتنوعة والضاربة فالطيران المصري يمتلك مزيجاً من طائرات متعددة الأدوار F-16، رافال، ميغ/طرازات روسية وقدرات دعم قتالي متقدمة، مع قدرات صواريخ جو-أرض متطورة وحاملات ذكاء ومعلومات ميدانية. هذا المزيج يمكن توظيفه للردع الجوي، ضرب نقاط إمداد معادية، أو دعم عمليات برية في سيناء أو الممرّات الحدودية، وهو عامل يراعيه أي مخطط عسكري إقليمي. فضلاً عن تطور القوات البحرية المصرية خلال العقد الماضي، من فرقاطات متعددة المهام إلى أسراب غواصات ووسائل مكافحة سواحل تطوّر من قدرة مصر على تأمين الممرّات البحرية والاستيلاء على مبادرات هجوم / دفاع ساحلي إن لزم الأمر.

وفي سيناريو تصاعد الحدود الشرقية، نجد قُدرة مصر البحرية المرعبة على التحكم في سواحلها تضيف بعداً لوجستياً واستراتيجياً يقلّص هامش المناورة لأي قوة تحاول تغيير الوضع الديموغرافي أو نقل جماعات كبيرة.

قد يهمك ايضاً:

عماد السعدني يَكتُب : أنا والريف بين الماضي والحاضر ووفاة…

أحمد سلام يكتب الطريق إلى كامب ديفيد !

 ومن منظور الردع تشير التقارير المفتوحة إلى أن مصر تملك مع تطوير — مخزوناً لا حد له من صواريخ قصيرة إلى متوسطة المدى، إضافة إلى تكامل رؤوس حرب جوال/ مضادّات سفن قابلة للتسليح على مقاتلاتها مثل صواريخ Kh-31 المعلنة مؤخراً، ما يمنحها خيار توجيه ضربات مؤلمة على بنى تحتية بحرية أو ساحلية مع رفع مخاطر أي عدوان. وهذا البُعد الاستراتيجي عامل مهم في فرض شروط الردع على الخصم.

ولا تُقاس قوة الدولة بالعسكري فحسب؛ فمصر تملك أوراقاً دبلوماسية وشرعية إقليمية — من تحالفات إقليمية إلى علاقات مع قوى كبرى — تتيح لها حشد دعم أو ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية. وهذا البُعد يُضاعف من أثر أي خيار عسكري أو ردعي، لأن التكلفة السياسية والدولية لأي طرف مُعتدٍ ستُؤخذ في الحسبان.

وفي ظل اشتداد الحرب في غزة وتصاعد الخطاب السياسي والدبلوماسي بشأن مستقبل القطاع، باتت مصر محوراً مركزياً في معادلة إقليمية تحمل احتمال تصعيد عسكري مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي — ليس كسيناريو مرجح اليوم فحسب، بل كخطر يجب دراسته من زاوية سياسية وعسكرية عاجلة.

فالموقف المصرى الرسمي واضح وصريح وكما تم الاعلان عنه بأن نقل أو تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء خط أحمر لا يمكن التفاوض عليه، ووصفت السلطات المصرية أي حديث عن « رحيل طوعي » أو «نقل مؤقت» بأنه محض هراء أو محاولة تبرير للتهجير القسري. وهذا الموقف تكرر أكثر من مرة على لسان وزارتي الخارجية المصرية ومصادر رئاسية، ما يضع مصر في موقع المدافع عن ثوابت قومية وقانونية وإنسانية تُعدّ جزءً من شرعيتها الإقليمية من منطلق القوة مما يعد إنذاراً صريحاً للمحتل الإسرائيلى.

إلا أن الصبر المصري ليس بلا حدود تجنّب القاهرة المواجهة المباشرة مع المحتل الإسرائيلى قاتل الأطفال ومغتصب الأرض، يخضع لحسابات معقدة — داخلية، إقليمية، وعسكرية. داخلياً، فلا تستطيع الحكومة المصرية تجاهل غضب شعبي واسع ضد أي محاولة لطمس القضية الفلسطينية أو استقبال طارئ لملايين النازحين. إقليمياً، تلعب مصر دور الوسيط بين الفصائل الفلسطينية والقوى الدولية، وفقدان هذا الدور يُضعف موقعها الإستراتيجي. وعسكرياً فإن أي ضربة إسرائيلية على سيادة مصر أو عمليات اغتيال في أراضيها تُعامل كخرق فاضح للسيادة، وقد تُقوّض سياسة الإحتراز التي اتبعتها القاهرة طيلة عقود.

