مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

سيناء ٢٠١٨ .. هل حان وقت “القوة الغاشمة”؟

كتب – محمد عيد:

“القوة الغاشمة” مصطلح استخدمه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو يوجه تكليفه للقوات المسلحة والشرطة في نوفمبر الماضي لاستخدام كل القوة المتاحة للقضاء على الإرهاب في سيناء، ورغم ما أثاره استخدام الرئيس للمصطلح من جدل، بعدما رأى البعض أنه لم يكن موفقا، إلا أن الرئيس أصر على استخدام نفس المصطلح في مناسبات لاحقة، وكأنه يبعث برسالة مفادها أنه يقصد المعنى ويصر عليه.

ومع انطلاقة العملية العسكرية الشاملة “سيناء ٢٠١٨” فجر الجمعة الماضية، والتي يصفها خبراء عسكريون بأنها “أكبر عملية تقوم بها القوات المسلحة منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣”، ووسط أجواء حربية واستنفار غير مسبوق لقوات الجيش والشرطة في مختلف المحافظات، ربما أدرك كثيرون أن أوان القوة الغاشمة قد حان بالفعل، لتوجه مصر الضربة القاضية لعصابات الإرهاب المسلح، بعد حرب استنزاف طالت بين الجانبين على مدى ٤ سنوات.

والحقيقة أن المقارنة بين تكلفة حرب الاستنزاف بين الدولة والجماعات الإرهابية لا يمكن أن تصمد لمقارنة حقيقية، فبلغة الأرقام، وبحسب دراسة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات فإن تكلفة تنفيذ أي تفجير انتحاري تقدر بـ150 دولارًا تقريبًا، وبهذا المبلغ الزهيد يمكن للإرهابي قتل حوالي 12 شخصًا فى المتوسط، وإثارة الذعر في نفوس آلاف المواطنين.

يكفيك هنا أن تعلم أن سلسة التفجيرات التي استهدفت شبكة مواصلات لندن في يوليو 2005 والتي خلفت أضرارًا قُدرت بنـحو 2.5 مليار دولار تكلّفت ألفي دولار فقط!.

قد يهمك ايضاً:

وزير التموين مفاجأة مفرحة للمواطنين بشأن أسعار الزيوت قبل…

أمين الفلاحين في ضيافة الشهبندر لمناقشة آخر المستجدات…

فالإرهاب معركة غير عادلة، تعظم ربح الإرهابيين في حين تتحمل الدولة والمواطن الخسارة كاملة، فالعمليات الإرهابية تستنزف اقتصاد الوطن تمامًا كما تستنزف دماء أبنائه، فقد كبدت العمليات الإرهابية مصر خسائر فادحة، بلغت قيمتها 110 مليارات جنيه في عام 2015-2016 وفق تقرير مؤسسة مؤشر الديمقراطية، والتي أشارت إلى أن هذه الخسائر تنوعت بين خسائر في البنية الأساسية من محطات توليد كهرباء وسكك حديدية، وخسائر في قطاعات خدمية كالسياحة والبورصة والتجارة.

ورغم فداحة الخسائر الاقتصادية، إلا ان ذلك لا يقارن بتلك الخسائر السياسية والاجتماعية التي يتحملها الوطن جراء ما يسمى بـ”العمليات النوعية” للجماعات الإرهابية، والتي ركزت في الآونة الأخيرة ومع قوة الضربات الأمنية الاستباقية، على هجمات تستهدف إحداث أكبر ضرر ممكن في النسيج الاجتماعي المصري، سواء من خلال استهداف دور العبادة والمصالح القبطية، في محاولة لإشعال انقسام طائفي، وهو هدف قديم طالما سعت القوى الاستعمارية لتحقيقه في مصر، او حتى من خلال محاولة إشعال صراعات مذهبية شبيهة بما عانت منه دول عربية شقيقة، وقد تجسد ذلك في استهداف مسجد الروضة، وإشاعة أن الهدف وراءه هو استهداف جماعات صوفية مستقرة بتلك المنطقة.

ولا تأتي عملية “سيناء ٢٠١٨” من فراغ، رغم توقيتها المفاجئ بعض الشيء، فكثير من خبراء الأمن والاستراتيجية يتحدثون عن أن تلك العملية تأتي استكمالا لعمليات متعددة شنتها القوات المسلحة خلال السنوات الـ4 الماضية، في سيناء والمناطق الحدودية تحت مسميات مختلفة مثل العمليتين «نسر 1 و2» وعملية حق الشهيد والتي شملت 4 مراحل، لكن هذه المرة يرى عدد من الخبراء العسكريين أن العملية الحالية لن تكون كما سبق، فهي «عملية شاملة تأتي بعد تمرس الجيش على مواجهة التنظيمات الإرهابية واكتساب القوات خبرة كبيرة في تعاملهم، وتأتي العملية معززة بدعم من كل الأجهزة في الدولة وكل فروع القوات المسلحة».

وتأتي العملية الشاملة في توقيت يشهد تراجعا واضحا لمعدلات العمليات الإرهابية، وإن لم يتراجع خطرها، فقد وثقت هيئة الاستعلامات بحسب ما أعلنه رئيسها في تقرير له، الشهر الماضي، أن التوزيع الجغرافي للإرهاب تحول تحولًا كبيرًا، وتمكنت القوات المسلحة من قتل ما لايقل عن 1800 إرهابيًا، خلال الفترات الماضية،ومحاصرة الكتل الأساسية للعناصر المتطرفة في مساحة لا تتجاوز (100 كم) بالجزء الشمالي الشرقي لسيناء.

ورغم تلك الضربات الناجحة، لكن العناصر الإرهابية لا تزال قادرة على توجيه ضربات مؤلمة، ولعل عملية “الروضة”، و”مذبحة الواحات” خير دليل على ذلك، فضلا عن تقارير استخباراتية تشير إلى تعدد مصادر الخطر الإرهابي على مصر، كلما زاد الضغط على الجماعات الإرهابية، وبخاصة تنظيم “داعش” في العراق وسوريا وليبيا.

ومع الدعم الشعبي الكبير الذي تحظى به عملية “سيناء ٢٠١٨”، إلا أن الحرب على الإرهاب، واجتثاث جذوره من التربة المصرية، تتطلب الاستفادة من دروس التاريخ، فالضربات العسكرية والأمنية – على أهميتها- لا يمكن أن تسجل انتصارا حاسما ونهائيا على الإرهاب، فالمواجهة الفكرية ضرورة لا غنى عنها، ومعارك العقول لا تقل ضراوة عن معارك السلاح، لكنها يمكن أن تكون أطول مدى وأعمق أثرا

اترك رد