وثمة سيناريوهان رئيسيان قد يدفعان إلى مواجهة مصرية ــ إسرائيلية فى حال تجرأ المحتل الصهيونى وتعديه بضربات إسرائيلية داخل الأراضي المصرية أو تنفيذ عمليات استهداف لضباط أو قيادات فلسطينية على الأراضي المصرية وهذا ما لا يمكنه فعله نظراً لقوة الردع المصرية. والثانى ضغوط إقليمية ودولية مكثفة لإقناع مصر بقبول نزوح قسري من غزة، ما قد يؤدي إلى إغلاق القنوات الدبلوماسية واشتباك أمني على حدود رفح. وقد كشفت تقريرات وإفادات استخباراتية عنها مؤخراً تحدثت عن محاولات إسرائيلية لاستهداف قيادات على الأرض خارج قطاع غزة، وهو ما وصفته القاهرة بأنه «يُعامل كإعلان حرب».

فعلى الرغم من التفوق التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي، تحتفظ مصر بميزة جيوستراتيجية حاسمة متمثلة فى السيادة على الشريط الحدودي مع غزة وقدرتها على تحويل سيناء إلى عائق لوجستي وأمني في وجه أي محاولات تغيير ديموغرافي قسري. فضلاً عن تحريك قوات كبيرة إلى سيناء، وتوسيع نقاط التفتيش، وتعزيز السيطرة الجوية والبحرية كلها أدوات سياسية وعسكرية تُظهر قدرة مصر على فرض تكاليف باهظة على أي مخطط لتهجير جماعي.

كما أن أي اعتداء إسرائيلي على الأراضي المصرية سيستدعي ردة فعل لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تتعداه إلى فتح ملفات قانونية ودولية في مؤسسات الأمم المتحدة والمحافل الإقليمية. والخيار الأكثر منطقية لأطراف النزاع في المدى القريب هو استمرار حالة الاحتقان مع مساعٍ دبلوماسية دولية وإقليمية لمنع انفجار إقليمي أكبر. فلم تعد مصر قادرة على أن تكون مجرد مراقب؛ فهي متورطة كطرف فاعل يملك أوراق ضغط حقيقية — من إغلاق معابر إلى تعطيل أي محاولة لإضفاء شرعية على نقل قسري. في الجانب الآخر، فضلاً عن ما تواجهه عصابة الاحتلال من معضلة هل تستمر في سياسات عسكرية قد تقود إلى عزلة دولية وتوتر حدودي مع جيرانها، أم تسعى إلى حلول سياسية تقلص المخاطر؟ حتى الآن الحسابات الإسرائيلية تتأرجح بين الأمن القومي القصير الأمد والتكاليف الدبلوماسية الطويلة الأمد . وتُظهر مصر صبراً استراتيجياً لكن ليس بلا حدود. وثباتها على مبدأ «سيناء ليست ملجأً لتهجير فلسطيني» يجعل أي محاولة لإجبارها على قبول تهجير قسري مخاطرة عالية التكلفة بالنسبة لإسرائيل وللقيادة الدولية الداعمة لها. وعسكرياً فمصر كما ذكرنا تملك أدوات ردع ردعية منها ما هو معلن ومنها ما هو غير معلن، مما يشكل رعباً شديداً من جانب المحتل فى الدخول فى مواجهة ثانية مع مصر وتلقى هزيمة أخرى على يد الجيش المصرى خير أجناد المصرى. وإن كانت تتجنب مواجهة مفتوحة لاعتبارات داخلية وإقليمية. وسياسياً فإن الطريق الآمن يمر عبر حلّ دولي متفق عليه، وقف لإطلاق النار، وإعادة بناء تفاهمات تضمن عدم تحويل معاناة الفلسطينيين إلى أزمة إقليمية تهدد أمن واستقرار الشعبين والمنطقة بأسرها مع إقرار حل الدولتين هذا فى أراد المحتل الصهيونى البقاء مع الآخذ فى الاعتبار أن المحتل لا عهد له فإن لم يكن هناك قوة ردع تدخله بئراً يخشى الخروج منه وتلك القوة التى يخشاها منذ احتلاله للأراضى العربية هى مصر ووحدة الصف العربى.